العدد 4788 - الجمعة 16 أكتوبر 2015م الموافق 02 محرم 1437هـ

صـــــــــلاة

وصلتُ إلى الجامع لأداء فريضة الجمعة. قصدت المدخل الخلفي حيث أن الباب الجانبي الذي اعتدت الدخول منه اُغلق ومنعت النساء من الصلاة منذ ثلاثة أسابيع. كانت هناك حواجز معدنية وحارسان بلباس مدني على المدخل لكنهما لم يفتشاني لأن وجهي مألوف لديهما. تحررت من نعالي ووضعته في مكان آمن وشرعت في الدخول.

اخترقت الصفوف والتقطت تربة حسينية وأخذت مكاني في أحد الفراغات ورحت استمع إلى الخطبة. الجامع مكتظ بالمصلين من مختلف الأعمار الذين يلبسون أثواباً بيضاء غالباً مع بعض الشباب الذين يرتدون «البنطلونات» والقمصان. هناك العديد ممن اصطحبوا أطفالهم فزاحموا الآخرين وأفسدوا عليهم سكينة الصلاة.

التفت إلى جانبي فلمحت شاباً في مقتبل العمر، مكشوف الرأس، يرتدي ثوباً أبيض ويتزيّن بلحية متوسطة الطول وبيده سبحة ترابية صغيرة. كانت تبدو عليه أمارات الهدوء وهو يسبح في المسبحة تارة، ويمسح على ذقنه تارة اُخرى، وكان بين حين وآخر يلتفت يمنة ويسرى، يتحسس جيبه أو يدسّ يده فيه. ملامحه غير معهودة حيث أنني على معرفة بغالبية الوجوه التي تأتي للجامع وفي أغلب الأحيان أتبادل التحية مع الكثير منها بعد انتهاء الصلاة.

كانت هذه هي الجمعة الأخيرة قبل عيد الفطر ومازالت الإجراءات الاحتياطية والحراسات على الجوامع على أشدّها وخصوصاً بعد تهديد الإرهابيين بأن ضربتهم القادمة ستكون في البحرين. هذا الشاب الذي يجلس في وسط الجامع أثار شكوكي وارتيابي. راودني شعور غريب، وأحسست بالخوف، استرجعت أعمال التفجيرات ومشاهد الضحايا في المساجد خلال هذا الشهر والشهر الفائت. حاولت أن أبعد شبح هذا التفكير والانشغال بما يقوله الخطيب لكنني لم أستطع. أيعقل أن يكون هذا الجالس إلى جواري أحد أفراد الجماعات الإرهابية، ولماذا اختار الجلوس في وسط المصلين؟ لعنت الشيطان لكن إبليس حاصرني من كل ناحية. أجل، لا بد أن الشاب يخطط لعمل دموي وسأكون أنا أول الضحايا. ليكن ذلك، فسوف أصبح شهيداً وأنا أؤدي الصلاة، وسأفوز بالجنة بحق رب الكعبة. لم الخوف يا عزيزي فكلنا سنغادر هذه الدنيا عاجلاً أم آجلاً. لا، لا، اترك عنك هذه الوساوس وانتبه لما جئت لأجله.

بعد أن فرغ الإمام من الخطبتين وقام بتعداد الأئمة الأطهار ووصل إلى الإمام الثاني عشر، وقف المصلون تبجيلاً له وتقدموا إلى الصفوف الأمامية لملء الفراغات. انتهزت الفرصة وتقدمت وأخذت مكاناً في موقع آخر. لكن فرحتي لم تتم فقد لاحظت أن الشاب جاء وجلس على مقربة منّي، لا يفصل بيني وبينه سوى شخصين. رحت بين برهة وأخرى أختلس النظر إليه لأرى كيف يتصرف وماذا يفعل. وفي هذه المرة أيضاً حاولت إبعاد الشكوك والهواجس لكن هيهات.

أذن المؤذن لصلاة الجمعة فوقفنا جميعاً، وتذكرت أن الإرهابي في مسجد الصادق بالكويت اختار الركعة الثانية لتنفيذ عمله الآثم، فأخذت أعد الأنفاس وأهيئ نفسي لما سيكتبه الله. انتهت الركعة الأولى بسلام وجاءت الركعة الثانية وتلتها السجدة، وفرغ الإمام من الصلاة، فحمدت الله كثيراً. استدرت إلى الشاب فألفيته يسبح في المسبحة بهدوء ثم يداعب لحيته ويبتهل بصوت منخفض.

بعد قراءة الدعاء، أذن المؤذن لصلاة العصر وصلينا خلف الإمام، وأصبح التوتر أخفض وطأة الآن وعادت الطمأنينة وهدأ القلب.

لكن قلبي انخلع ثانية حينما أبصرت الشاب يدخل يده في جيبه ويبقيها لعدّة لحظات، لكنه ما لبث أن استخرج منديلاً ورقياً وراح يمسح عرقه. قرأت المعوذتين وسجدت لله شاكراً.

عقب الصلاة استرددت شجاعتي وجاءني فضول فتوجهت إلى ذلك الشاب وسلمت عليه، ثم قلت له:.........................................

احزروا ماذا قلت للشاب، وما دار بيننا من حديث.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:25 ص

      اللهم اصلح كل فاسد من امور المسلمين

      ان بعض الظن اثم ولاكن الاحتيط واجب ونسالكم الدعاء والمكتوب على الجبين لازام تشوف العين

    • زائر 1 | 1:45 ص

      ابو جميل

      قلت له :: السلام عليكم نسألكم الدعاء

اقرأ ايضاً