إن النجاح هو الشيء الوحيد المضمون الذي نحصده بعد عملٍ وجهد متواصل، وهو الذي يُعطي لحياتنا معنى للصمود والتحدي، أما الشُّهرة فهي التي تكلل جهود ذلك النجاح المميز للقمة، بحيث يساهم المجتمع رسمياً بمن قدم عملاً مُميزاً في شهرته لإبداعه الذي حققه في مضمارٍ مُعين، وبهذا يبدأ ذلك الفرد بشعوره المتميز بنجاحه وتبدأ الجهات الإعلامية بتسليط الأضواء عليه في كل الأوقات وعلى إبداعه وأفكاره الفنية أو العلمية أو السياسية... إلخ.
ويتصدر الصفحات الأولى ويصبح الشخص مُلك الآخرين ويفقد خصوصياته ووقته، وقد تنعدم سيطرته وقدرته على التحكم فيما حوله وتوازنه، كل ذلك بسبب ذلك الوهج السحري الذي تسببه الشُهرة، كما يُصيب الأركان الأساسية لحياته وعائلته التي يضطر في الكثير من الأحيان لإخفائهم عن الأضواء؛ كي لا يتضرروا أو قد ينجح أو يفشل في ذلك اعتماداً على نوع الشهرة ومدى النشاط الإعلامي حوله.
المهم الآن هو ذلك الفخ من الشُهرة الذي وقع فيه ذلك الإنسان المُتميز، والمرحلة القادمة والتي لا يعرف عنها شيئاً والتي ستقلب حياته رأساً على عقب، ودون إدراكٍ لما ينتظره من ورائها، بحيث يتلذذ بالشهرة وتتفتح في دواخله أسرار من الفرح والنشوة لم يعرفها قبلاً، وتُفرز غدده كمياتٍ هائلة من النشاط والطاقة الجبارة التي لا يمكن تخيلها، وبعدما يتعود عليها، يبدأ بالبحث عنها كالمدمن على شيء يتحتم تغذيته باستمرار لتتلمس تلك النشوة الجبارة من اللذة والتي يُصعُب وصفها، والتي يبدو فيها لاهثاً جائعاً لإبقاء وتخزين تلك النشوة، كالمخلفات النووية على الأرض التي تُصبح جرداء ومليئة بالسموم بمجرد انشطار الذرة (الشهرة) وقد تترك آثارها عليه بشكلٍ أو بآخر، وأغرب ما في الموضوع هو استحالة تكرار ذلك الشعور من تلك اللذة المتوهجة لمرةٍ ثانية.
ويُقال بأن الشعور بالشهرة هو شعورٌ مؤقت ومتناقض، وتوهجه يأتي في المرة الأولى فقط كعود الكبريت والذي يُشع وهجه عند إشعاله، ثم يَخفُت تدريجياً إلى أن ينطفئ ويستحيل إعادة إشعاله ثانية مهما حقق من نجاحاتٍ متتالية؛ ولكنه يبقى وهج المرة الأولى مختلفاً مما يصيب صاحبها بخيبة الأمل وأحياناً اليأس.
وإذا أردنا التعرف على ما تفعله الشهرة اقرأوا المجلات ووسائل الإعلام التي يتحدث إليها المشاهير، وكيف تخبو حياتهم بعد الشُهرة سواء الفنانون أو المبدعون أو ممن كانوا على كراسي السُلطة، وكيف يشتكون من خواء حياتهم وخلوها من البهجة والسعادة على رغم امتلاكهم لكل الثروة وما يريدون؛ ولكنهم يعيشون التعاسة بكاملها أو يُصابون بالأمراض العضوية والنفسية مثل الزهايمر لاعتقادهم بأنهم فاشلون في إعادة ذلك الوهج ثانية، وهنالك الكثير من الأمثلة مثل: مارلين مونرو، واليس بريسلي، ومايكل جاكسون، وروبرت وليامز، وغيرهم من الرؤساء والمشاهير الذين تسببت الحاجة الماسّة والبحث الدائم لشُعلة تلك الشهرة ووهجها الجبار، في إدمانهم للكحوليات والمخدرات وانتحارهم بها، وعيش حياةٍ من نسج الخيال، والشعور الداخلي بالوحدة الشديدة حتى مع وجود وإعجاب الملايين من حولهم.
وتحوّل حياتهم إلى نوع من الغموض والغُربة والتي كأنها تقول لهم في أعماقهم لقد نلتم أقصى درجات الكمال وانتهى كل شيء، لذلك أصبحنا نرى البعض ممن أدركوا الوقائع المؤلمة لمن سقط قبلهم بفخ الشُهرة، وباتوا يرفضون بيع أنفسهم لوسائل استلام الجوائز مثل الأوسكار ونوبل وغيرها، لأنهم أدركوا أن أثواب الشهرة، وإن كانت مُمتعة في بداياتها، مليئة بالآلام والأحزان والمخاض النفسي، والتي قد تقتل أصحابها وتُعري نفوسهم البريئة وهم في غِنى عنها.
وقرروا الاستمرار في حياةٍ هادئة، والعمل والإبداع في صمت ودون الحاجة إلى الشهرة وضوضائها، وبعد كل هذا هل سنحسد المشاهير على شهرتهم أم نفرح بأننا نمتلك كل كنوز السعادة الطبيعيه بكل حسناتها وعيوبها، ودون حاجتنا إلى أيٍ من تلك الشهرة أو وهجها المجنون؟! لقد أعطتهم الحياة كل شيء؛ ولكن مع علقم الدرس القاسي برفع أسقفهم في العلالي ثُم أطاحتهم أرضاً، هي هكذا الحياة لا أمان لها.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4789 - السبت 17 أكتوبر 2015م الموافق 03 محرم 1437هـ
مقال رائع
مقال رائع و تشخيص عميق يبين بأن لكل شيء ثمن ، و من أراد أن يحصل على شيىء عليه أن يدفع ثمنه سواء كان زهيداً أم باهظاً .. إذن هاهي الحياة المدرسة الكبرى التي من أراد أن تحياها عليه أن يتعلم منها ! .
حسنا
حسنا فعلتب بذكر اسماء المشهورين من الذين يرفهون عن البشر بالموسيقي و الرقص و التمثيل التي لا تغير من مستوي الحياة للبشر. اما اصحاب الأفكار و المبدعين فيشتهرون بعد وفاتهم. الشهرة للفئة الاولي لأجل إشغال العامة بأمور سطحية و إبعادهم عن الأمور الاساسية. و شهرة المفيدين بعد الوفاة لسببين. الاول ضرر نفوذهم المحتمل علي السلطة و الثاني ثقافة الموت المغروسة في لا وعي البشر بسبب نظرية الخلود.