أدى القصف الذي استهدف مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة قندوز الأفغانية والذي قد يكون ناجما عن غارة أميركية، إلى مقتل 19 شخصا فيما اعتبرته الأمم المتحدة "غير مبرر" وقد يكون "إجراميا".
وأعلن المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين إن الغارة الجوية "غير مبررة" و"قد تكون إجرامية".
ودعا زيد إلى تحقيق معمق وشفاف معتبرا انه "إذا اعتبر القضاء إن (الغارة) متعمدة فان ضربة جوية على مستشفى قد تشكل جريمة حرب". وأضاف إن "هذا الحدث مأسوي جدا وغير مبرر وقد يكون إجراميا".
وقدم الرئيس الأميركي باراك اوباما يوم أمس السبت (3 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) التعازي وقال انه ينتظر نتائج التحقيق.
وقال في بيان نشره البيت الأبيض "أوجه باسم الشعب الأميركي أعمق التعازي للعاملين الطبيين وباقي المدنيين الآخرين الذين قتلوا أو جرحوا في الحادث المأساوي في مستشفى أطباء بلا حدود في قندوز".
وأضاف "ان وزارة الدفاع بدأت تحقيقا كاملا وننتظر النتائج قبل الحكم النهائي على ملابسات هذه المأساة".
وتابع "وسنستمر في العمل بتعاون وثيق مع الرئيس (الافغاني اشرف) غني والحكومة الأفغانية وشركائنا الدوليين لدعم قوات الأمن والدفاع الأفغانية في عملها من اجل تامين البلاد".
وكان وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر أعلن يوم أمس السبت أن "تحقيقا كاملا" يجري لكشف ملابسات القصف الذي استهدف مستشفى أطباء بلا حدود لكن من دون تأكيد ما إذا كان الأميركيون شنوا الغارة.
وأكد كارتر أن "القوات الأميركية المساندة للقوات الأمنية الأفغانية كانت تنشط بالقرب من المنطقة، مثلها مثل حركة طالبان".
وأعلن الوزير الأميركي ان التحقيق يتم "بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية" وان الولايات المتحدة "ستواصل العمل مع شركائها الأفغان سعيا لإنهاء العنف في قندوز ومنطقتها".
وفي كابول أكد القصر الرئاسي ان الجنرال الأميركي جون كامبل قائد مهمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان "قدم اعتذاراته" للرئيس اشرف غني خلال مكالمة هاتفية.
لكن الحلف الأطلسي الذي لا يزال ينشر 13 ألف عنصر في أفغانستان بينهم عشرة ألاف أميركي، لم يقر رسميا بان قصف مستشفى أطباء بلا حدود مرتبط فعليا بغارة أميركية واكتفى بالحديث عن "أضرار جانبية" لعملية جوية.
وبحسب حصيلة جديدة أوردتها منظمة أطباء بلا حدود فان الضربة أدت إلى مقتل 19 شخصا بينهم 12 موظفا وسبعة مرضى بينهم ثلاثة أطفال، وأصيب 37 شخصا على الأقل.
وما اثار رد الفعل الشديد اللهجة من الأمم المتحدة هو ما أعلنته المنظمة الليلة الماضية.
فقد أكدت المنظمة ان عمليات القصف "استمرت اكثر من نصف ساعة" بعدما ابلغت القوات الأفغانية والأميركية بإصابة مركزها بضربة اولى.
وشددت المنظمة على إنها أبلغت على سبيل الاحتراز الإحداثيات الجغرافية للمستشفى إلى "جميع أطراف (النزاع)... ولا سيما كابول وواشنطن" فيما تحدث الحلف الأطلسي عن "ضربة جوية" أميركية بدون ان يحدد عدد القنابل التي ألقيت.
وشهدت هذه المدينة الكبيرة في شمال أفغانستان معارك طاحنة بين مقاتلي طالبان وقوات الأمن الأفغانية خلال الأسبوع الجاري.
وأوضحت وزارة الدفاع الأفغانية ان العملية استهدفت على الأرجح "إرهابيين مسلحين هاجموا مستشفى أطباء بلا حدود ثم استخدموه قاعدة لمهاجمة القوات الأفغانية والمدنيين".
وعند وقوع القصف كان هناك 105 مرضى و80 موظفا أفغان وأجانب في المستشفى.
وروى قيام الدين وهو تاجر من قندوز لوكالة فرانس برس كيف ملأت رائحة الأجساد المحترقة المستشفى وقد حضر إلى الموقع للاستعلام عن جاره الذي كان يعمل فيه.
وأوضح "أصبت بصدمة وكانت عيناي دامعتين حين وصلت" مضيفا "اضطررت إلى توسل عناصر طالبان المتحصنين في بعض الأحياء حتى يسمحوا لي بالمرور" من اجل الوصول إلى المستشفى حيث علم ان جاره قتل.
وقدم المركز الطبي لأطباء بلا حدود مساعدة أساسية للسكان في قندوز منذ الاثنين عند استيلاء حركة طالبان على المدينة والهجوم المضاد الذي شنته القوات الأفغانية لاستردادها. وقد قتل ستون شخصا وجرح أكثر من 400 آخرين في هذه المعارك.
وهو المستشفى الوحيد في المنطقة الواقعة شمال أفغانستان القادر على معالجة المصابين بجروح خطيرة. وقال مدير العمليات في هذه المنظمة غير الحكومية الطبيب بارت بانسنز ان "أطباء بلا حدود عالجت 394 جريحا منذ الاثنين" مضيفا ان "هذا الهجوم شكل لنا صدمة هائلة".
وندد الصليب الأحمر ب"ماساة مروعة" فيما دانت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان "باشد العبارات" الغارة ودعت فرنسا إلى "اجراء تحقيق". كما أعرب المفوض الأوروبي للشؤون الإنسانية كريستوس ستيليانيدس عن "صدمته الكبيرة".
وتثير الضربات الجوية لقوات حلف شمال الأطلسي جدلا حادا في أفغانستان وخصوصا بشأن جدوى هذه الغارات و"الأضرار الجانبية" التي تسببها. وفي تموز/يوليو الماضي قتل عشرة جنود أفغان خطأ في غارة أصابت حاجزا كانوا يتمركزون عليه في ولاية لوغار شرق البلاد.
لكن هذه الضربات كانت حاسمة في الدعم الذي قدمه الحلف إلى الجيش الأفغاني في هجومه المضاد لاستعادة قندوز من طالبان.
وتمكن المتمردون الاثنين من السيطرة على المدينة خلال ساعات قليلة، في أول انتصار لهم منذ سقوط حكمهم في 2001، ملحقين بذلك هزيمة كبيرة بالرئيس اشرف غني.
ولم تتمكن قوات الأمن الأفغانية من مقاومتهم طويلا في ما يدل على الصعوبات الهائلة التي تواجهها لاحتواء المقاتلين الإسلاميين الناشطين في معاقلهم في الجنوب والشرق والآن في الشمال.
والى جانب قندوز، تشهد ولايات بدخشان وبغلان وتخار هجوما يزداد شراسة لطالبان التي تريد الاستيلاء على مدن. وفي بدخشان، سيطر مقاتلو الحركة لفترة وجيزة الجمعة على اقليم بهاراك القريب من العاصمة فيض اباد، قبل ان يتم طردهم.
ولم يعد الجيش الأفغاني يحظى بدعم على الأرض من الحلف الأطلسي الذي انهى مهمته القتالية في هذا البلد ولم يعد ينشر فيه سوى 13 ألف جندي تقتصر مهمتهم على تقديم المشورة والتدريب.