السابع عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، هو «اليوم الدولي للقضاء على الفقر». فكرتُ قبل الكتابة عنه كيف يمكن للمرء أن يكتب كي تصل الرسالة. وما أكثر الرسائل في زماننا! الحقيقة، أن كثيراً من الأشياء قد لا تُدرك إلا بأضدادها. فنعرف العمى بالبصر، والحزن بالسعادة والليل بالنهار والأسود بالأبيض، وكذلك نعرف الجوع بالشبع. ومن هذا التقابل يمكن أن نكتب عن الفقر.
قبل عام نشرت مجلة لانست دراسة أعدها معهد مقاييس وتقييم الصحة في واشنطن تقول بأن عدد «مفرطِيْ السُّمْنَة في العالم ارتفع إلى 2.1 مليار شخص في العالم»، عازية السبب إلى التحول نحو «أنماط عصرية جديدة في حياتنا؛ مما يؤدي إلى قِلَّة الحركة والنشاط في مختلف المجالات» وأشارت إلى أن السُّمْنَة في الدول المتقدمة هي الأكبر كبريطانيا حيث 67 في المئة بين الرجال و57 في المئة بين النساء.
وفي دراسة موازية تبيَّن أن السُّمْنَة في العالم زادت بأكثر من الضعف منذ العام 1980م. ومن الأشياء اللافتة هي القول بأن زيادة الوزن والسُّمْنَة يفتك «بعدد من الأرواح أكبر مما يفتك به نقص الوزن». فنحو 13 في المئة من البالغين في العالم مصابون بالسُّمْنَة العام الماضي. وقبل ذلك بعام «كان 42 مليون طفل دون سن 5 سنوات زائدي الوزن أو مصابين بالسُّمْنَة» كما جاء في الخبر.
في الجانب الآخر من الصورة، يبدو المشهد بائساً ولكن بشكل آخر؛ فالبنك الدولي يشير إلى «أن نحو 702 مليون شخص سيعيشون هذه السنة -2015- تحت عتبة الفقر أي بأقل من 1.90 دولار في اليوم». وإلى جانب هؤلاء هناك ملياران و400 مليون إنسان يفتقدون لخدمات الصرف الصحي، منهم 946 مليون شخص يتغوّطون في العراء، بسبب الفقر ما يُعرِّضهم إلى الأمراض المُعْدِيَة، في الوقت الذي يُباع فيه (وبتباهٍ فجّ)، وخلال استعراض كرنفالي، حَمَّام بمليونين ونصف المليون جنيه إسترليني كما تذكر ذلك «موسوعة غينس للأرقام القياسية».
المؤلم أنه وصل بالعالم لأن يشير إلى موت 1000 طفل في اليوم (فقط) «دون الخامسة بسبب الإسهال الناتج عن عدم كفاية مرافق المياه، والصرف الصحي والنظافة العامة مقارنة بحوالي أكثر من 2000 طفل قبل 15 سنة»، وباتت المنظمات الدولية المعنية بالغذاء والصحة تتحدث عن 700 مليون شخص سقطوا ضحايا عدم حصولهم على مرافق صحية آمنة، وبالتالي فهم عُرضة لـ 16 مرضاً من 17 من «الأمراض الاستوائية» كـ «الديدان المعوية والبلهارسيا» وخلافها.
بالتأكيد هناك مساعٍ دولية حميدة للقضاء على كل هذا البؤس، إلاَّ أن الحال ما يزال يرمي بمئات الملايين من الناس في الجوع (795 مليون شخص في العالم ليس لديهم ما يكفي من الغذاء) ومثلهم في المرض (يصاب أكثر من 185 مليون شخص بفيروس التهاب الكبد سي، يموت منهم 350000 شخص كل عام، وهو نوع واحد من الأمراض) ومثلهم في الموت (3.1 ملايين طفل يموتون كل عام بسبب سوء التغذية). هذا يعني أننا لسنا على ما يرام ونحن نحتفل بمكافحة الفقر.
ما يجب أن نفهمه هو أن هذه الأرقام العالمية هي نتائج طبيعية لواقع مؤلم، لكن وفي الوقت نفسه فإن الذي يُشكلها هو الوقائع الصغيرة حولنا؛ بمعنى أن سدَّ عجز شخص إلى جانبك يؤثر في تلك النتائج. ولو تكرر هذا مني ومنك ومن هذا ومن تلك سيصبح الأمر مؤثراً حتماً. فلو قام ملياران ومئة مليون من المتخمة بطونهم (والذين نحن منهم حتماً) بالتخلص من نصف ما يأكلونه كغذاء زائد، فإنهم سيُوفّرون ذات المؤونة لـ 795 مليون شخص في عالمِنا ليس لديهم طعام كافٍ.
