العدد 4788 - الجمعة 16 أكتوبر 2015م الموافق 02 محرم 1437هـ

صنقور: لا نحيي «عاشوراء» لأغراض شخصية أو فئوية

الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد صنقور

الدراز - محرر الشئون المحلية 

16 أكتوبر 2015

قال الشيخ محمد صنقور - في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز أمس الجمعة (16 أكتوبر/ تشرين الأول 2015): «عندما نُحيي عاشوراء لا يكونُ ذلك عن غرضٍ شخصيٍّ أو فئوي، وإنَّما هو عن شعورٍ يتملَّكُنا ويُوحي لنا أنَّ طريقَ الإنسانيةِ يقعُ في صراط الحسين».

وفي خطبته، قال صنقور: «يتقاسمُ العلماءُ والخطباءُ والرواديدُ والمثقفون والرسَّامون والإداريُّون والكتَّابُ وجماهيرُ الحسين (ع)، يتقاسمُ هؤلاءِ جميعاً الأدوارَ التي يتشكَّل بمجموعِها الإحياءُ لموسمِ عاشوراء، وكلُّ صنفٍ من هذه الشرائحِ الاجتماعية لا يُغني دورُه عن الدورِ الذي تنوءُ به الشريحةُ الأخرى. وبهؤلاءِ جميعاً خَلُد الحسينُ (ع) وخَلُدت قضيَّتُه وأهدافُه، إذ لو تصدَّى العلماءُ وحدَهم لعمليةِ الإحياءِ لكانَ الحسينُ فكراً مجرَّداً ومفهوماً نظريَّاً يصعُبُ على السوادِ الأعظمِ أنْ يتفاعلَ معَه وأن يتعاطى أطروحتَه بالمستوى الذي يتناسبُ وحجمَ القضيةِ التي ثارَ الحسينُ (ع) من أجل تشييد معالمِها».

وتابع «فلِكَي يكونَ الحسينُ حاضراً في ضميرِ الأمةِ فإنَّ ذلك يستدعي أنْ تستنفرَ الأمةُ بجميع شرائحها وتستفرغَ كلَّ ما في وسعها وحينئذٍ قد تُصبحُ مؤهلةً لتسنُّمِ هذا الدورِ الخطيرِ أعني تخليدَ الحسينِ وتخليدَ قضيَّتِه، وخطورةُ هذا الدورِ تنشأُ عن أنَّه يقعُ في صراطِ خطِّ الرسالاتِ الإلهيَّة، فالحسينُ (ع) منحةُ السماءِ لأهلِ الأرض، فتخليدُ الحسينِ كما يحتاجُ على الدوامِ إلى الكلمةِ الواعيةِ والشرحِ والتحليلِ والبيانِ لأهداف ثورتِه ودوافعِها وظروفِها وشعاراتِها وآثارها، ويحتاجُ إلى بيانِ المقامِ السامي للحسينِ الشهيد ومركزِه العقائدي، فكذلك هو يحتاجُ إلى عرضِ ما وقعَ عليه من مآسٍ وفجائعَ ضجَّت لها السماءُ قبلَ الأرض، وحين تُستعرضُ المأساةُ فإنَّ حقَّها أنْ تُوظَّفَ لها كلُّ وسائلِ التأثير، وإلا كان عرضُها مفضياً لتفريغها من وهجِها وحرارَتِها التي هي عليه واقِعاً».

وأضاف صنقور «هنا تكمنُ أهميةِ الدورِ الذي ينهضُ به الخطباء والأدباءُ والشعراءُ والمنشِدونَ والملهَمونَ، ثم إنَّ للإداراتِ دوراً بالغَ الأهمية، ذلك لأنَّهم يُهيئونَ الأجواءَ والمناخَ الذي تمارِسُ فيه كلُّ الشرائح - التي ذكرناها - أدوارَها ولو لم يكن الأمرُ كذلك لتبعثرت جهودُ هؤلاءِ المخلصين ولضاعتْ في خُضمِّ الاهتماماتِ والمؤثراتِ الأخرى والكثيرةِ في هذه الحياة. ثمَّ إنَّ لتفاعلِ الجماهير واستجابتِهم للمؤثراتِ المذكورة وقعاً خاصاً يُضفي على جهودِ هؤلاء حُلةً زاهيةً ما كانت لتظهرَ بهذا المظهرِ الخَلاَّبِ والمهيب لولا استجابتُهم وتفاعلُهم».

