أعاد التدخل العسكري الروسي في سورية ثم توجيه ضربات جوية ضد عدد من مواقع المعارضة السورية إلى الحرب السورية شعلتها. لقد أصبحت هذه الحرب أكثر تعقيداً من خلال إلإضافة الروسية، وهذا يعني أن الحلول التي تتعلق بسورية لن تكون ممكنة في المدى المنظور، فالتدخل الروسي سيفرض أجندته السياسية والعسكرية، فهو من جهة سيقوي الرئيس بشار الأسد لكنه في الوقت نفسه سيضعفه ويضعف نسبيّاً النفوذ الإيراني، كما سيقوي الجيش السوري صاحب العلاقة التاريخية مع روسيا على حسابهما.
في المرحلة المقبلة سيسعى الطيران الروسي لدعم الجيش السوري وقوات «حزب الله» في محاولة لاستعادة مناطق فقدها النظام الذي يسيطر الآن على 20 في المئة من الأراضي السورية، وسيسعى الروس في الوقت نفسه لامتحان قدراتهم على كل الأصعدة، وهذا سيفتح عليهم جبهات جديدة بخاصة أن التدخل الروسي يحصل وسط رفض شعبي عربي ووسط رفض سعودي وتركي. في سورية ولّدت الحرب منذ بداياتها سلسلة حروب، وكل توسع لهذه الحرب سيؤدي الى مزيد من الاشتعال.
إن الثمن الذي يدفعه الشعب السوري مخيف بكل المقاييس، ففي سورية تقع أكبر كارثة انسانية لشعب ولمجتمع، وهذا نتاج كارثة الاستبداد ودوره في منطقتنا، فسورية تدفع ثمن عدم قدرة نظامها السياسي على الخروج من الأزمة منذ بدايتها، بل تدفع ثمن مراهنة النظام على وأد الثورة السورية في مهدها. ومن يعتقد أن التدخل الروسي سيعيد عقارب الساعة الى الوراء سيصاب بخيبة أمل كبيرة، فروسيا معرضة لخسائر، حالها حال غيرها من القوى الدولية التي تتدخل في الاقليم.
وبالإمكان تقييم التدخل الروسي من أكثر من بعد، فروسيا تطمح إلى حماية مصالحها وقاعدتها ومينائها في سورية، كما أنها تسعى لملء بعض النفوذ الذي أخلته لها الولايات المتحدة، وروسيا لن تتردد في دعم هجمات النظام وحلفائه لاستعادة مواقع عدة.
لكن روسيا في وسط هذا المستنقع سترتكب أخطاء، وستقتل مدنيين أبرياء، وستهاجم معارضين ليسوا من «داعش» كما فعلت في الأيام الاخيرة. كل هذا سيدفع بقوات سورية معارضة عديدة لمواجهتها والتصدي لها. روسيا بين احتمالين: سياسة تثبيت ومنع انهيار نظام الأسد، وهذه هي سياسة الحد الأدنى المرتبطة بالسياسة الروسية، لكنَّ روسيا ستنجرف نحو سياسة أكثر هجومية بهدف استعادة بعض المناطق لصالح النظام السوري، وهذا سيضعها في مواجهة أكبر مع المعارضة السورية، التي قد تشهد تحولات جديدة.
وللروس وضع داخلي سيتأثر من جراء خسائر كبيرة أو متوسطة، ولديهم طيران سيتأثر من جراء خسائرعلى مدى متوسط، ولديهم اقتصاد متراجع سيتأثر بأي حرب مفتوحة. فسورية ليست على حدود روسيا، ولهذا ستكون الظروف الروسية أشد صعوبة. والأخطر على روسيا انها تدخلت في حرب لن تخرج منها منتصرة، هي الحرب نفسها التي خشيت منها الدولة الأقوى: الولايات المتحدة، بل حتى تركيا ترددت في دخول الدوامة السورية.
