بأي مسار يمكن أن تتجه تطورات الأحداث الدامية بتركيا، وخصوصاً بعد المجزرة الأخيرة التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى في انفجارين ضربا محيط محطة القطارات الرئيسية في قلب العاصمة أنقرة، حيث احتشد آلاف المحتجين بدعوة من أحزاب اليسار والنقابات ومنظمات المجتمع المدني رافعين شعارات «من أجل السلام» ورفض استئناف النزاع بين أنقرة والمتمردين الأكراد. ترى من نفذ الجريمة، ومن يستفيد من تداعياتها وكيف؟
الأسئلة السابقة وغيرها تشغل بال المتابعين والمحللين على رغم إدراكهم أن تركيا الرسمية التي طالما تفاخر ساستها باعتمادهم سياسة «صفر مشاكل»، باتت اليوم من أسف في عين أزمات المنطقة وليست بعيدة عن أي تطور يطرأ عليها، فهي شريك فاعل ومؤثر، بل هي مرشحة للاضطراب السياسي وانعدام الاستقرار، تماماً كما حال جيرانها.
المجزرة حدثت في إطار الإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية الحاسمة بين الأطراف المتصارعة وعلى رأسهم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. المجزرة لم تكن حدثاً مفاجئاً، على رغم وصف البعض لها إنها «11 سبتمبر التركية»، فهي بهذا وذاك تأتي في سياق تراكمات متتالية لحالة الاستقطاب منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة التي دخل إثرها «حزب الشعوب الديمقراطي» البرلمان بعد تخطيه حاجز العشرة في المئة، وبالتالي فهي الحدث النوعي بعد تفجيرات «ديار بكر» التي استهدفت ناخبين أكراداً تظاهروا سلمياً وتأييداً «لحزب الشعوب الديمقراطي» قبل يوم من الانتخابات التشريعية في يونيو/ حزيران الماضي، وكذلك بعد الهجوم الانتحاري وسط احتفال ناشطين للقضية الكردية في مدينة «شوروتش» على الحدود السورية في يوليو/ تموز الماضي وقبل رحيلهم لعين العرب «كوباني» للمشاركة في قتال «داعش»، إذ اتهمت فيه الحكومة التركية تنظيم «داعش» بتنفيذه، كما أدى إلى انهيار وقف إطلاق النار الساري بين الجيش التركي و«حزب العمال الكردستاني» منذ 2013 وتجدد المواجهات العنيفة بينهما.
احتمالات وفرضيات متعددة تطرقت إليها التقارير بشأن التفجير الأخير وتوقيته، وهي جميعها توضح ماهية المصالح والاتجاهات المتباينة وشدة التجاذبات بين أطراف اللعبة السياسية التركية، والتي يمكن تناولها في إطار تداعياتها المحتملة.
فرضيات رسمية
أنقرة الرسمية وجهت أصابع الاتهام إلى احتمالية أربع جهات وإن بتفاوت، بالطبع على رأسهم تنظيم «داعش» و «حزب العمال الكردستاني» و «حزب التحرر الشعبي الثوري» اليساري علاوة على تلميحات غير مستبعدة من مقربين للحكم بوقوف وتورط قوى إقليمية وراء التفجيرات للحد من تدخلات تركيا وتأثيرها في ساحة الصراع السورية العراقية.
التركيز انصب على أن المؤشر الأولي يوحي بمسئولية «داعش» عن التفجيرين، وقد تبين هذا بإدانة الرئيس «رجب طيب أردوغان» من أن «الهجوم المشين ضد وحدتنا وضد السلام في بلادنا، وإن من يقف وراءه هدفه بثُ الفرقة بين فئات المجتمع التركي»، وأيضاً من إعلان رئيس الوزراء «أحمد داود أوغلو» أن «التفجيرين نفذهما على الأرجح انتحاريان»، فيما لا تستبعد أوساط أخرى وجود اختراق أمني، وخصوصاً مع كشف «أوغلو» القبض على انتحاريين في اسطنبول وأنقرة قبيل الهجوم، وأن هناك معلومات استخباراتية قبل الهجوم عن عزم «داعش» والـ «الكردستاني» الإرهابيين، تنظيم هجمات لنشر الفوضى، وإمكانية دخول انتحاريين من شمال العراق... الخ. في كل الأحوال احتمالية تنفيذ التفجير الإرهابي من «داعش» منطقية وواردة لجهة استهدافه الأكراد في العراق وسورية، كما له مصلحة في الانتقام من النظام التركي، ولاسيما بعد التحولات التي حدثت على مواقفه وانضمامه للتحالف الذي يحارب تنظيم «داعش»، هذا من جهة.