ولو أخرجنا قيمة ذلك الزائد من الطعام، ولنفترض أنه 10 دولارات فقط، فنحن سننتشل 702 مليون شخص يعيشون تحت عتبة الفقر بأقل من 1.90 دولار في اليوم. بل إننا سنوفّر من تلك الدولارات العشرة قرابة الـ 21 مليار دولار، يستعين بها 400 مليون إنسان ليس لديهم المال كي يشتروا الدواء.
قبل فترة نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً مهولاً ذكرت فيه، أنه وفي كل ساعة من ساعات يومنا، يُباع فيه «عضو بشري في السوق السوداء» أهمها الكلى من أناس فقراء في هذا العالم، مُقدِّرة «عدد الأعضاء المباعة بعشرة آلاف عضو كل عام». والغريب من كل ذلك هو حاجة الأثرياء لتلك الأعضاء بعد أن عطبت أعضاؤهم بسبب السكري ومشاكل القلب، والتي تأتيهم من السُّمْنَة والأكل الفاحش! لنا أن نتخيّل هذه المعادلة الغريبة التي بالعدالة يمكنها أن تتبدّل فوراً.
باعتقادي أن المسؤولية الحقيقية هي ليست تلك التي تقوم بها مشكورة المنظمات الدولية المعنية بالغذاء والصحة بشكل منظم وإحصائي، بل المسؤولية الفردية على كل إنسان هي الأساس. وكما قال الفيلسوف الصيني القديم كونفوشيوس: «فليقم الأمير بدوره كأمير، والتابع كتابع، وليقم الأب بدوره كأب، والابن كابن». ومن هذه القاعدة يمكن أن نُكافح كل الأدواء فينا وفي مجتمعاتنا بما فيها مكافحة الكَرْشة، السبيل الأفضل كي نكافح الفقر. ليست كَرْشة الأكل فقط بل كَرْشة المال وكنزها والاستئثار بالثروة أيضاً.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4788 - الجمعة 16 أكتوبر 2015م الموافق 02 محرم 1437هـ
احم احم
مشكور موضوع جميل لا تعليق
وعجبني تعليق شخص اشرب جاي بو داود وتخلص من الكرشة هههههههههههه
چاي بوداوود
اشرب چاي بوداوود وتخلص من الكرشة في أسبوع
تدبروا في هذه الآيات أيها التجار والأثرياء والمليونيرية
قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) " سورة التوبة
كل البلاء من الإسراف
كل المصائب من سوء الاستهلاك والافتقار إلى جهات مأمونة لجمع التبرعات
باختصار عااالم خربان
تخمة الأنانية
كل ما ذكرت عزيزي من أسباب تساهم بالدرجة الأولى في حرمان الفقراء من حقهم في العيش أسوياء وفي ظروف صحية مناسبة. لكن هل تتصور أن الاقلال من تناول الغذاء كاف لوحده في حل مشكلة الانسانية؟ باعتقادي يكمن الحل في الاحساس لدى الفرد بضرورة التبرع بما يوفره او يجبر نفسه على توفيره في سبيل الآخرين، عوضا عن ان يدخره لنفسه أو ينفقه في أمور حياتية أخرى، بمعنى الإيثار. بورك قلمك.
تخمة الأنانية
كل ما ذكرت عزيزي من أسباب تساهم بالدرجة الأولى في حرمان الفقراء من حقهم في العيش أسوياء وفي ظروف صحية مناسبة. لكن هل تتصور أن الاقلال من تناول الغذاء كاف لوحده في حل مشكلة الانسانية؟ باعتقادي يكمن الحل في الاحساس لدى الفرد بضرورة التبرع بما يوفره او يجبر نفسه على توفيره في سبيل الآخرين، عوضا عن ان يدخره لنفسه أو ينفقه في أمور حياتية أخرى، بمعنى الإيثار. بورك قلمك.
الفاست فود
اغلقوا محلات الفاست فود و جميع المشروبات الغازية و اضمن لك انه السمنة تختفي بنسبة 30%
الله هداك
انا مااكل فاست فود وغازية وبعدي متين