لو نظرنا الى المعارضة بتنوعها وصولاً الى «الدولة الإسلامية» (داعش) بتطرفها سنجد أن التدخل الروسي سيزيد من قوة الأطراف الجهادية وإصرارها على التصدي للتدخل الروسي، وستعود الذكريات القديمة التي أسست الجهادية الإسلامية في حرب أفغانستان. فالتصدي للقوات الروسية سيكون حافزاً للكثير من الجهاديين السوريين والإقليميين. هناك مصادر مختلفة تؤكد وجود بضعة آلاف من المقاتلين الجهاديين الشيشان في سورية. لهذا من المتوقع ان يلعب هؤلاء دوراً في نقل خبرتهم في مواجهة الروس الى الساحة السورية. المقصود هنا: الرحلة الروسية في سورية لن تكون إلا رحلة صعبة محفوفة بالمخاطر. فروسيا وضعت قدمها الآن في عشّ دبابير، وهذه هي القصة نفسها التي تتكرر في كل مكان: التدخل العسكري يفتح الباب لحروب غير مرئية.
وعلى رغم التواصل الأميركي الروسي حول العمليات ضد «الدولة الإسلامية»، فإن لتركيا رؤية عن سورية من الصعب ان تتنازل عنها لصالح روسيا، كما لدول الخليج والمملكة العربية السعودية موقف من سورية والرئيس الأسد لن تتراجع عنه في المدى المنظور. وفي الحد الادنى لن تقبل تركيا كما لن تقبل دول الخليج بتراجع المعارضة وهزيمتها ولا بالتمدد الروسي، من هنا سترتفع نسب الدعم للمعارضة في المرحلة القادمة وخصوصاً لأطراف منها يمكن التفاهم معها حول المرحلة الانتقالية. هذا يعني عمليّاً أن الجبهات السورية ستزداد اشتعالاً، وأن المعارضة ستحضر هي الأخرى لهجمات واسعة في مناطق تسمح لها بأخذ المبادرة.
إن تحالف روسيا العلني مع الرئيس بشار الأسد وعلاقة سياساته المدمرة بموت مئات الألوف من السوريين وتهجير الملايين منهم لن يكون أمراً يسيراً على العلاقات الروسية العربية القادمة. هنا نقطة الضعف الروسية الأساسية. وفي الوقت نفسه سيدفع بروز روسيا في وضع المدافع عن النظام بوضعه المتراجع الراهن، الى فقدان ما تبقى لها من نفوذ.
هنا يمكن استحضار التدخل الإسرائيلي في الحرب الاهلية اللبنانية في حرب 1982، وكيف اعتقدت اسرائيل ان الفرصة مؤاتية لتحقيق انتصار كبير وفرض حل نهائي لحرب لبنان وللقضية الفلسطينية في الوقت نفسه. بل في ذلك الزمن قامت سورية بدعم «الحركة الوطنية» اللبنانية التي تصدت ووجهت ضربات إلى القوات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية وصولاً الى دعم حرب طويلة لفرض الانسحاب على إسرائيل العام 2000 من الجنوب اللبناني.
لن نعرف طبيعة الدور التركي تجاه سورية والتدخل الروسي قبل الانتخابات التركية القادمة التي ستقرر الكثير عن مستقبل سياساتها في سورية. وتحت كل الظروف مازالت حرب العراق وحرب أفغانستان حاضرتين في التجربة الاميركية، فهل سننتظر لتكتوي روسيا بالنيران ذاتها التي سبق لها أن أدمت الولايات المتحدة قبلها؟
لا حل حقيقيّاً للأزمة السورية خارج إطار التفاوض على حكومة وحدة وطنية ومرحلة انتقالية وإعادة بناء سورية وقيادة جديدة وانتخابات حقيقية لرئيس جديد يخرج سورية من عباءة المرحلة الأسدية. لا يوجد مستقبل للأسد في سورية، لكن حتماً يوجد مستقبل للعلويين ضمن نظام سياسي عادل يمثل الشعب السوري بتنوعه.
واضح ان السياسة التي انتهجها الرئيس السوري كانت كارثة على سورية بكل فئاتها بمن فيهم العلويون أنفسهم. فالخروج من المأزق سيتطلب ضمانات لكل الطوائف، لكن ذلك غير ممكن من دون قيادة جديدة لسورية. هذا التطور لن يقع قبل اختبار روسيا بالتجربة لمدى سياساتها الجديدة. ستبقى الحالة السورية مشتعلة بلا حسم إلى أن تكتسب العناصر المؤيدة للمرحلة الانتقالية، بين كل الفرقاء، القوة والنفوذ.
كل تدخل يدفع بفئات جديدة للاستعداد لحرب أطول. كل موت يجر إلى المزيد منه. كل محاولة للتدخل الأجنبي المباشر ستجر مقاومة، وكل سعي لإحياء نظام فقد شرعيته سيجر شرعيات أخرى مضادة لتثبيت مكانتها.
هكذا تستمر الحرب السورية. لا حل في معظم الحروب والنزاعات العربية إلا بالتسويات العادلة. إن العدالة جوهرية لأية تسوية ناجحة قابلة للحياة.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 4780 - الخميس 08 أكتوبر 2015م الموافق 24 ذي الحجة 1436هـ
احم احم
التدخل الروسي هو نعمة من السماء نزلت على سوريا ؟ لكن بعد القضاء على داعش والنصرة وابواق الثورة لازم تنحي الاسد وتشكيل حكومة توافقية لاصلاح ما افسده الدهر
زمن الربيع العربي انتهى وتغير فهم السوريين في داخل سوري للنظام وللثوار وثلثين الشعب السوري في الداخل مؤيد لبشار ؟
وكل المهجرين معارضين لبشار يعني ممكن اتقول نصف السوريين ويا بشار ونصف معارض لكن الكل متفق ضد الثوار وداعش والنصرة ومجاهديهم
يعني عاجلا ام اجلا راح يبقى الاسد هو الاسد
سوريا العقدة
الدكتور شفيق و بعض المشايخ و المحللين الخليجيين يشبهون التدخل الروسي الحالي بما حدث في افغانستان فالجيش الاحمر آنذاك دخل برياً لافغانستان اما الجيش الروسي اليوم فيقدم دعم للجيش السوري الموجود على الارض و لن يحتاج للتدخل البري. اما الحديث توجه لمقاتلين جدد فهو خيالي فمن يريد القتال من غير السوريين ذهب الى هناك منذ 5 سنوات و لن يزيد هؤلاء في الوقت الحالي فالامر لم يعد نزهه
هذا تحليل والا امنيات !؟
اذا كان تحليل فهو بعيد كل البعد عن معطيات الواقع
اما اذا كانت امنيات فلا حجة لدي عليك فلك حرية التمني والاحلام
سوريا وضع معقد
نظام الأسد طبعا يستفيد من الوجود الروسي.
لن يستطيع النظام السوري مع الروس أو الأمريكان و المجتمع الدولى من إعادة الأمور مثل ما كانت أو وقف الحرب.
ستبقى سوريا مثل ليبيا و العراق و يتبعهن اليمن في حال من التمزق و الحروب لمدة طويلة.
السبب عدم وجود قوة داخلية قوية يمكنها فرض النظام و السيطرة على البلد.
القوى الخارجية لديها مصالح استراتيجية كبيرة لن تتخلى عنها بسهولة.امريكا روسيا إيران إسرائيل تركيا الدول الأوربية. أما ا
تشرذم و تفكك المجتمع و انتشار التطرف و العنصرية بشكل مقيت.
تعليق
مقال رصين نشكر الكاتب لصراحته و لا عزاء لاذناب الشيوعية
روسيا لم تتدخل لا لأجل بشار و لا لأجل إيران ... روسيا تريد من أوباما تنازلات في الملف الأوكراني
دخول روسيا لن يقدم و لن يؤخر من سقوط بشار، الضربات الجوية هذه لإبتزاز أوباما في الملف الأوكراني. الوضع في سوريا وصل لمرحلة الإستقرار، لا المعارضة قادرة على الحسم و لا النظام قادر على الحسم.
