«ربما» كانت ماري كوري (1867م - 1934م) مُخطِئة عندما قالت: «في العلم يجب أن نكون مهتمين بالأشياء وليس بالأشخاص». و «ربما» أصابت عندما قَصَدَت من ذلك تحرُّر التلميذ كي لا يكون نسخة كربونية من أستاذه فلا يُبدِع، لكنها وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تُنكِر أنها تأثرت بأستاذها هنري بيكريل (1852م - 1908م) الذي كان عالِماً فرنسياً مرموقاً في الفيزياء، وإليه يُنسب اكتشاف النشاط الإشعاعي، والتي تخصصت فيه كوري لاحقاً ونالت بسببه جائزة نوبل.
ومن إعادة تقييم قَوْلِ ماري كوري أبدأ. فاليوم، هو الخامس من شهر اكتوبر/ تشرين الأول. وهو التاريخ الذي ضَرَبتهُ «اليونسكو» كـ يوم عالمي للمعلِّمين منذ العام 1994م (رغم أن أساسها يرجع إلى 5 أكتوبر من العام 1966م) متشاركة في ذلك مع منظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) والدولية للتعليم.
والحقيقة، أن المعلِّم لا يوفِّيه يوم من أيام العام؛ لأنه وجهده وتأثيره أكبر من ذلك بكثير. فهو أحد الأركان الثلاثة: المكان والمنهج والمعلِّم. وربما تعذَّر على عديدٍ من الدول أن تُشيِّد الأبنية والمدارس فتلجأ إلى الباحات المفتوحة والطرقات حيث يتعلَّم التلاميذ، لكنها لا تستطيع أن تقيم ذلك من غير مُعلِّم. وقد يتعذَّر على بعض الدول الفقيرة أن تُوجِد الكتاب المطبوع، لكنها قد تُعوِّض ذلك بمعلِّم لديه في صدره وعقله أزيد من علوم ذلك الكتاب، فيسقي بها عقول ووجدان تلاميذه.
إذاً، المعلِّم هو الركيزة الأقوى في هذه المنظومة، وهو الذي يتمّ الاعتماد عليه بشكل أكبر من أي شيء آخر. ولو تخيَّل أحدٌ منا مشواره التعليمي، منذ الابتدائية وحتى انتهائه من الجامعة فسيكتشف أنه وفي أضعف الأحوال قد تعلَّم على يد 100 معلِّم تعاقبوا عليه، يغذونه بأصول المعرفة وقبل ذلك، تأثيرهم فيه، والذي عادة ما يكون تأثيراً على مستقبلهم وتوجهاتهم.
قبل عامين تحدثت اليونسكو عن أن 58 بالمئة من البلدان في العالم تفتقر «إلى ما يكفي من المعلّمين لتحقيق تعميم التعليم الابتدائي» وأنه «من الضروري توفير 1.6 مليون معلِّم إضافي لتحقيق تعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2015م و3.3 ملايين بحلول عام 2030م». هي لم تتحدث عن مدارس ولا عن كتب مطبوعة ومصقولة، بل تحدثت عن مُعلِّمين؛ لأنها تُدرك بأن المعلِّم ليست وظيفته التلقين فقط، بل التأثير على التلميذ، كي يُحدِّد مسار مستقبله.
ونحن اليوم كأفراد، كل واحد منا يتذكر معلماً أو مُعلِّمَيْن أو حتى مُعلِّمِيْن تأثر بهم، وكانوا سبباً في أن يُحبّوا هذه المادة العلمية دون سواها، وبالتالي اختاروا وحدّدوا مستقبلهم الأكاديمي. وقد استمعتُ لحديث الكاتبة والروائية الإماراتية المُبدِعة ريم الكمالي وهي تتحدث كيف أن مُعلِّمتها في الثانوية لمادة التاريخ عائشة سلطان كانت سبباً في أن تختار التاريخ تخصصاً أكاديمياً لها.
تاريخياً كانت الأسر النبيلة والحاكمة تستعين بمن يُعلِّم ويُربِّي أبناءها. فعند قراءة تاريخ أوروبا وروسيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر يظهر لنا كيف أن تلك العائلات تجلب لأبنائهم المعلِّمين من كلّ مكان. فكان المعلِّمون الفرنسيون يُطلَبون إلى روسيا، والعكس. وكانت تلك العائلات، لا تهدف من ذلك التعليم فقط، بل التربية والأخلاق والذوق الرفيع، واكتشاف المهارات وتنمية القابليات لدى أبنائها.
وما قبل ذلك، وإبَّان الدولتين الأموية والعباسية وما تلاهما كانت ذات الأسر تفعل نفس الشيء. وكان جهابذة العلم والمعرفة يُطلبون لذلك الأمر. فكان أبو الأسود معلِّماً لآل زياد عندما كان الأخير والياً على العراقَيْن. وكان أحمد بن محمد الاصبهاني معلِّماً لأولاد بني بويه. وكان عمرو بن الحارث معلِّماً لولد صالح بن علي الهاشمي. وكان أبو محمد اليَزيدِي معلِّماً لولد يزيد بن منصور الحمْيَرِيِّ. وكان أبو بكر المحيرفي معلِّماً لأولاد أمير مكة. وهكذا دواليك.
