تجاوز الجدل الدائر اليوم بين كل من فرنسا وإسبانيا، مسألة عودة لوحة الفنان الإيطالي العالمي بابلو بيكاسو «وجه امرأة شابة» إلى الأخيرة، بعد محاولة تهريب في يخت، في طريقها إلى سويسرا، كي تجد مكانها في أحد المزادات العالمية؛ إذ مازال ذلك الجدل مستمراً في مسألة المعايير والنُظم التي تحدِّد أن عملاً فنياً ما هو ملكية خاصة، أو ثروة وطنية للأمة!
المصرفي والملياردير والشخصية العامة الإسبانية، خايمي بوتين، وسط ذلك الجدل الدائر اليوم، بوصول الأمر إلى المحاكم الإسبانية، كونه المالك للوحة التي تصر حكومة بلاده على أنها كنز وطني.
دورين كارفاجال، كتبت تقريراً من العاصمة الإسبانية (مدريد) يوم الجمعة (9 أكتوبر/تشرين الأول 2015)، في صحيفة «نيويورك تايمز»، بشأن ذلك الجدل، تنشره «الوسط»، مشفوعاً بإضاءة على أهم قضايا سرقات الأعمال الفنية في العالم.
بعد أن قام فريق من موظفي الجمارك بضبط لوحة بيكاسو لامرأة طويلة الشعر، بعيون داكنة، في يخت بالبحر الأبيض المتوسط في يوليو/تموز، حلّقت الحكومة الإسبانية بالتحفة الثمينة، عائدة بها عبْر طائرة خاصة لعمل تعتبره كنزاً وطنياً.
اللوحة «رأس امرأة شابة» تعود إلى العام 1906، وتقدَّر قيمتها بنحو 26 مليون يورو أو 28.3 مليون دولار أميركي، ستبقى مُحتجزة في العاصمة الإسبانية لتكون في عهدة الحكومة. الرجل الذي يملك لوحة بيكاسو منذ 40 عاماً، خايمي بوتين، مصرفي ملياردير وشخصية عامة في إسبانيا، وقاتل بشراسة لعودتها، مؤكداً أن هذه اللوحة هي ملكية خاصة له وليس لها أهمية وطنية.
وقال: «أنا أدافع عن حقوق أصحاب الملكية» ووصف بوتين الذي يبلغ من العمر 79 عاماً، في أول مقابلة معه، قرار الاستيلاء على اللوحة، بأنه غير قانوني. «هذا لوحتي. ولا تعود إلى الحكومة الإسبانية. وهي ليست كنزاً وطنياً، وأستطيع أن أفعل ما أريد بها».
ما الملْكية... ما الكنز الوطني؟
القضية القانونية، هي الآن مثار جدل في بلدين: إسبانيا وفرنسا، شمل أكثر من سخط جامع تحف تحدَّى القيود الحكومية. القضية تسلِّط الضوء أيضاً على المعيار بين تحويل الملكية الخاصة والتراث الثقافي للبلد.
في صلب الموضوع عدد من الأسئلة تتصارع في بلدان كثيرة الآن وتتحدد في: ما الذي يشكل أو يحدِّد الكنز الوطني؟ وما هي حدود حقوق الملكية الخاصة عندما يتعلق الأمر بالفن النفيس؟
أصبحت أكثر الأسئلة ذات صلة مؤخراً في بعض البلدان، مثل أيرلندا وألمانيا، سعياً إلى تعديل قوانينها في محاولة للحفاظ على تلك النوعية من الأعمال ضمن حدودها؛ وخصوصاً الأعمال التي قد يتم بيعها في الخارج في سوق الفن المزدهرة.
وقال المحامي الذي يُمثِّل جامع التحف بوتين، جوزيبي غلابي، وهو محام يمثل جامع التحف نفسه في قضية مماثلة ترتبط بأعمال دالي في إيطاليا: «حالة بيكاسو (لوحته رأس امرأة شابة)، تثير مسألة ما إذا كانت دولة ما تستطيع رفض التصدير دون أي كلفة تتحملها الحكومة. إعلان عمل بأنه عنصر فائدة ثقافية يعمل عمله في تدمير القيمة السوقية له».
قضية بوتين تضيف تطوراً في هذا المجال. هناك تساؤلات جدية حول ما إذا كان بيكاسو لديه رابط فني بإسبانيا. تعقيد المسألة اتضح في إجراءات بوتين بعد أن منعته محكمة إسبانية من تصدير لوحاته في مايو/أيار الماضي. وكان قد حمل اللوحة في يخته إلى ميناء كورسيكا؛ مع خطط لنقلها إلى مركز تخزين في مرفأ سويسري؛ عندما استولى ضباط الجمارك الفرنسية عليها.