روسيا اليوم تحت طائلة العقوبات الأمريكية الأوربية بسبب الأزمة الأوكرانية، دخولها عسكريا في سوريا هو لإجبار الغرب على الحوار معها، و إلا فإنها ستتجه لفرض واقع في سوريا يجعلهم مجبورين على الحوار مع روسيا. على الأقل في موضوع تنسيق الضربات الجوية، ليس معقول أن تكون هناك ضربات أمريكية و روسية من دون تنسيق!
التمنطق
هناك الكثير من المعلقين يبدؤون كتابتهم او قولهم بعبارة : كما هو معلوم ، و يؤسسون منطقهم علي ذلك دون إثبات ما ادعوا بمعلوميته. في المقال ارقام و نسب كنا نتمني ان يذكر الكاتب المحترم طريقة او مصدر من قام بإحصائها. المشكلة هي في العقول التي لم تدرك حتي الان خطورة وسلئل التواصل و سرعة الحصول علي المعلومات من عدة مصادر و نشرها و يتصورون عالم اليوم كعالم القرن الماضي.
لمسامح يا اخي
الحين انت ما جطيت بالك الا علي روسيا امريكا وربعه من عرب وغير عرب مسموح لهم يضربون الشعب السوري يعني
عزيزي
اي جاهديين تتحدث عنهم؟
لم ارى في سوريا لحد الآن جهادي يختلف عن داعش؟
...
روسيا تضرب داعش واخواتها وهي صناعة ايرانية كما يقول الاعلام المضلل
مادمت داعش صناعة إيرانية لماذا تقوم قائمة60عالم ليفتوا بالجهاد المقدس ضد روسيا وماذا بعد الضرب العنيف لهم فليفنوا فانهم صناعة إيرانية كما يقول الإعلام المضلل الغاسل لادمغة الطائفيين المرددين بحرمان السنة من حكم سوريا
داعش في الرقة تسرح و تمرح و روسيا قصفتها مرة واحدة فقط!
روسيا لو كانت فعلا جادة في ضرب داعش لبدأت بالرقة معقل داعش و ليس حلب حيث لا يوجد داعش!
للاسف يالغبرا
حتى انت مؤدلج كمان؟!!! تكتب بانفعال وتريد بأي طريقة اظهار الروس وكأنهم جاؤوا لإبادة الشعب السوري وليس القضاء على داعش وأخواتها اللي تسميهم المعارضة السورية
صباح الخير
الله يكون بوعنك إلى هاده الدرجه محبط وافكارك مشوشة للدرجة الهستيرية اذا كنت اعمي البصيره راجع اليوتيوب صواريخ عابرة من البحر تضرب بكل سهولة 'ودقه مواقع الكفر والإرهاب صنيعه تركيا وأمريكا' وبعض الدول العربية ابشرك في الأشهر القليلة المقبلة سترى وتسمع صيحات هائولاء الشرذمة الحثاله الدين دنسوا الأرض السورية الطاهره
وهل المطلوب من روسيا ان تقف تتفرّج وهي ترى حلفاءها يضربون الواحد تلو الآخر؟
هو صراع الكبار وروسيا وقفت تنتظر لحلف الاطلسي يضرب حلفاءها الواحد تلو الآخر وحيث ان موقع سوريا مهمّ بالنسبة للروس فلم يقبلوا ان يقفوا مكتوفي الايدي والعالم كله يضرب في سوريا حتى دمّرت بالكامل
صباح الخير
اقول صبحك الله بالخير يا الحجي اللعبه الامريكيه التركيه العربيه ولت من دون رجعي يا الحبيب سنتين ومقوله الحرب على الإرهاب كلها كذب ونفاق ولاهادا عندما تتدخل الرؤس بضرباته القويه الموجعة في أقل من أسبوع تبين زيف وخداع امريكا والفلك الدائر في مسارها ياترى لماذا اقلق المحور المتمثل في دعم الإرهاب ثمانيون دوله الداعمة للإرهاب هم من اعترض ونهش انيابه النصر القريب انشاء الله اتأ اتأ اتأ