بإعلان لجنة نوبل أخيراً فوز أطراف الحوار الرباعي التونسية: الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، يحظى العرب بنصيب للمرة الخامسة من هذه الجائزة الدولية الأشهر في العالم بفروعها المختلفة منذ تأسيسها مطلع القرن الماضي.
فالمرة الاولى كانت في مجال السلام للعام 1978 ومُنحت للرئيس الراحل أنور السادات بالشراكة مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، والرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز، والمرة الثانية فكانت في مجال الأدب للعام 1988 ومُنحت للروائي المصري الكبير الراحل نجيب محفوظ، والمرة الثالثة في مجال السلام، ومُنحت مناصفة بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، والمرة الرابعة فقد كانت في مجال السلام للعام 2011 ومُنحت لليمنية توكل كرمان بالشراكة مع الليببريين إلين جونسون سيرليف وليما غبوي.
أما حينما مُنحت في مجال الكيمياء للعام 1999 لأحمد زويل (أميركي من أصل مصري) فلم يكن لبلده الأصلي ولا للعرب أي فضل لبروز نبوغه الذي أهّله للفوز بها، بل للبلد الذي هاجر إليه العام 1969 ووفّر له بيئة هذا النبوغ العلمي، وكانت من أسباب هجرته إليها بعد ما مرَّ بصدمة احباط شديدة لغياب مثل هذه البيئة في بلده مصر التي حالت دون تحقيق طموحه وأحلامه العلمية.
والحال، ثمة مرتان فاز فيهما العرب عن جدارة واستحقاق بجائزة نوبل، الأولى حينما فاز بها نجيب محفوظ العام 1988 في مجال الأدب، والثانية حينما فازت بها أخيراً الأطراف الرباعية للحوار الوطني التونسي في مجال السلام، ذلك بأن فوز السادات بها بالشراكة مع بيريز انما جاء على خلفية مناخ الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو المناخ الذي ألقى بظلال من الشكوك القوية على مدى حياد لجنة نوبل وتجردها والتي لطالما منحتها لرموز معادية للمعسكرالأخير، ومن هنا يمكننا أن نفهم بالضبط سر منحها السادات العام 1978، ثم منحها عرفات العام 1993، ولاسيما أن التجربة التاريخية أثبتت بقوة ان كلا الاتفاقين، كامب دافيد واوسلو، لم يجلبا السلام للمنطقة، بل تفاقم التوتر والصراع فيها أكثر في ظل تطبيق كليهما، هذا على رغم مرور نحو 40 عاماً على الاتفاق الأول وأكثر من 20 عاماً على الاتفاق الثاني، وما ذلك إلا لأنهما لا يحققان الحد الأدنى المقبول من حقوق الشعبين المصري والفلسطيني، بل جاءا على حساب حقوقهما. بل وحتى الفتات التي حققها كلا الشعبين منهما تنكرت سلطات الاحتلال ومازالت تماطل في تنفيذها مادامت «اسرائيل» تعتبر نفسها فوق القانون وفوق إرادة المجتمع الدولي بدعم مباشر من الولايات المتحدة وحلفائها. كما كان فوز ربة البيت اليمنية المغمورة كرمان توكل هو الآخر لا يقل مهزلة عن فوز السادات وعرفات، وخاصة إذا ماعرفنا أن عالمنا العربي لا يزخر فقط بطلائع نسائية بالمئات قدمن تضحيات جسيمة هائلة في النضال من أجل وطنهن ومن أجل المرأة والديمقراطية، بل ولما اتضح لاحقاً من ميولات هذه المرأة لواحدة من اكبر التيارات السلفية المعادية إلى حقوق المرأة وغياب أي وجود فاعل ملموس لها في ساحات النضال العام من أجل التغيير والتحولات الديمقراطية.
وبهذا يمكننا القول إن فوز أطراف الحوار الوطني الرباعي التونسي: الاتحاد الوطني للشغل، والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة الوطنية لحقوق الانسان، بجائزة نوبل للسلام هو استحقاق جاء هذه المرة في محله تماماً ونالته هذه الأطراف بجدارة لما قامت به من جهود كبيرة في انجاح حوارها من أجل استكمال عملية التحول نحو الديمقراطية في بلادها، جنباً إلى جنب مع ارساء الدعائم الوطيدة التي ترسخ وتحفظ السلم والأمن الداخليين وهو ما يسهم بدوره في تعزيز السلم العالمي.
والحال ثمة ثلاث دلالات يمكن استخلاصها من منح الجائزة للأطراف التونسية الأربعة المذكورة:
الأولى: ان لجنة نوبل أرادت أن توجه رسالة قوية لقوى الارهاب التي وجهت ضربة قوية للموسم السياحي عبر عمليتها الارهابية في سوسة مطلع الصيف الماضي. ان قوى السلم العالمية المتحضرة انما تقف بكل قوة إلى جانب تونس التي ستضمد جروحها وتنهض سريعاً من جديد لتكون قبلة سياحية من جديد لكل محبيها.
الثانية: انه إذا كان كل بلدان الربيع العربي مثلت تونس لها قدوة في الثورة على الاستبداد في سلميتها المتحضرة وسرعة نجاحها في الانتصار على دكتاتورها بن علي، فلا مناص لقوى التغيير والمعارضة سوى التمسك بهذا النهج لإنضاج كل السبل الممكنة لتهيئة مناخ الحوار كوسيلة نضالية للتغيير، وفي المقابل ليس أمام أنظمة الربيع العربي التي أجهضت حلم شعوبها في ازدهاره بالقمع الوحشي سوى نهج الحوار الجاد مع المعارضة إن هي أرادت استتباب الأمن والاستقرار الداخلي وضمان تلافي سقوطها عاجلاً أم آجلاً.
الثالثة: إن أي حوار حقيقي بين أي نظام من أنظمة الربيع العربي لا يمكن أن يثمر نتائج ملموسة من دون اشراك قوى المعارضة ومن دون اشراك أيضاً مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية المستقلة غير المدجنة، كما هي في تونس والتي كانت من ثمار تجربة حكم بورقيبة الليبرالي الذي حاول الرئيس المخلوع بن علي تدجينها، وفي طليعة هذه المؤسسات نخص هنا بالذكر الاتحاد الوطني للشغل الذي لعب تاريخيّاً على الدوام أدواراً نقابية وسياسية واجتماعية محورية في كل هبات وانتفاضات الشعب التونسي الشقيق.
لكن يظل السؤال الغائب الجدير بالطرح: لماذا لم يفز العرب في أي من فروع الجائزة الأخرى كالفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد؟ وأحسب اجابته لا تخفى على أحد ولا تلام لجنة نوبل في استبعادها العرب في هذه المجالات في ظل تخلفهم الحضاري المتعاظم بإطراد نحو الانحدار السحيق.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4789 - السبت 17 أكتوبر 2015م الموافق 03 محرم 1437هـ