وفي مقابلة في مقر البنك التجاري الإسباني؛ حيث يُعدُّ بوتين أحد المساهمين الرئيسيين، قال إنه يؤمن بانتصاره في هذه القضية «لا يوجد احتمال بأن الحكومة ستنجح، لأنه لا حق لها في الأمر». وأضاف «تلك ملكيتي. إنه يشبه حضورهم إلى منزلي في مدريد غداً ليقولوا لي: «نحن نحب مجموعة الفن التي بحوزتك».
وقال متحدث باسم وزارة الثقافة الإسبانية، إن الحكومة تنتظر نتائج الطعون المقدمة للمحاكم من قِبَل بوتين قبل اتخاذ أي خطوات جديدة.
التأثر بالتماثيل الإفريقية
ويتحدَّد موقف الحكومة في أن اللوحة يجب أن تبقى في إسبانيا لأنها «كنز وطني» - اللوحة عمل نادر أنجزه بيكاسو في الفترة التي قضاها في قرية غوسول بجبال البرانس في صيف العام 1906 - وخلص خبراء الحكومة إلى أنه «لا توجد أعمال أخرى مماثلة داخل الأراضي الإسبانية» وأن اللوحة «هي واحدة من عدد قليل من الأعمال التي نفَّذها الفنان خلال ما يسمى فترة غوسول».
بعض أفراد أسرة بيكاسو وكتاب السيرة يختلفون مع ما ورد. كتالوجات بيكاسو الموثَّقة والسير الذاتية تشير إلى أن اللوحة رسمت في استوديو الفنان في مونمارتر، وباتو - لاوير، حيث عمل بيكاسو في الفترة ما بين 1904 - 1909، وفقاً لحفيد الفنان، ومؤلف سيرة حياته، الفرنسي أوليفييه بيكاسو، وابنة بيكاسو مايا ويدمايير بيكاسو.
وقال أوليفييه بيكاسو إنه لا يعتقد أن اللوحة لها أهمية بالنسبة إلى إسبانيا. مضيفاً أن «الحقيقة هي أن هذه اللوحة كانت أكثر تأثراً بالتماثيل الإفريقية من بعض السقوف والبلاط في قرية إسبانية».
من جانبه قال كاتب سيرة بيكاسو، جون ريتشاردسون: «لم يكن من الممكن أن تكون اللوحة رسمت في غوسول»، لأن الأعمال من تلك الفترة كانت متشابهة جداً، وهذه اللوحة ليست من ذلك النمط. وزارة الثقافة اعترفت في رسالة بالبريد الالكتروني، بأن اللوحة تم إنجازها في باريس ولكنها كانت جزءاً من الفترة التي أنجز فيها بيكاسو أعماله في غوسول.
اللوحة ستظل خاضعة للحراسة في منشأة تخزين بمتحف رينا صوفيا، وهو يبعد مسافة قصيرة بالسيارة من مكتب بوتين، في قصر يعود إلى مطلع القرن العشرين، بامتداد باسيو دي لا كاستيلانا. وبات من الصعب الآن على أي شخص رؤيتها؛ بما في ذلك بوتين، المتحدِّر من عائلة سانتاندر المصرفية.
يذكر أن «سانتاندير» هو مصرف إسباني تم تأسيسه في العام 1857 من قبل إيميليو بوتين لوبيز، ويدار اليوم من قبل أصغر أحفاد بوتين، إيميليو بوتين سانز دي ساوتولا إي غارسيا دي لوس ريوس، المُصنَّف بأنه أغنى رجل في إسبانيا. يُدار المصرف اليوم من قبل مدينة لندن عبر ملكية المصرف المَلَكي في سكوتلند (RBS) والمؤسسات ذات الصلة، ومن قبل أصحاب نفوذ مالي من فينيسيا يرتبطون بشركة تأمين سيئة السمعة تدعى أسيكورازيوني جينيرالي Assicurazioni Generali التي أوصلت بينيتو موسوليني إلى السلطة في إيطاليا. كما أن «سانتاندير» والمصرف الملكي الاسكتلندي هما جزء من شبكة مصرفية عالمية تدعى إنتر ألفا، وهي بمثابة الأخطبوط بتوسعها إلى شرق وغرب أوروبا وما وراءها.