لقد أثّر المعلِّمون على مر التاريخ في تلاميذ كان لهم شأن كبير في العلم والسياسة. بل غيَّر المعلِّمون حتى مسارات دول وأمم كاملة بتغيّر حكامها. أسرد هنا نموذجاً من التاريخ حصل في الدولة الأموية وذكره ابن الأثير (وذكره أيضاً السيوطي والخفاجي في الحاشية وابن خلدون) ما يشير إلى ذلك، وهو ما كان يقوم به بعض بني أمية من سبّ للإمام علي بن أبي طالب قبل مجيء عمر بن العزيز إلى الخلافة فيمنعه، وكيف أن ذلك كان بسبب معلِّمه، الذي أصبح له دورٌ في تغيير سلوك دولة مترامية الأطراف.
فقد ذكر ابن الأثير نقلاً عن الخليفة عمر بن العزيز أنه قال: كُنتُ بِالمَدينَةِ أتَعَلَّمُ العِلمَ، وكُنتُ ألزَمُ عُبَيدَ اللّه ِ بنَ عَبدِاللّه ِ بنِ عُتبَةَ بنِ مَسعودٍ، فَبَلَغَهُ عَنّي شَيءٌ مِن ذلِكَ (أي سبّ عليّ)، فَأَتَيتُهُ يَوماً وهُوَ يُصَلّي، فَأَطالَ الصَّلاةَ، فَقَعَدتُ أنتَظِرُ فَراغَهُ، فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ التَفَتَ إلَيَّ فَقالَ لي: مَتى عَلِمتَ أنَّ اللّه َ غَضِبَ عَلى أهلِ بَدرٍ وبَيعَةِ الرِّضوانِ بَعدَ أن رَضِيَ عَنهُم؟ قُلتُ: لَم أسمَع ذلِكَ. قالَ: فَمَا الَّذي بَلَغَني عَنكَ في عَلِيٍّ؟ فَقُلتُ: مَعذِرَةً إلَى اللّه ِ وإلَيكَ!» إلى أن يقول: «فلما وُلِّي الخلافةَ لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا ما يرتكب هذا الأمر العظيم لأجله فترك ذلك وكتب بتركه إلى الأمصار.
في خاتمة القول نهنئ المعلِّمين الذين أثروا تلاميذهم بالعلم والأخلاق ونقبّل رؤوسهم، فهم أهل فضل على الجميع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4776 - الأحد 04 أكتوبر 2015م الموافق 20 ذي الحجة 1436هـ
الى زائر 8
قصد الزائر 3 كان أن قوة التعليم لا علاقة له بحسن النظام السياسي ، اسرائيل تعليمها قوي لكن نظامها عنصري ، بشار لو افترضنا أن تعليمه قوي فنظامه ديكتاتوري ، فيبقى فاسدا ، هذا هو القصد .
قم للمعلم و وفّـه التبجـيلا.........كاد المعلم أن يكـون رسـولا
هناك أسباب كثيرة أدت إلى فقد هيبة المعـلم اليوم منها أسباب تعود إلى المعلم شخصياً :-
ضعف شخصية بعض المعلمين
عدم أخلاص واستهتار بعضهم في التدريس . فتح التدريس لكل من هبَّ ودبَّ حتى أصبح وظيفةً من لا وظيفة له فدخلته عناصر غير جديرة بالمسئولية
مخالفة البعض لشرف المهنة وآدابها مثل : إعطاء الدروس الخصوصية ، وقبول الهدايا والنقود مقابل التنجيح وغيرها
عدم احترام بعض المعلمين للطلاب
عدم تعاون بعض المعلمين مع أولياء الأمور
عدم تعاون أو عدم احترام المعلم لزملائه المعلمين أمام الطلاب
الى زائر 3
شفايدة التعليم اذا النظام و الشعب عنصري
شكرا للكاتب المميز
وتحية لكل معلم جمع بين العلم والأخلاق
مرحى
ما أَشْرَقَتْ فِيْ الكَوْنْ شَمْسُ حَضَارَةٍ، ) إِلَا وَكَانَتْ مِْ ضِيَاءِ مُعَلِّمِ.
هنيئا للمعلم مؤسس الحضارات وضيائها لك كل الإجلال والتوقير
رد على زائر 1
التعليم في اسرائيل أحسن من تعليم حبيبك بشار :-
تمتلك إسرائيل رابع أكبر نسبة في العالم لحملة الشهادات بين المواطنين بعد كندا وروسيا، والولايات المتحدة، نسبة الأمية في إسرائيل اقل من 2.9% وذلك نتيجة التشجيع المجتمعي والدعم الحكومي فقد بلغت ميزانية التعليم في إسرائيل للعام 2008 م حوالي 27.5 مليار دولار .
ووفقا لتصنيف شنغهاي العالمي وصلت أربع جامعات إسرائيلية منها إلى لائحة أفضل 150 جامعة في العالم .
شرايك يا ستراوي تبي نصفق حق اسرائيل بعد ؟! شفايدة التعليم اذا النظام ديكتاتوري يا أفندي ؟!!
شكراااا
مقال رائع بمعنى الكلمة وأدعو جميع المعلمين والمعلمات لقراءته احسنت يا كاتب يا قدير
سترواي
كنت اتمناء بيما انك متخصص ضد الرئيس باشار الاسد كتابه مقال عن الدراسه في ظل حكمه السيد الرئيس كيف كان النظام السوي يهتم بي العلم والان وبعد خراب سوريا مازل النظام مهتم بي العلم في سوريا تحية الى الشعب السوري والسيد بشار الاسد
..
التعصب للرأي ليس عين الصواب