العدد 4783 - الأحد 11 أكتوبر 2015م الموافق 27 ذي الحجة 1436هـ

اقتباس يشير إلى أنه لم يُعجبه فرويد... وما كان يفعله فرويدياً

السرْد الصوتي لسيرة أسطورة السينما براندو...

عائلة براندو في جلسة محاكمة كريستيان بتهمة القتل
عائلة براندو في جلسة محاكمة كريستيان بتهمة القتل

انتهى الجزء الأول من سيرة «عرَّاب» السينما العالمية، الأميركي مارلون براندو، التي تضمَّنتها أشرطة تسجيل أنجزها في الفترة من خمسينات القرن الماضي إلى ما قبل وفاته في العام 2004، من تقرير كتبه تيم لويس في صحيفة «الغارديان» البريطانية بتاريخ 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بالقول: يبدو أن براندو قد أصيب باعتلال نفسي عميق في سنواته الأولى بسبب أن والده، مارلون الأب، صانع مبيدات، والأم، دودي، ممثلة، وكانت مدمنة على المشروبات الكحولية؛ إذ ربما كان والده عنيفاً؛ حيث ولد براندو في أوماها بولاية نبراسكا في العام 1924، وانتقال الأسرة المستمر: انفصل والداه لفترة، ليتصالحا مرة أخرى، وجنح مارلون الابن في حياته إلى أن روَّض نفسه بنفسه بعد أن تم إرساله إلى أكاديمية عسكرية. وكان مقتنعاً بجزء كبير من حياته.

ستيفان رايلي: قرأتُ اقتباساً مفاده أن براندو لم يُعجبه سيغموند فرويد، ولكن كل شيء كان يفعله فرويدياً للغاية. كان من الرائع إنشاء شركته الخاصة وأطلق عليها اسم «Pennebaker»، اسم عائلة أمه قبل الزواج. وعندما وقَّع اتفاقاً بستة أفلام مع «يونيفرسال»، عيَّن والده رئيساً للشئون التجارية في الشركة ليتولَّى عملية السيطرة على المال ومراقبته. لذلك أعتقد أنه لا شعورياً بعد موافقة والده - تماماً كما يحدث لنا جميعاً بعد موافقة والديْنا والاعتراف بما نفعل - كان ذلك نوعاً من التصالح مع نفسه. لم يكن يستطيع مقاومة أو مواجهة والده، بقدر ما كان يرغب بشدَّة في موافقته ورِضاه. ذلك جانب من شخصيته الملتبسة والمليئة بالتعقيد.

أشرطة التنويم المغناطيسي

ريبيكا براندو: لم أكن أعرف جدِّي وجدَّتي، وكان نادراً ما يتحدَّث لي عنهما. في نهاية المطاف، أعرب عن كيفية أن الأب والأم سيقومان بعمل الخير والفعل الصالح بقدر ما هو متاح لهما من إمكانات وأدوات. وأنك لا يمكن إلقاء اللوم عليهما لأوجه قصور في أدوارهما وأدائهما. لذا كنت أعلم أنه يحاول أن يكون والداً أفضل مما كان عليه والداه. وبقدر ما كان لديه العديد من الأطفال، حاول أن يكون موجوداً بينهم ومن أجلهم، من خلال ترتيب لقاءات تجمعنا معاً، أو الذهاب في رحلات، والتأكد من أننا تناولنا وجبة العشاء معاً.

ستيفان رايلي: وجدنا ما يُمكن أن نُعرِّفه بأشرطة التنويم المغناطيسي الذاتي؛ كان براندو يقوم بجلسات استحضار للتنويم المغناطيسي ليكون على متاخمة مع مرحلة شبابه. كان يحاول البحث عن الهدوء، وعن لحظات من السلام قبل أن تضرب الفوضى أطناب الأسرة. كان يحب مشاهدة الـ «بي بي سي»، وتحديداً «المُخبر المُغنِّي»، لمايكل غامبون، وكان يشعر دائماً بأنه الصبي في الشجرة. وظل مقتنعاً بأنه هو. وكان يعود بين فيْنة وأخرى إلى شجرة الدردار التي يقوم بتسلُّقها بحثاً عن السلام والعزلة.