وبين صنقور أن «ما ذكرناه ليس تأكيداً لما ينبِزُ به البعضُ من أنَّنا نعتمدُ العاطفةَ وسيلةً لتخليدِ قضايانا، فالأمرُ ليس كذلك، إذْ لَو لَمْ يَدْعُ من أحدٍ لإحياءِ عاشوراءَ، لانبرى كلُّ هؤلاءِ الكرام لإحيائِها، وذلك انسياقاً مع إنسانيَّتِهم وتديُّنِهم، لأنَّ قضيةَ الحسينِ هي التي أوحتْ لهم بأن ينهضوا بهذه الأدوار. فإنسانيةُ القضيَّةِ وربَّانيتُها هي الخلاَّقةُ للشعراءِ والأُدباءِ والموهوبين، وهي التي ألقَتْ بجلالِها على قلوبِ الأخيار فأحدثتْ فيها همَّاً وغمَّاً. فانبجَست من تلك القلوبِ ينابيعُ دفاقةٌ تمكَّنت، ورغمَ تمادي الزمن أنْ تُغذِّيَ العشقَ والذوق، وأن تجمعَ حول ضفافِها المتعطِّشينَ لمعاني الفضيلةِ والوالهينَ والمتيَّمينَ بسجايا الخير، والناقمينَ على الشرور والظلمِ والاستبداد، والباحثينَ عن الحرِّيةِ والعدالةِ والذينَ أنهكهمُ الفقرُ والجشعُ واستبدَّ بهمُ الحزنُ والأسى، وعبثَت بمشاعرِهم صروفُ الدهرِ القاسية، فوجدوا في هذه الضفافِ موئلاً ومُنتَجعَاً تستريحُ عندها أرواحُهم المثقلة، ومَرهَماً تتعافى برمالِها جوارحُهم المُنهَكة، وبلسماً يُسكِّنُ آلامَ جراحاتِهم النازفة، ورِواءً يُبلِّلُ الشفاهَ الظامئة. من أجل هذا تجدُ الأجيالَ جيلاً بعد جيلٍ تتحلَّقُ حولَ هذه الضفاف، وتستمسكُ برمالِها وتستنشقُ عَبقَ أريجِها بشغفٍ ولهفةٍ دون أنْ يدفعَها من أحدٍ سوى ما تجدُه من جذبةٍ قاسرة تُوحي إليهم أنَّ الطريقَ من هنا وأنَّ الخلاصَ من هنا».

وقال صنقور: «فما من فئةٍ أيَّاً كانت إمكانياتها وملكاتها قادرةٌ على أن تحتفظَ بقضاياها وهَّاجةً نابضةً فاعلة لو لم تكُن قضاياها مؤهلةً للحياةِ والفاعليَّة، وها نحن نشاهدُ الشعاراتِ والراياتِ تتهاوى وتذبُلُ وتفقدُ بريقَها ونضارتَها، ولا تجدُ بعد حينٍ من يَنشدُها رغم انَّها تبحثُ عن حمَلَة، وتموتُ كما يموتُ رموزُها، ويتخَطَّاها الزمنُ بعدَ أن ضجَّ بها وامتلأت جنباتُه بصخَبها، وذلك لأنَّها لا تستحقُ الحياة. وأما رايةُ الحسين (ع) فلا يُضفي عليها تعاقبُ الزمن وتطاولُه إلا مزيداً من التوهُّجِ والبريق والتألقِ».

وأشار صنقور إلى أنه «عندما نُحيي عاشوراء لا يكونُ ذلك عن غرضٍ شخصيٍّ أو فئوي، وإنَّما هو عن شعورٍ يتملَّكُنا ويُوحي لنا أنَّ طريقَ الإنسانيةِ يقعُ في صراط الحسين وأنَّ الكرامةَ والعزةَ لا تُتاحُ إلا بالحسين، وأنَّ الأغلالَ التي تُثـقلُ كاهلَنا إنَّما تتحطَّمُ عندما نسلكُ خطَّ الحسين، وإن الظمأ الذي يُلهبُ أحشاءنا لا يرويه سوى معينِ ينبوعٍ فجَّرته دماءُ الحسين، فالقلوبُ التي تتلمَّظ من مرارةِ الفقرِ والحرمانِ والتعسُّفِ والابتزاز تجدُ في ظلامةِ الحسينِ سلوةً ومبعثاً تتبدَّدُ بعنفوانِه قوى الظلام وتتصاغرُ أمامَ كبريائه سماسرةُ الشر. وعندها نجدُ إنسانيتَنا وتَحيى قلوبُنا، ومن هنا نجدُ أنفسَنا مندفعين نحو تخليدِ الحسين، لأنَّ في تخليدِه تكمنُ إنسانيتُنا، وحينما نبتعدُ عن الحسين نكونُ قد ابتعدنا عن إنسانيتِنا، فبالحسينِ نحيا وبجهودِنا المخلصةِ لله تعالى يُصبحُ الحسينُ حاضراً في ضميرِ الأمم».

