اختطف مقاتلو تنظيم "داعش" آلاف النساء الإيزيديات لبيعهن كجواري في الأسواق، من أجل استغلالهن جنسيا. وفي ألمانيا تم تخصيص برنامج لاستقبال ومساعدة بعض هؤلاء الضحايا اللاتي تعرضن لصدمات نفسية.
ويعتبر مقاتلو تنظيم "داعش" النساء الإيزيديات سلعة يمكنهم أن يفعلوا بهن ما يحلو لهم، فهم يقاتلون من يخالفهم بلا رحمة، كما يبيعون الإيزيديات في الأسواق لاستغلالهن جنسيا. ويقدر عدد الإيزيدات اللاتي نجحن في الفرار من قبضة تنظيم "داعش" بنحو ألفي سجينة. وقد صدم رئيس وزراء ولاية بادن فورتمبيرغ، فينفريد كريتشمان، عند التفكير فيما يمكن أن تصبح عليه أقدار هؤلاء النساء اللواتي تعرضن لصدمات نفسية. لذلك أطلق هذا السياسي المنتمي لحزب الخصر برنامجا خاصا لاستقدام حوالي ألف امرأة إيزيدية إلى ألمانيا حتى نهاية العام، وتم تخصيص ثلاثين مليون يورو لهذا الغرض.
من بين هؤلاء النساء الناجيات، ليا (اسم مستعار). فرغم أنها لا تريد أن تفصح عن اسمها الحقيقي، لكنها لا تريد أن تحتفظ بقصتها لنفسها إلى الأبد. قضت ليا البالغة من العمر 22 عاماً شهرين و16 يوما كسجينة لدى مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية". وتروي تجربتها قائلة: "الحياة كانت جحيما هناك، وحتى عندما كنا نبكي، كانوا يضربوننا. لم يكن هناك طعام، ولم نكن نستطيع أن نغتسل. صلينا ودعونا الرب أن نموت، لكننا بقينا على قيد الحياة. كل واحدة منا أخذها أحد رجال التنظيم، وكانوا يتعاملون بعنف مع هؤلاء اللواتي لم يردن الذهاب معهم، فيكسرون أيديهن أو يضربوهن بالمسدس على الرأس".
ليا امرأة رقيقة، ضعيفة البنية، تحمل هاتفها الذكي في يدها، فهو وسيلتها للتواصل مع عائلتها عبر الفيسبوك. فهي تتواصل مع شقيقها الذي اضطر إلى البقاء في مخيم للاجئين في محافظة دهوك في شمال العراق، وكذلك مع قريبتين لها جاءتا إلى ألمانيا في إطار نفس البرنامج، لكنهما يعيشان في مدينة أخرى بعيدة. أما ليا فتعيش مع شقيقتها الكبرى في شقة مشتركة مع أشخاص آخرين، لكننا لا نستطيع ذكر اسم المدينة لأسباب أمنية. وحتى الآن وصل ما يقرب من 500 امرأة إيزيدية إلى ألمانيا.
لفتة طيبة لا تحل المشكلة
إلهان كيزيلهان معالج نفسي وخبير في مجال الصدمات النفسية وهو الذي استقدم ليا إلى ألمانيا. فهذا الخبير النفسي يسافر بانتظام في رفقة بعثة صغيرة إلى شمال العراق لإنجاز مهمتهم الصعبة وهي اختيار النساء الإيزيديات اللاتي سيتم استقبالهن في ألمانيا في إطار هذا البرنامج الخاص. أما المعايير فيحددها البرنامج سلفا وهي: "تحرير النساء اللواتي كن أسرى في أيدي مقاتلي تنظيم "داعش" ونجحن في الهرب، بمعنى النساء اللواتي هن في حاجة إلى حماية، واللواتي تعرضن لصدمات نفسية أو أصبن بمرض آخر نتيجة الأسر".
لكن اختيار نساء دون غيرهن عملية صعبة، كما يشرح إلهان كيزيلهان: "هناك حوالي 120 ألف شخص في حاجة إلى الرعاية النفسية والاجتماعية والطبية. وليس من السهل عدم إدراجهم في لائحة الناس الذين سنأخذهم إلى ألمانيا". لكن عدد الأماكن التي بقيت هي 500 فقط، والبرنامج بمثابة "لفتة طيبة للضحايا لكنه لا يحل المشكلة".
انتقادات للبرنامج
ومن جانبه يرى صلاح أحمد؛ معالج نفسي ألماني من أصول كردية، أن اختيار ألف امرأة ليس عادلا. ويشرف صلاح أحمد منذ عشر سنوات على علاج ضحايا الحرب والتعذيب في شمال العراق. وهو ينتقد تخصيص برنامج ولاية بادن فورتمبيرغ 30 مليون يورو لاستقدام النساء الإيزيديات، مضيفاً أنه "كان بالإمكان صرف ذلك المبلغ على نحو أكثر فعالية في عين المكان".
ويشرف صلاح أحمد حاليا على عملية مراقبة بناء مركز لعلاج النساء من الطائفة الإيزيدية ببلدة جمجمال شمال العراق. ويتم تمويل المشروع بفضل التبرعات، ومساعدات المؤسسة الكنسية الألمانية Misereor والوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية. وعن أهمية المشروع في عين المكان يقول صلاح أحمد: "التماسك الاجتماعي بين الإيزيديين فيما بينهم قوي، ولا يقتصر ذلك على الأسرة بل يشمل المجتمع أيضاَ، وإذا اختيرت امرأة واستُقدمت إلى ألمانيا، يصعب لتلك المرأة تحمل معاناة الفراق".
مساعدة الأهل
ومن أجل مساعدة الضحايا يبني صلاح أحمد مراكز العلاج بفضل مؤسسته الخيرية "جيان" لضحايا التعذيب في مخيمات اللاجئين. هناك يمكن للنساء الإقامة وتلقي العلاج، ويمكنللأسرزيارتهن. ويقول أحمد: "عادة ما تشارك الأم معنا في عملية العلاج، وتساعد في مراقبة ابنتها ونداء المساعدين عند الضرورة"، فالشابات الإيزيديات اللاتي يتعرضن للاستغلال الجنسي كثيراً ما يحاولن الانتحار.
وقد درب صلاح أحمد عشرين معالجا جديدا لمساعدة اللاجئين في عين المكان، لكنه يقر بأن البرنامج لا يستطيع معالجة الجميع: "نحن في حاجة إلى ألفي معالج نفسي وليس لعشرين فقط. فالحرب لا تزال متواصلة للأسف".
الخطر مستمر
حتى ليا التي تعيش في جنوب ألمانيا تعاني بسبب الانفصال عن أهلها وتقول إنه لو كانت الظروف أفضل بقليل في مخيم اللاجئين بمدينة دهوك (شمال العراق) لبقيت هناك. لكن المخيم كان يفتقر إلى كل شيء: ليس هناك مكان يتسع للجميع، لا توجد مياه نظيفة ولا رعاية طبية. ورغم أنها الآن تعيش في مكان آمن، إلا أنها حزينة ومشغولة البال، فهي لا تعرف إن كان والداها لا يزالان على قيد الحياة، فمن أصل 1700 من سكان قريتها في جبال سنجار لا يزال 1200 في عداد المفقودين.
"كلنا غاضبون، وهذا الوضع استمر لأكثر من سنة. لقد سئمنا هذه الحياة، ولا يمكننا الاستمرار هكذا. ولا أحد في مكاننا يمكنه تحمل هذا الوضع. لكننا لن ندع الوضع يقضي علينا، والأزمة ستزيد من قوتنا". هكذا تصرخ هذه المرأة بصوت عال، وتريد أن تروي قصتها حتى لا ينسى العالم أن معاناة الآلاف من النساء الإيزيديات الأسيرات لدى مليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي لا تزال مستمرة.