من المُسلم به بأن المهن المختلفة متباينة في طبيعتها وذلك مرده إلى عدة أمور من أهمها اختلاف بيئتها، ونوعية المستفيدين منها. ولذلك تختلف مهنة التعليم بصورة كبيرة عن بقية المهن، وخاصة تلك المهن التي يتعامل فيها الانسان مع أجهزة وآلات. وهذا الاختلاف مرده إلى أن المعلم يتعامل مع بني البشر، ذوي أعمار وسمات وخصائص نفسية وجسمية مختلفة، قادمين من بيئات متعددة ولديهم مشاعر وأحاسيس متباينة، وعليه فإن التعامل معهم يتطلب مَلكات وطاقات واستعدادات خاصة، فليس كل فرد ممكن أن يصبح معلما ناجحاً، حتى ولو تمكن من المادة العلمية لمادة تخصصه، حيث إن هناك استعدادات وقابليات خاصة يجب أن يمتلكها المُعلم لكي يصبح معلما ناجحاً ويستحق أن يقال له معُلم!
هناك سمات وخصائص كثيرة ومتشعبة، تشكل في مجملها أبجديات المعلم الحقيقي، فعلى سبيل المثال لا الحصر المعلم الحقيقي هو ذلك الانسان الذي لا يفرق بين طلبته على أي أساس أو أي اعتبار، مثل لون البشرة أو الطائفة أو الحسب...الخ. فالمعيار الاساسي الذي على أساسه يحصل الطلبة على درجات عالية وآخرون أقل منهم، يجب أن يكون وفق معايير مقننه وواضحة للجميع من طلبة وأولياء أمور ومجتمع، بكل شفافية ووضوح ولا لبس فيه، وأن يكون معيار ما يبذله الطلبة من جهد وما يتميزون به صفات وامكانيات هو المعيار في تحديد مستوياتهم.
كذلك من ضمن سمات المعلم الحقيقي هو ذلك الشخص المتخصص في مادة علمية ومؤهل أكاديميا وتربوياً، ومن يبذل قصارى جهده، بشكل فردي وجماعي مع زملائه في تذليل الصعاب المختلفة التي تواجه طلبته وتعيق تقدمهم في الدراسة، ويفسح المجال للطلبة المتفوقين في تحقيق المزيد من التفوق والتميز، واستكشاف ذواتهم واستغلال قدراتهم المختلفة بأقصى طاقاتهم، حتى يشعروا بقيمة أنفسهم وبلذة الحصول على المعرفة وبإمكانياتهم الكبيرة، التي لا تحدها أية حدود.
فالمعلم القدير هو من يستطيع الأخذ بيد طلبته المتعثرين دراسياً ويساعدهم على اكتشاف قدراتهم وذاوتهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم، وأنهم باستطاعتهم استيعاب ما يدرسونه، وان لديهم امكانيات عقلية وقابليات مختلفة كبقية أقرانهم. وهذا يتطلب من المعلم مهارات عالية، حيث يضع هذه الفئة من الطلبة في مواقف تعليمية تمكنهم من اكتشاف ذواتهم، وأن باستطاعتهم استيعاب المادة العلمية كبقية الطلبة. وهذا لا يتأتى بصورة تلقائية، بل هو نتاج جهد كبير ومعمق يبذله المعلم حيث يستخدم فيه مختلف الوسائل التعليمية وطرائق التدريس، والتوظيف الأمثل لخبراته المختلفة. كما تحتاج العملية إلى صبر وعزيمة وإصرار حتى يوصل طلبته المتعثرين إلى هذه المرحلة المتقدمة. فهذا يعني وضع الطلبة في مواقف تمكنهم من ربط أفكارهم (حيث يعمل لهم عملية ربط «تشبيك»... تماماً كما الاسلاك الكهربائية المنفصلة عن بعضها البعض، فمتى ما توصلت بعضها ببعض بطريقة صحيحة فسوف يضيء المصباح، أي تحدث لحظة الإدراك وهذه هي اللحظة المفصلية التي يتعرف المتعلم فيها على قدراته، وقد يستغرب المتعلم المتعثر من نفسه، كيف أنه أدرك ما كان يعتقده أنه مستحيل عليه!).