من جهة متصلة، اللافت جاء في تساؤلات المحللين عن كيفية استهداف الـ «الكردستاني» لمناصريه وقواعده، وخصوصاً وقد أعلن مقاتلوه استجابتهم للنداءات الداخلية والدولية بتهدئة أجواء المناطق الكردية التي تستعد لخوض الانتخابات المقبلة والإعلان عن تعليق عملياتهم العسكرية ضد قوات الأمن التركية وحصرها بالرد الدفاعي وحماية مواقعهم الحالية ممن يستهدفهم، في الوقت الذي أعلنت فيه أنقرة عدم التزامها بأي وقف لإطلاق النار واستمرت في قصف مواقعهم شمال العراق وجنوب شرق تركيا، ما يعني وتبعاً للمحللين أن هذه الفرضية ضعيفة.
فرضيات غير رسمية
معلوم أن أحزاب المعارضة حملت الحكومة مسئولية ما حدث وذكرتها بتأثير تدخلها في الأزمة السورية وطالبتها باستقالة وزير الداخلية الذي رفض الاستجابة لذلك، وأشار بعضهم إلى احتمالية قيام تنظيم «داعش»، لكن الأخطر جاء ممن تحدثوا عن احتمالية تنفيذ المجزرة من «الدولة العميقة»، فقد أشار مساعد مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية «ديدييه بيليون» إلى احتمال وجود خلايا سرية مختبئة وتنشط في الجهاز الأمني والإداري التركي، وقال إن الفرضيات الرسمية تفتقد المصداقية بسبب حالة الاستقطاب السياسي المثيرة للقلق. أما الأوساط الكردية فكشفت عن إمكانية استغلال الحزب الحاكم للأحداث الأمنية في مناطقهم وتحويل مراكز الاقتراع منها تحسباً لأي صدامات، بيد أن الجهة المنظمة للانتخابات رفضت الاقتراح، وهذا يفسر ما ذهب إليه المحللون بأن «الكردستاني» أعلن قبيل التفجيرات تجميد عملياته العسكرية لقطع أي فرصة يمكن استغلالها من «أردوغان» وحزبه.
أيضاً وفي إطار الشكوك باستهداف نظام الحكم للأكراد، يشير أحدهم من وكالة «فرانس برس» إلى استخدام الرئيس «أردوغان» «استراتيجية التوتر» بغرض استقطاب المواقف السياسية وإعادة جمع قسم من الناخبين القوميين إلى صفه في الانتخابات الآتية، وخصوصاً بعد خسارة حزبه للغالبية المطلقة، وما حققه «الديمقراطي» من نتائج، وهو الحزب التي يتهمه «أردوغان» بأنه واجهة لـ «الكردستاني»، فضلاً عن فشل مفاوضات الأطراف السياسية لتشكيل حكومة ائتلاف والاضطرار إلى الدعوة لانتخابات مبكرة الشهر القادم. في السياق حالة التوتر وتبادل الاتهامات بلغت مداها في اتهام «صلاح الدين ديميرطاش» رئيس «الديمقراطي» وأحد الداعين للمسيرة ضد الحكومة قائلاً: «إننا أمام دولة مجرمة تحولت إلى مافيا... وإن هذا هجوم من دولتنا على شعبنا».
والنتيجة، على المستوى الداخلي، «الكردستاني» يلقى اللوم على الحزب الحاكم ويتهمه بصلاته مع التنظيمات الجهادية واستخدامه لتنظيم «داعش» كقوة بالوكالة لاستهداف الأكراد ومنعهم من تحقيق أي تقدم في سورية، أو تمكنهم من المشاركة في السلطة بالداخل التركي.
داخلياً وخارجياً اندلعت التظاهرات بعشرات آلاف في اسطنبول وأزمير وديار بكر وغيرها من مدن العالم، محملين الحكومة التركية مسئولية الاعتداء ورافعين لافتة كبيرة كتب عليها «نعرف القتلة»، «أوقفوا إرهاب الدولة التركية»، واتهموا الشرطة بالتقصير أثناء الانفجار وتأخير وصول سيارات الإسعاف.
في كل الأحوال، قائمة المشتبهين كما يؤكد «نهاد علي أوزجان» أستاذ العلاقات الدولية طويلة لكن المخيف هذه المرة، هو ألا يكون تفجير أنقرة سوى البداية.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4785 - الثلثاء 13 أكتوبر 2015م الموافق 29 ذي الحجة 1436هـ
مجزرة أنقره
للأسف كل هذا ان تركيا حاضنه الى الاٍرهاب من زرع حصد انت يا اردوغان أله متنقله ضد دولتنا سوريا الحبيبه انت يالعرب خراب سوريا وأنتم سوف تشيدها على سواعدكم ومن جوفكم سوف تعود سوريا ان شاء الله باقيه وعلى اسدها
تركيا
الذى كان بيتك من زجاج لا ترمى بحجاره