كشف الباحث التاريخي يوسف النشابة عن أن مأتم مديفع بالعاصمة المنامة، هو أول مأتمٍ بني في البحرين في العام 1875م، وكان يطلق عليه اسم مأتم بيت بن ناصر، تلته حسينية الحاج أحمد بن خميس في قرية السنابس، والذي شُيِّد في العام 1877م، معتبراً الأخير «ملتقى ثقافي دينياً وسياسياً في إحدى مراحل النضال ضد البريطانيين في البحرين».

وعلى صعيد متصل، أكد النشابة أن موكب عزاء مأتم بن رجب، هو أول موكبٍ خرج من حدود الحسينية ليجوب شوارع وطرقات العاصمة العام 1891م.

جاء ذلك خلال ندوة قدمها تحت عنوان «تاريخ الحسينيات والمواكب» يوم الأحد الماضي في نادي باربار، حيث أشار النشابة إلى أن انتشار الحسينيات في البحرين والتفاف أهلها حول المنابر عزز الثقافة التاريخية لديهم.

وأرجع النشابة، بداية نشوء فكرة المآتم إلى «مقتل هابيل» ابن النبي آدم عليه السلام، وقال: «لا شك في أن أمه وأباه قد بكيا على فراقه، وقد تكون هذه هي بداية جلسات التعزية في التاريخ».

وأضاف «ولما وقعت حادثة كربلاء في العام 61 للهجرة، اهتم المسلمون بتشييد المآتم للبكاء على الامام الحسين (ع)، واستذكار المصائب التي جرت عليه»، مبيِّناً «أن أول هيكل مستقل للمآتم في القاهرة أيام المعز لدين الله الفاطمي»، وقال: «إن القاهرة كانت معروفة في عهد الفاطميين بتعليق السواد في الأسواق، ووضع الرايات السود، وخروج المواكب الحسينية في اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام، كشعار للحزن والتعاطف مع آل الرسول».

وتابع «انتشرت المأتم بعد ذلك على نطاق أوسع كوحدة مستقلة بذاتها، وكان دورها هو إحياء ذكرى معركة الطف وتوضيح منهجها أكثر في العصر الحديث. وكان على الحركة الحسينية ألا تكون مقيدة في ذكرى يوم العاشر من محرم فقط، لذا امتدت لتشمل شهري محرم وصفر، بالإضافة إلى مناسبة ذكرى وفاة وميلاد النبي وأهل بيته (ع)».

وعن بدايات إقامة المآتم الحسينية في البحرين، أوضح النشابة «لابد وأن المآتم أقيمت في أعقاب واقعة كربلاء مباشرة، ذلك لأن بحرينيين كانوا من أنصار الحسين وقتلوا معه، كرجالٍ من قبيلة العبدي»، مستدركاً «لكن في العصر الحديث وقبل تشييد المآتم بحلتها الحالية، كانت مجالس بيوت وجهاء المنامة ومجلس بيت مختار القرية، وكلها كانت مبنية من سعف النخيل، هي المآتم التي يجتمع فيها الأهالي، ومع ازدياد خطباء المنابر وإقبال عدد كبير من المعزين، انتقل المأتم إلى عريش قريب لبيت الوجيه أو المختار يتسع لعدد كبير من الرواد»، منوهاً إلى أن المنبر آنذاك كان عبارة عن جذع شجرة؛ وذلك لعدم توافر الخشب والنجارين لصنع الكراسي أو المنبر في شكله المعروف الآن.

ومن جانب آخر، شدد النشابة على أهمية ما بات يعرف اليوم بـ»أدب الطف» في حفظ واقعة كربلاء، مشيراً إلى أن بدايات ذلك كانت من خلال فكر المتعلمين والشعراء من أهل البيت ومحبيهم أمثال: دعبل بن علي الخزاعي، الكميت، أبوالعلاء المعري، أبوفراس الحمداني، صعصعة بن صوحان، سليمان بن صرد الخزاعي، الفرزدق، وغيرهم»، وقال: «إن للبحرينيين نصيباً كبيراً في هذا الأدب، من أمثال: الشيخ حسن الدمستاني، ملا عطية الجمري، الشيخ جعفر الخطي، الشيخ سليمان الماحوزي، ومئات الشعراء والرواديد».

واعتبر الباحث التاريخي يوسف النشابة أن البحرينيين أبدعوا في مجال كتابة الشعر الحسيني ولهم قصائد خالدة كقصيدة «أحرم الحجاج» للشيخ حسن الدمستاني، ومراثي الملا عطية الجمري.

وعدد النشابة في ختام حديثه خطباء بحرينيين، أشار إلى أنهم برزوا في مجال ارتقاء المنبر الحسيني، كالملا أحمد بن فايز الذي هاجر إلى البحرين من الأحساء في 1860م، وملا حسن بن الشيخ الملقب بـ»ديك العرش»، وقد زاول الخطابة مدة 70 عاما وهو من مواليد البلاد القديم.

وأردف «وكذلك الملا عطية الجمري، والشيخ محمد علي حميدان، وملا أحمد بن رمل وأصله من العراق، والشيخ ملا محمد علي الناصري، والشيخ منصور الستري، والسيدمحمد صالح الموسوي، والشيخ أحمد خلف العصفور».