كذلك من سمات المعلم الناجح هو المقدرة على تطوير الذات بصورة مستمرة. فيجب أن يكون قدوة لطلبته في تطوير الذات من خلال شغفه الدائم لطلب العلم والمعرفة والارتقاء علمياً وتربوياً، وهذا يعني أن يعمل وبشكل دائم على تحسين مستواه فيما يخص المادة العلمية التي يدرسها، وفي طرائق التدريس، وأساليب التربية الصحيحة.
من الوسائل الناجعة والمجربة للتطور والنمو في مهنة التعليم هو التعود على تخصيص وقت وبشكل يومي للتفكير والتمعن في كل مجريات العملية التعليمية من نجاحات وإخفاقات Reflection وذلك من خلال كتابة الملاحظات الخاصة بالأمور التي حدثت في اليوم الدراسي وهي بالتحديد فيما يتعلق بالأساليب وطرق التدريس الناجحة وأسبابها. كذلك بالنسبة لطرق التدريس أو المواد التعليمية التي لم تنجح كما هو مؤمل منها، وأسباب ذلك، ودراسة الظروف التي قدمت بها.
لاشك أن للحالة النفسية وللرضا الوظيفي تأثير بالغ الأهمية في تحفيز المعلم على المزيد من العطاء والتفاني بعمله ولكن بصورة عامة الواقع العملي يدلل على أن هناك العديد من الأفراد في الوسط التعليمي (كما هو في بقية الأوساط الأخرى) ممن دخلوا هذه المهنة العظيمة وهم غير راغبين فيها، أو ممن أصابتهم احباطات معينة، وقد يؤثروا سلباً على بعض المعلمين المؤمنين بمهنتهم وبأدوارهم العظيمة التي يقومون فيها خدمة للطلبة ووفاءً لوطنهم الغالي. وعليه وجب التنبية بالابتعاد عن المتشائمين من الزملاء، الذين لا يرون إلا الجزء الفارغ من الكأس؛ لأن التشاؤم يمكن أن يكون معدياً، والاستسلام له قد يحيل حياة الفرد إلى جحيم لا يطاق، ويثبط من عزائمه، وفي هذا خسارة كبيرة، على المستوى الفردي للمعلم وعلى المستوى العام فيما يخص بمستوى ما يقوم به متطلبات هذه المهنة العظيمة التي يكون ضحيتها الطلبة، الذين لا ذنب لهم، والذين هم الاستثمار الحقيقي لأي وطن. وعليه فالنظرة الى غد أكثر اشراقاً حيث ان هناك نورا قادما من فوهة النفق المظلم الذي من طوله يبدو بأنه ليس له نهاية. بلا شك سوف يسهم في تحسين الحالة النفسية للمعلمين.
هناك الكثير من الأمور الاساسية التي يجب ان تقدمها الجهات الرسمية المعنية، حتى يتمكن المعلمون من القيام بأدوارهم على احسن وجه. وهي كثيرة ومتشعبة. فكما أن للمعلم مهاما وأدوارا عليه القيام بها على مستوى عال من الاتقان والحرفية، كذلك فإن له حقوقا من حقه الحصول عليها وبشكل تلقائي. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أهمية إعطاء المعلم المكانة التي يستحقها وذلك من خلال انصافهم وتحقيق مبدأ العدالة الحقيقية في جميع خطوات سيرورة العملية التعليمية وما يرافقها من عمليات الترقي إلى مناصب مختلفة، وفق مبادئ ومعايير وطنية وعلمية شفافة. كما وجب إثابة المجدين والذين أثبتوا جدارتهم من خلال اتاحة فرص التعلم والدراسة لهم لنيل المؤهلات العليا. كما أن هناك حاجة ماسة للنظر إلى بحرنة القطاع التربوي بالكوادر الوطنية التي أسهمت في حقب مختلفة ومنذ عقود، وستسهم ان شاء الله، في رفعة المستوى التعليمي لهذا الوطن الحبيب، متى ما أعطيت الفرصة لها للعمل، على ان تكون على أسس بعيدة عن الطائفية العمياء، بل على مبادئ إنسانية وتربوية لايشوبها عوار.