جمع الأعمال بشكل ميكانيكي
بوتين اشترى لوحة بيكاسو في لندن العام 1977، عندما قال إنه لايزال يحب جمع وتكديس الأعمال الفنية، في نهاية المطاف جمع أيضاً أعمالاً لكورو، سيسلي وتيرنر. إلى أن قال، جاءت لحظة «أدركت فيها أنني كنت أجمع الأعمال بشكل ميكانيكي. تمرُّ عليَّ أيام لا أكلِّف نفسي عناء النظر إلى لوحاتي».
خلال الأزمة الاقتصادية الإسبانية في العام 2012، قال بوتين، إنه قرَّر أن يبيع لوحة بيكاسو وتوظيف العائدات في الشركة الاستثمارية العائلية، ليستفيد منها أبناؤه الخمسة الكبار. وقتها كانت أسعار الأعمال الفنية تحلق عالياً في السوق الدولية.
عداؤه مع الدولة بدأ في ذلك العام (2012) عندما سعت دار كريستيز في إسبانيا للحصول على ترخيص تصدير لبيع العمل في لندن، حيث يمكن فرض أسعار أعلى بين المشترين الدوليين. تم رفض طلب الترخيص من قبل السلطات الحكومية الإسبانية، كما تم رفض استئناف بوتين في مايو/أيار من هذا العام من قبل محكمة إسبانية.
الحالة قد تُنذر بمزيد من الصِدام. ففي إيطاليا، يضغط تجَّار الفن من أجل تحرير القوانين المقيدة، في أعقاب الحالات التي تم فيها منع تصدير الأعمال الفنية إلى الخارج لأسباب عرضية - مثل حالة لوحة دالي لأخته التي منعت السلطات بيعها لمتحف مسقط رأسه في إسبانيا بسبب تأثر الفنان الإسباني بحركة «القيم البلاستيكية الإيطالية» («Valori plastici» تعني بالانجليزية «القيم البلاستيكية» وهي مجلة إيطالية صدرت في روما بإيطاليا وفرنسا العام 1918 واستمرت حتى العام 1922).
قانون الحماية
ولدى إسبانيا قانون حماية وقائي قبل 30 عاماً يمنع تصدير الأعمال التي يحدد القانون أنها إرث وطني، كما يمنع تراخيص التصدير للأعمال التي مرَّ على إنجازها أكثر من 100 عام.
بوتين، يمضي في سلسلة من التحديات القانونية المتعلقة بحظر التصدير والمصادرة. هنالك قضيتان في هذا الشأن في المحاكم الإسبانية، وأخرى تم حفظها في سبتمبر في العاصمة الفرنسية (باريس). كما يواجه بوتين تحقيقاً في قضية تهريب، على رغم أنه لم توجه إليه تهمة، وفقاً لمحاميه، رافائيل دي ماتيو روس.
بعض أفراد عائلة بوتين دعوْه إلى مغادرة إسبانيا، واكتفى بالرد عليهم بإنه ربما يكون أكثر غضباً منهم بسبب ما حدث من مصادرة اللوحة، قائلاً: «لكنني سأبقى هنا في إسبانيا»، مضيفاً «لماذا؟ للتأكُّد من أن صوته قد بُحَّ» للتأكد من أن الناس الذين فعلوا بي كل ذلك سيدفعون الثمن».
يُذكر أن لوحة «رأس امرأة شابة» للفنان العالمي بابلو بيكاسو تم إنقاذها من قبل السلطات الفرنسية، على سفينة في جزيرة كورسيكا؛ وفق ما أعلنت الجمارك الفرنسية. وتقدَّر قيمتها بأكثر من 25 مليون يورو، وصنفتها السلطات الإسبانية بأنها غير قابلة للتصدير.
وأوضحت الجمارك في بيان أن «العناصر الرسميين الفرنسيين تنبَّهوا إلى محاولة تصدير لوحة لبيكاسو من مديرية الجمارك في مدينة باستيا الى سويسرا».
وفي اليوم التالي، دخل عناصر من جمارك منطقة كالفي في كورسيكا «إلى السفينة التي كانت تنقل العمل لدى توقفها في مرفأ كالفي للسفن السياحية» وطلبوا «وثائق متصلة بالوضع القانوني للوحة» بحسب البيان.