ونبه صنقور إلى ضرورة «الانضباطَ التامَّ والشاملَ بضوابطِ الشرعِ الحنيف، والوعيَ لخطورةِ وأهميةِ ما تقومونَ به من أدوار، والحرصَ الشديدَ الشديدَ على التهذيبِ والتصحيحِ والتطويرِ هي العناصرُ الثلاثة المقتضيةُ لتعاظمِ أثرِ الإحياءِ في الدنيا والآخرة، والإغفالُ أو الإهمالُ لهذه العناصرِ أو بعضِها قد يُنتجُ نقيضَ الأثرِ الذي نستهدفُه ونرجوه من الإحياء لموسم عاشوراء».

الإصلاح الثقافي

في النهضة الحسينيَّة

وفي موضوع آخر، تحدث صنقور عن «الإصلاح الثقافي في النهضة الحسينية»، وقال: «المراد من الإصلاحِ هو التصحيحُ والتقويمُ، ويقابلُه التغييرُ الجذريُّ والشاملُ، فالإصلاحُ يعني التصحيحَ لما انحرفَ من مسارٍ ثقافيٍّ، أو قيَميٍّ أو سياسيٍّ، أو عقائديٍّ أو ما أشبهَ ذلك. ومعنى التصحيحِ هو المعالجةُ للأخطاءِ والانحرافاتِ والتجاوزاتِ التي وقعت أو طرأتْ على هذه المساراتِ أو بعضها. وكذلك فإنَّ التصحيحَ يعني العملَ على إزالةِ العقباتِ والمعوقاتِ التي طرأت على هذه المسارات فحالتْ دون قدرتِها على بلوغِ الغايةِ التي نشأَ عنها التأسيسُ لهذه المسارات. وحين يتمُّ الوقوفَ على تاريخِ نهضةِ الإمامِ الحسينِ (ع) يتبيَّنُ أنَّها كانت حركةً إصلاحيةً وتصحيحيةً، ولم تكن حركةً تغييرية، نعم هي حركةٌ إصلاحيةٌ شاملةٌ ولكنها لم تكنْ تغييريَّة».

وأشار إلى أن «النهضةُ الحسينيةُ كانت تستهدفُ الإصلاح لضميرِ الأمةِ الذي انتابَه الضمورُ، والتبلُّد، وأصبحَ ضميراً يكادُ أن يموت، وضميراً ابتُليَ بالإحباطِ واليأس، فلم يَعُدْ يشغلُه إلا الشأنُ الخاص».

وتابع صنقور «وبذلك يكون قد اتضح المراد من الإصلاح، وأما المرادُ من مفهوم الثقافة فهو منظومةُ المباني والقيمِ، والعقائدِ والأعرافِ والمشاعرِ وأنماطِ السلوك، فالثقافةُ الإسلامية - مثلاً: تعني منظومةَ المعتقداتِ، والرؤى، والمباني، والضوابطِ، والأفكارِ والأعرافِ، والقيمِ التي أسس لها الإسلام فكان هو منبعها والمكونَ لها. هذا بنحوٍ موجز، وبذلك يتضح المراد من الإصلاح الثقافي الحسيني: وقد قلنا إنَّ نهضة الإمام الحسين (ع) كانت تستهدف الإصلاحَ الشامل ومن كلِّ صعيد، فمن تلك الأصعدة التي كانت النهضةُ تستهدفُ الإصلاحَ من جهتِها هو الإصلاحُ الثقافي».

العدد 4788 - الجمعة 16 أكتوبر 2015م الموافق 02 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً