المقصود بـ «التايلورية» هي المدرسة العلمية في الإدارة، التي طوَّرها فريدريك تايلور في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، واستمرت تسيطر على طريقة إدارة المصانع والشركات لأكثر من ثلاثين سنة حتى مطلع القرن العشرين.
تايلور كان صاحب أول نظرية حديثة في علم الإدارة، وآمنَ بتقسيم العمل إلى أجزاء، ومن ثم توجيه العمال إلى القيام بكل جزء على حدة، وبعدها يتم تجميع تلك الأجزاء، ويعتبر العامل من خلال هذا التنظيم الإداري مجرد امتداد للآلة.
وكما أشارت مجلة «إيكونوميست»، فإن من المتحمسين للمدرسة التايلورية كان هنري فورد، الذي طبق العديد من أفكاره في صناعة سيارات الفورد، كما أن القائد الشيوعي فلاديمير لينين اعتبر الإدارة العلمية واحدة من الركائز الواجب استخدامها لإقامة النظام الاشتراكي.
غير أن هذه النظرية الإدارية اتهمت بأنها تُهمل دور الإنسان المحوري، وبالتالي نشأت مدرسة السلوك الإنساني التي انتهجها المهتمون بعلم الإدارة منذ ثلاثينات القرن الماضي.
الموضوع أثير مؤخراً بعد نشر مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» أشار إلى عودة المدرسة التايلورية في شركة رقمية، وهي «أمازون» المتخصصة في تجارة التجزئة عبر الإنترنت، وأن العامل في هذه الشركة أصبح مجرد امتداد للحاسوب، تماماً كما كان في مطلع القرن الماضي مجرد امتداد للمكنة.
على أن مؤسس شركة «أمازون» جيف بيزوس رفض هذا الوصف، وقال إن شركته الرقمية العملاقة أبعد ما تكون عن المدرسة التايلورية، وإنها تهتم بالإنسان، وتعتمد على قدراته الخلاقة، وإن شركته لا تعتمد فقط على قياس الوقت الذي يصرفه العامل في تمرير إجراءات الحاسوب.
من المؤكد أن الهواتف الذكية أصبحت اليوم لها استخدامات عديدة، ومن خلالها يمكن، مثلاً، أن تعرف أين يتواجد أي شخص، وكم مدة تواجده في هذا المكان أو ذاك، وهذا يشبه أجهزة التوقيت (الساعات) التي كان يستخدمها تايلور لقياس الوقت الأنموذجي المطلوب من كل عامل أن يؤديه في جزئية العمل المخصصة له.
وعليه، فإن البشر قد يتحولون الى ما يشبه «meatware»، أي أدوات من لحم، من دون الحاجة لمواهب أو قدرات عقلية خارج إطار تلك الأجهزة الرقمية.
مؤسس «أمازون» جيف بيزوس تفاجأ من الاتهامات والأوصاف التي ألصقت بشركته التي تتصدر العالم الرقمي المتنامي، وقال - وعلى النقيض مما قيل عن شركته القائمة على منهج «التجارة الإلكترونية» منذ 20 عاماً - إن من يعمل فيها يتمتع بوقته ضمن بيئة ودّية، وفي الوقت ذاته يشارك كل عامل في صناعة التاريخ عبر الوسائل الرقمية ومنهجية الفريق الواحد. وقال لو أن شركته تتبع التايلورية لكان هو أول من يتركها.
النقاش لايزال مستمراً، وهناك من يصرُّ على أن «أمازون» التي من المفترض أنها أحد أعمدة الاقتصاد المعرفي قد حوّلت وظائفها إلى أعمال روتينية تُخضِعُ الإنسان لسلطة الحاسوب، وتحول العامل إلى امتداد «لحمي» للشرائح الإلكترونية. مؤسس «أمازون» يرفض كل ذلك ويسعى لإثبات عكس ذلك.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4780 - الخميس 08 أكتوبر 2015م الموافق 24 ذي الحجة 1436هـ