ميكو براندو: لم يتحدَّث لنا بصورة سيئة عن والديه، ولم يحطّ من قدرهما. كان دائماً ما يقول لي: ميكو، تعلَّم من أخطائك. ما أحاول أن أقوله، هو أنه لم يجعلنا نشعر بالطريقة التي من المفترض أن والده كان يتعامل بها معه. كان يجعلنا دائماً نشعر بأننا على رأس أولوياته، وسعداء ومعتزين بأنفسنا. كان محبوباً.

مجمَّع هجْر للنساء

ستيفان رايلي: كان يعشق والدته، وارتبط بها باعتبارها رمزاً ملائكياً، وسامحها على الكثير من الإهمال الذي بدر منها تجاهه. كان يتوقع امرأة من بين الرموز الملائكية التي يمكنها أن تنقذه من النساء. لكن في اعتقادي اضُطر إلى مواجهة هذه الفكرة لأنه أدرك بأن أمه لم تكن أبداً ملاكاً، ولم تكن موجودة من أجله. كان يائساً من تكوين أسْرة، وربما ذلك هو ما دفعه إلى تكوين مثل هذه العائلة الكبيرة: لقد افتقد حاجته إلى الحياة الأسرية بشكل ملحٍّ حين كان طفلاً، وسعى إلى إعادة تكوينها.

ستيفان رايلي: واحد من الأسئلة التي كنت سأسأل الناس عنها: «من كان حبّ حياته؟ هل كان مارلون رومانسياً؟ أم كان زير نساء وفاسقاً؟ كان التناقض دائماً يضجُّ فيه: كان رومانسياً للغاية، ولكنه كان متعثِّراً في علاقاته مع النساء من خلال تجاربه المبكِّرة. وكما يقول في الفيلم، «إنه مجمَّع هجْر للنساء». وكان غيوراً بشكل لا يُصدَّق بحسب اعترافه شخصياً؛ الأمر الذي جعله يعتقد بأنه رمز للجنس، فمن المؤهَّل مثل براندو وهو في ذرْوة مستواه، كي يحتل مكانه؟

ريبيكا براندو: أعرف أنه كان على علاقة غير ودية مع والدتي، موفيتا بعد انفصالهما. كانت امرأة فخورة بنفسها. لم تكن علاقتهما وثيقة، كان ذلك في وقت مبكِّر من حياتي. ومع اقتراب رحيله عن هذا العالم نشأت بينهما صداقة: ضحكا بل حظيا بأوقات حميمة. أعلم أنه حافظ دائماً على علاقة وثيقة مع تاريتا، زوجته التاهيتية. وبالنسبة إلى علاقته بزوجته الأولى، آنا كاشفي، فقد كانت مختلفة. لم يكن بينهما ذلك النوع من العلاقة الوثيقة.

الشهْرة والارتياب الشديد

ستيفان رايلي: كان شديد الارتياب جداً. وخصوصاً حين تحقَّقت له الشهرة الكبيرة، كما كان أكثر ارتياباً في أن الناس لا تريده لنفسه، ولما كان عليه ذلك الشخص: الصبي الصغير من ولاية نبراسكا. لقد اعتاد الفصل - وكذلك فعلت عائلته - بين مارلون و «Bud»، وكان لقبه عندما كان طفلاً، وكانا تقريباً شخصين: مارلون براندو النجم السينمائي، و «Bud» براندو، شخصيته الحقيقية. ولم يشعر أن أحداً - وخاصة النساء - يريد معرفة Bud براندو. كل ما أرادوا معرفته هو مارلون براندو، النجم السينمائي، لذلك حاول تفكيك تلك النوعية من العلاقات.

جون باتسيك: لقد قالها بنفسه: إنه لم يكن أباً جيداً بما فيه الكفاية. أشعر أنه كان مدركاً جداً لتلك المسألة، وذهب لاستشارة عدد كبير من الأطباء والمعالجين، وحتى الآن لم يستطع منع نفسه من التصرُّف بدافع إخفاقاته، وظل يفعل ذلك مراراً وتكراراً.