نعم، ان أقصى غاية المعلم الحقيقي هو ان يرى بلده تتقدم في ركب الحضارة من خلال نجاح العملية التعليمية. وهذا بلا شك شعور راقٍ، نابع من حسه الانساني المرهف، المحب لطلبته ولبلده على أسس سليمة، يرتضيها كل إنسان سوي، حيث يرى ويشعر في تقدم طلبته (الذي يعني فيما يعني تقدم وطنه) نشوة وإحساسا بالفخر الذي لايضاهيه أي شعور آخر... فهنيئا لك يا صانع الاجيال في يوم عيدك، وجعل جميع ايامك نجاحات وأعيادا.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 4775 - السبت 03 أكتوبر 2015م الموافق 19 ذي الحجة 1436هـ
اين تكمن بعد؟
في التقاعد المبكر و الفكه من هالوزاره
الوزاره تخصصها تطفيش المعلمين
عجل مدرسه ابتدائيه مخلين فيها مدير ما يعرف كوعه من بوعه
يوميا متأخر
اسبوعيا يشرد ليه يوم واحد على الاقل
و ما يشوفونه اولياء الامور
و لا يشوفونه الطلبه في الطابور
همه بس قعدته في المكتب و شرب القهوه و اكل التمر
لا و يتحلطم على تأخير الموظفين دقيقه
و هو تم ليه سنه كامله ما يعرف يداوم يومين متواصلين بدون تأخير
مسخرة بصراحة
لا و طاردينه من التعليم الاعدادي
اذا سافر
سبب سعادة المعلم ادا استلم معاش مال العطلة الصيفية وسافر
اشذذ على ماقلت وخاصة العبارة ادناه، فهو مربط الفرس
"..هناك حاجة ماسة للنظر إلى بحرنة القطاع التربوي بالكوادر الوطنية التي أسهمت في حقب مختلفة ومنذ عقود، وستسهم ان شاء الله، في رفعة المستوى التعليمي لهذا الوطن الحبيب، متى ما أعطيت الفرصة لها للعمل، على ان تكون على أسس بعيدة عن الطائفية العمياء، بل على مبادئ إنسانية وتربوية لايشوبها عوار."
معكم في ما ذهبتم اليه
معكم د. في كل المفردات التي القيت الضوء عليها في مقالك. وتسلم
شرا على هذا المقال
في سبعينات القرن الماضي أبتعثت حكومة البحرين مدرسين لدل شقيقة لسد عجز هناك. اليوم عدد المؤهلين للتعليم فاق عدد السبعينيات بعشرات المرات وحكومتنا تستورد معلمين من الخارج والمؤهلين من أبناء البلد قابعون في منازلهم. يا للأسف.
تمنيت لو سلط اكثر على هذه النقطة في مقالك يتوسع اكثر. وشكرا
الشكر والتقدير على طرح هذا الموضوع الحيوي
دكتور محمد عباس شكرا لك على كتابة هذا المقال الحيوي، حيث اشتمل على نقاط هي في غاية الأهمية كضرورة تميز المعلم بصفات تتفق ومهنته التعليمية. كما أن ربط التعليم بخدمة الوطن هي الآخرى نقطة رائعة.
من واقع خبرتي فإن المدرسون البرحينيون يمتازون بالصفات الي تفضلت بذكرها باستثناء شواذ القاعدة على عكس المدرسين المستوردين الذين لم يهجروا بلدانهم إلا لطلب الرزق وباستثناء شواذ ......
صدقت
لقد صدقت فيما فصلت... و
صدقت الله يعطيك العافية
غاية المعلم الحقيقي هو ان يرى بلده تتقدم في ركب الحضارات
ويلاه
سعادته لين شاف حل المشكلة البطاله في مصر والاردن وهو قاعد على بساط الفقر
اظن
تكمن سعادته في تقاعده قبل ان يموت :)
ردا علي السؤال
اين تكمن سعادة المعلم؟ عند استلام المعاش و الاستغناء. اي طرح اخر في زماننا هذا تظاهر و بعيد عن الواقع.
الفرق بين المدرس والمعلم
فإن سياسة وزارة التربية والتعليم لاتنتج معلما ناجحا وإنما تنتج مدرسا ينتظر نهاية الشهر بفارغ الصبر ، فهناك فروق معنوية ونفسية وثقافية ومعرفية وتطويرية كبيرة بين المعلم والمدرس ، فالمعلم هو الذي يقوم بدور المربي والمعدل لسلوكيات طلابه وأما المدرس هو الذي يجعل همه الأكبر الإنتهاء من منهجه الدراسي ،ولا يهمه سلوك طلابه