وأشارت السلطات الجمركية الفرنسية إلى أن «قبطان السفينة لم يستطع تقديم سوى وثيقة تقييمية للوحة، إضافة إلى تقرير مكتوب باللغة الاسبانية صادر في مايو/أيار 2015 عن المحكمة العليا الإسبانية تؤكد أن هذا العمل ثروة وطنية إسبانية لا يمكن إخراجه من إسبانيا في أي حال من الأحوال».
قبل أن تشهد سوق الفن العالمية هذه الطفرة الكبيرة؛ وخصوصاً في مطلع الألفية الجديدة، والأعمال الفنية للمشاهير الذين تصل أسعار لوحاتهم إلى عشرات الملايين من الدولارات، تشهد سرقات؛ أو محاولات سرقة لم تنفك الدول معها في فرض إجراءات حراسة مشدَّدة، ومراقبة حدودها؛ بل وسن قوانين تحول دون انتقال تلك الأعمال بين الحدود، باعتبارها من الكنوز الوطنية للأمة؛ على رغم أن فرص بيع تلك اللوحات تعادل صفْراً، في ظل تحول العالم إلى «غرفة» وليس قرية كما هو شائع!
لتلك السرقات تاريخ وتجارب، طال أهم الأعمال الفنية في التاريخ البشري، بعضها عاد ليحتل مكانه في دور العرض، مع إجراءات وقائية أكثر تشدداً، وبعضها إلى الآن لم يتم حل لغز اختفائها.
- لوحة «الصرخة» للفنان النرويجي إدفارت مونك، والتي رسمها العام 1889. تمَّت سرقتها لأكثر من مرة؛ إذ سُرقت من المعرض الوطني، ليتم استردادها بعد شهور، ومع حلول العام 2004، تمَّت سرقتها مع لوحة أخرى من متحف مونك، وتم استردادهما في العام 2006، بعد أن تضررت الأولى وخضعت للترميم، لتعرض ثانية أمام الجمهور في العام 2008.
- «الموناليزا»، أو الجيوكاندا، لوحة رسمها الإيطالي ليوناردو دافينشي. بدأ في رسمها العام 1503، وانتهى منها جزئياً بعد ثلاث أو أربعة أعوام، فيما انتهت أجزاء منها في العام 1510.
استطاع شاب فرنسي في العام 1911، كان يقوم بترميم بعض إطارات الصور بالمتحف أن يسرق اللوحة ويخفيها لديه. وبعد عامين، باعها لفنان إيطالي (ألفريدو جيري)، وبعد أن تأكد أنها موناليزا دافينشي الأصلية، أبلغ السلطات الإيطالية التي قبضت على اللص وأودعت اللوحة في متحف بوفير غاليرى. نشأت أزمة دبلوماسية بين البلدين كادت تصل إلى قطع العلاقات، لولا رضوخ إيطاليا بإعادة اللوحة إلى موطنها الأصلي. صدر الحكم على اللص بالسجن لمدة عام واحد فقط.
- «زهرة الخشخاش»، للفنان فان غوخ، ورسمها في العام 1887، وتقدَّر قيمتها بـ 55 مليون دولار أميركي. اختفت في 23 أغسطس/آب 2010، ولم يتم العثور عليها حتى اليوم، بعد أن سرقت في القاهرة من متحف محمد محمود خليل. اللوحة نفسها تعرَّضت للسرقة في ظرف غامض بتاريخ 4 يونيو/حزيران 1977، وعُثر عليها في الكويت، في ظرف غامض أيضاً.
- سرقة خمْس لوحات في باريس: بتاريخ 20 مايو/أيار 2010، تم إعلان سرقة خمْس لوحات شهيرة من متحف الفن المعاصر في باريس، تقدَّر قيمتها بمئة مليون دولار. واللوحات المسروقة هي: «حمامة البازلاء» لبابلو بيكاسو، و «الرعوية» لهنري ماتيس و «شجرة الزيتون قرب ليستاك»، لجورج براك و «طبيعة ميتة وشمعدانات» لفرنان ليجيه و «امرأة تحمل مروحة يد» لأماديو موديلياني.
كما تمَّت بتاريخ يونيو 2009، سرقة دفتر رسوم بيكاسو من متحفه في العاصمة الفرنسية، وقُدِّرت قيمته بنحو ثلاثة ملايين يورو. وفي ديسمبر/كانون الأول 2009، اختفت لوحة «لي كوريست» للرسام إدغار ديغا التي أعيرت لمتحف كانتيني في مرسيليا.
غريبه
كل هالهواش على هالرسمه؟!