ريبيكا براندو: لم يكن والدي مثالياً: يمكن أن يكون متقلِّب المزاج ومنعزلاً، ولكن بالنسبة إلى الجزء الأكبر منه، كان ممتعاً وخفيف الظل. ويتمتع بحضور أخَّاذ، حتى في صمته كان ذا تأثير. ومعه، تريد دائماً أن تعرف ما الذي كان يفكِّر فيه؛ لأنه كان بتلك الشخصية الكاريزمية الجاذبة - حتى بالنسبة إلى أطفاله. كما تودُّ أن تكون معه في كل وقت. أنا لا أقول ذلك لأنني ابنته. أقوله لأنها الحقيقة! كثير من الناس لا يحظون بما يكفي من وقته، وكان لديه الكثير من الوقت كي يمنحه الجميع، ولم يكن ذلك كافياً أبداً.

ميكو براندو: كان مُحبَّاً ومهتماً. والد خفيف الظل، وشخص جدير بأن تكون معه. عندما كنا حوله، لم يكن مارلون براندو، الشهير، الحائز على جائزة الأوسكار مرَّتين، الممثل الأسطورة. كان مجرَّد أب، وكنا نلعب في أرجاء المكان ونتصارع معه، ونطلق النكات. لذلك تجعلني ذاكرتي عن الأوقات الرحْبة تلك أنام بشكل جيد.

الحضور دون قراءة النص

بحسب الممثل جاك نيكلسون: «ذلك هو براندو، في واحد من أعظم الأفلام في أي وقت مضى (القيامة الآن)، والذي من المستحيل أن تختلف حوله». مُضيفاً «عندما رحل مارلون، اتجهتْ جميع أفلامه إلى ارتقاء القمة، مجسِّدة فناناً واحداً»، ولكن في السنوات الأخيرة، أصيبت سمعة براندو ببعض الطعْن. وفي ما يتعلق بفيلم «القيامة الآن»، حيث دُفع لبراندو مليون دولار نظير العمل لمدة ثلاثة أسابيع، شكا المخرج فرانسيس فورد كوبولا، من أن وزنه ازداد كثيراً، وحضر إلى موقع التصوير من دون أن يقرأ النص. فيلم «القيامة الآن» تم استلهامه من رواية جوزيف كونراد «قلب الظلام».

ستيفان رايلي: من الأشرطة أصبح من الواضح أن براندو أنجز ملاحظات إبداعية على نطاق واسع. أجزاء من تلك الملاحظات حول أعمال كان يستعد لها. إنها مثيرة للاهتمام، ووجدتُ فيها نوعاً من تجسيد الكمال في هذا الاتجاه.

ريبيكا براندو: ذهبتُ إلى تاهيتي قبل بضعة أسابيع، وإلى إحدى الجزر التي لم أزرها من قبل. كنت قد أخبرت أخي تيهوتو فقال: «هذا مضحك، هي نفسها الجزيرة التي ذهب إليها أبي استعداداً لفيلمه (القيامة الآن). عاش هناك لمدة شهرين. لم تكن هنالك سباكة ولا كهرباء. وكانت محاطة بأشجار شبيهة بالأدغال؛ وكانت محاكاة لموقع يعمل عليه الطاقم لإعداد فيلم تدور أحداثه في فيتنام. كان يحضرنا فرانسيس كوبولا الذي قال، إنه لم يكن مستعداً... وكما قال والدي في الفيلم الوثائقي: «لقد رمى بي تحت الحافلة. في الواقع، لقد أنقذت فيلمه».

و «القيامة الآن»، فيلم أميركي أُنتج العام 1979، وتدور أحداثه خلال حرب فيتنام. يروي حكاية الشخصية الرئيسية: النقيب في الجيش الأميركي بنجامين إل. ويلارد، الذي يُوكل بمهمة إلى الأدغال لتنفيذ عملية اغتيال العقيد في القوات الخاصة للجيش، والتر أي. كرتز الذي ادُّعي أنه مجنون.

