طرد الأرنب الوردي بطريقة مُهينة، قطة فقيرة كانت تعمل لديه بالحقل، فضحك السنجاب قائلاً: «حسناً فعلت، إنها تستحق ذلك، فكيف تجرؤ أن تتحدث مع من هم أعلى مستوى منها؟». فضحك الأرنب والسنجاب معاً.
بعد سنة، تم تعيين الأرنب الوردي بمنصب رفيع (كبير المديرين)، وعندما كان جالساً في كرسيه، أخبرته سكرتيرته، بأن السنجاب يريد مقابلتك، فقال لها: «اطرديه».
فغضب السنجاب، وهجم على الباب بالقوة، وقال: «أنا صديقك، فلماذا تطردني».
فأجابه الأرنب: «اليوم أنا شخصية كبيرة، ولا يليق بي إلا مقابلة الشخصيات الكبيرة، هيا اخرج من هنا».
فذهب السنجاب يشتكي للحكيم، الذي قال له: «القيم لا تتجزأ، فإذا سخرتم من القطة لأنها أقل منكم مستوى، فمن الطبيعي أن يسخر منك صديقك عندما يصبح أعلى مستوى منك، ولو كنت أنت مكانه لفعلت معه ما فعل معك... لأن قيمكم الحقيقية احترام من هو في مستواكم وأعلى، واحتقار من هو أدنى في نظركم، والقيم لا تتجزأ».
هذه قصة رمزية، لتوضيح معانٍ في سلوك الإنسان ونظرته للوجود، فالقيم هي روح الحياة، والعين التي ينظر بها إلى الحق والباطل وإلى الجمال والقبح، وهي المحرك لعمل ما هو صحيح وترك ما هو خطأ، هي القوة الدافعة للتطور.
فإذا تشوهت القيم لديك، فستكون عينك عوراء ترى القبح وتتوهم أنك ترى الجمال، تتحرك في الطريق الخاطئ، وتتوهم أنك تتحرك في الطريق الصحيح.
ومن خلال تجربتي وحياتي في المجتمع، سواء بالتعامل مع مؤسسات حكومية أو أهلية أو التعامل مع الناس، فإن تقييمي لمستقبل الحياة يحمل تشاؤماً، لأن منظومة القيم الأخلاقية تقوم على نظرة متجزئة، والقيم لا تتجزأ.
نشتكي من أن المسئول وظف قريبه بالواسطة، ولو كنا مكانه لفعلنا ما فعل، لأن منظومة القيم هي توظيف القريب، فشعار «الأقرب أولى» يحمل قيمة بنظرة متجزئة تجلياتها «المحسوبية والواسطة»، والمسئول فعل ذلك.
عندما نستحقر الوافد الهندي البسيط، ونؤلف النكت الهزلية عنه، فهذه قيمة «احتقار الضعيف»، فمن الطبيعي أن نستحقر أبناء جلدتنا، عندما نصبح أقوى منهم، فكم من شخص عندما حصل على منصب، تكبر واستحقر أناساً كانوا أصدقاءه وأحباءه.
عندما نحصر الدعم الحكومي على المواطن فهذه قيمة جوهرها «المواطن أولى»، وتجلياتها عدم دعم الفقير الذي يعمل براتب زهيد «50 ديناراً». وهذه النظرة المتجزئة ستجعلنا نمارس الأمر نفسه فيما بيننا، إذ توافرت الخصائص وقد مارسناه فعلاً، في القضية الإسكانية، تحت مسمى «امتداد القرى»، إذ يتم تأخير صاحب الطلب القديم، لصالح صاحب الطلب الجديد بحجة أن المشروع الإسكاني يقع في قريته.
والمستقبل سيزداد سواداً وسوءاً، إذا لم تصحح منظومة القيم في المجتمع. وجوهر المشكلة ليس في المؤسسات كحكومة أو معارضة أو جمعيات أهلية... الخ، لأن من في الحكومة أو المعارضة أو المؤسسات الأهلية هم أفراد من المجتمع، تربوا على القيم الأخلاقية للمجتمع، وليسوا أناساً من المريخ.
منظومة القيم الموجودة تميل إلى أكل بعضنا بعضاً إذا ما توافرت البيئة، مثل الأرنب الوردي تكبر على صديقه السنجاب عندما توافرت له البيئة، ومنظومة القيم الأخلاقية هي أهم عامل في تحديد مستقبل الأوطان.
والحل، أن نراقب أنفسنا، نراقب أفعالنا وأقوالنا، ونحاكمها، هل ما فعلناه صحيح يتناسب مع الضمير أم لا، ونصحح قيمنا شيئاً فشيئاً، وتصحيح القيم يأتي من داخل الإنسان، بحريته يختار تصحيح نفسه بنفسه، وليس بالإجبار والإكراه من الخارج الناتج عن ضغط المجتمع وقوانينه.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4787 - الخميس 15 أكتوبر 2015م الموافق 01 محرم 1437هـ
انت قلتها
القيم لا تتجزأ ، و هل تظن ان هناك فيمة اعلى من الايمان و الدين ؟
كلام سليم
مقال رائع وأسلوب مبدع والله يوفقك
انا سكتت
لو كان تعليقي من الفضة فهذا المقال ذهب و الماس. فقط لمن يفكر و يبحث لكي يعرف نفسه.