العقل هو عدوك

ستيفان رايلي: عندما كان مارلون يتحدَّث عن التمثيل، كان يقول إن العقل هو عدوك. أول شيء يجب عليك القيام به هو حجْب عقلك، والتركيز فقط على الشعور. الأمر يتعلق بالوصول إلى المشاعر من ماضي الشخصية، وهي وفْق طريقة ستانيسلافيكي، يجب على أي ممثل من خلالها، أن يطوِّر كل جزء يؤدِّى من عواطفه الخاصة، بتلك الطريقة ستكون جزءاً من خوض ماضيك الخاص أيضاً. ثم حين تصل إلى مشاعرك الشخصية، ستستدعي عقلك للحضور مرة أخرى، ومعرفة كل السلوكيات الشخصية. التفاصيل الصغيرة حول ما يأكلون، وغيرها، تظل تفاصيل صغيرة يمكن أن تكدِّسها كومة كومة، بحيث تبدو هناك في عقلك الباطن، ويمكنك حينها التخلُّص منها عندما يُعطي المخرج شارة التصوير.

جون باتسيك: هو الفيلم الوحيد الذي صنعتُه، وأتلقَّى كل أسبوع مكالمة يُعرب فيها 30 من أشهر الممثلين في العالم، عن رغبتهم في مشاهدة الفيلم، وكيف يمكن ترتيب ذلك؟ كل أسبوع نتلقى اتصالاً من أحدهم: هل يمكن لوارين مشاهدة الفيلم؟ هل يمكن لجاك مشاهدة الفيلم؟ هل يمكن لجيك مشاهدة الفيلم؟ هل يمكن لداستن مشاهدة الفيلم؟ ومن دون توقف.

ريبيكا براندو: لم يشجِّعنا قط على أن نكون ممثلين. لأنه يعتقد أن التمثيل غير واقعي تماماً، ويجعلك في الصميم من الوهم بأنك شخص ذو أهمية، ولماذا؟ لأنك ممثل؟ لا معنى لذلك بالنسبة له. وكان يعتقد أن الناس الذين تعلَّموا والذين أحدثوا فروقات في هذا العالم هم الذين يجب أن يحصلوا على ملايين الدولارات: الفائزون بجائزة نوبل، العلماء، المعلمون، والأطباء.

حياة الهراء

ميكو براندو: أطلق على التمثيل «حياة الهراء» بالنسبة إلى أشخاص هوليوود. لم يكن براندو يأتي إلى البيت في هيئة إحدى شخصياته، يتركها وراءه. ذهبتُ إلى فرنسا معه عندما كان يصوِّر فيلمه «التانغو الأخير». هل كنتُ أعرف الفيلم الذي كان يعمل عليه في ذلك الوقت؟ لا. هل كنت مهتمَّاً؟ لا. كل ما عرفته أنه ذاهب إلى العمل، كان الأمر بتلك البساطة!

بعد تجنُّب الأضواء لسنوات، أُقْحم براندو في العام 1990 بتسليط الأضواء عليه من جديد عندما قتل ابنه البكر، كريستيان، رمياً بالرصاص داغ دروليت، صديق أخته شايان. وقع الحادث في منزل براندو في بيفرلي هيلز، وبعد محاكمة علنية للغاية؛ حيث كان براندو أحد الشهود الرئيسيين، قاد ذلك إلى كريستيان - الذي ادَّعى أنه كان في حال سكْر وأطلق النار على دروليت عن غير قصد - الذي حُكم عليه بالسجن لعشر سنوات بتهمة القتل غير العمد. تبع ذلك المزيد من المآسي في العام 1995 عندما أقدمتْ ابنته شايان، البالغة من العمر 25 عاماً، على الانتحار شنقاً. وتوفي كريستيان في العام 2008 بعد إصابته بالالتهاب الرئوي، ومات مُفْلِساً.

مارلون براندو في صورة تعود إلى العام 1950
مارلون براندو في صورة تعود إلى العام 1950
ميكو براندو
ميكو براندو
براندو مع زوجته الأولى آنا كاشفي في العام 1957
براندو مع زوجته الأولى آنا كاشفي في العام 1957

العدد 4783 - الأحد 11 أكتوبر 2015م الموافق 27 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً