دعا إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، الذين وفقوا لأداء مناسك الحج هذا العام، إلى مواصلة البعد عن المعاصي والمحرمات، وأن يقتربوا إلى الله سبحانه وتعالى وألا يعبدوا سواه، مشدداً في خطبته يوم أمس الجمعة (2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، على ضرورة أن يعود الحاج من الحج إلى أهله ووطنه بالخُلُق الأكمَل، والعقلِ الأرزَن، والوَقار الأرصَن، والعِرض الأصوَن، والشيَم المرضيّة، والسجايا الكريمة.
وقال: «ما أجملَ أن يعودَ الحاجّ بعد حجّه حَسنَ المعاملةِ للناس، كريمَ المعاشرة لأهله وأولادِه ورحمه وأبناء وطنه، طاهرَ الفؤاد، ناهجاً منهجَ الحقّ والعدل والسّداد، المضمَر منه خيرٌ من المُظهَر، والخافي أجملُ من البادي. وإنّ من يعود بعد الحجّ بتلك الصفاتِ الجميلة هو حقًّاً من استفاد من الحجّ وأسراره ودروسِه وآثاره».
وتساءل «أيُّ حجٍّ لمن عاد بعد حجِّه مضيِّعاً للصّلاة، مانعًاً للزّكاة، آكلاً للرِّبا والرّشا، متعاطياً للمخدِّرات والمسكرات،عاقاً لوالديه، قاطعاً للأرحام، سارقاً أو مختلساً من الأموال العامة والخاصة، شريراً مؤذياً لعباد الله، والغًاً في الموبقات والآثام؟!».
وأضاف «يا من وفقكم الله إلى حج بيت الله الحرام، يا من امتنَعتم عن محظوراتِ الإحرام أثناءَ حج بيت الله الحرام، إنّ هناك محظوراتٍ على الدوام وطولَ الدّهر والأعوام، فاحذَروا إتيانها وقربانها».
وأشار إلى أن «في الأيّام القليلة الماضية، قضى الحجّاج عبادةً من أعظم العبادات، وقربةً من أعظم القربات، تجرَّدوا لله من المخيط عند الميقات، وهلَّت دموعُ التّوبة في صعيدِ عرفات على الوجَنات، خجلاً من الهفَوات والعثَرات، وضجَّت بالافتِقار إلى الله كلّ الأصوات بجميع اللُّغات، وازدلفت الأرواح إلى مزدلفةَ للبيات، وزحفت الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطواف بالكعبة المشرَّفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلةٍ من أروع الرحلات، وسياحةٍ من أجمل السياحات، عادوا بعدَ ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضلِه».
وخاطب القطان من وفقوا لأداء مناسك الحج، قائلاً: «اشكُروا الله على ما أولاكم، واحمَدوه على ما حبَاكم وأعطاكم، تتابَع عليكم بِرّه، واتَّصل خيره، وعمَّ عطاؤه، وكمُلت فواضله، وتمّت نوافله، ظُنّوا بربِّكم كلَّ جميل، وأمِّلوا كلَّ خيرٍ جزيل، وقوّوا رجاءكم بالله في قبولِ حجِّكم ومحوِ ما سلف من ذنوبكم».
وحذّر الحجاج من «العودة إلى التلوُّث بالمحرّمات، والتلفُّع بالمعرّات، وارتكاب المعاصي والمحظورات، فإيّاكم أن تهدِموا ما بنَيتم، وتبدِّدوا ما جمَعتم، وتنقُضوا ما أحكمتم، لقد فتَحتم في حياتِكم صفحةً بيضاء نقيّة، ولبستم بعد حجّكم ثياباً طاهرة نظيفة، فحذارِ حذار من العودة إلى الأفعال المخزِية، والمسالك المردِية، والأعمال الشائنة، فما أحسنَ الحسنة تتبعُها الحسنة، وما أقبحَ السيئة بعدَ الحسنة».
وأوضح أن «للحجِّ المبرور أمارة، ولقبوله منارة، فليكن حجُّكم حاجزاً لكم عن مواقع الهلَكَة، ومانعاً لكم من المزالِق المتلِفة، وباعثًاً لكم إلى المزيد من الخيرات وفِعل الصالحات. واعلموا أنّ المؤمن ليس له منتَهى من صالح العمَل إلاّ حلول الأجل».
وأفاد بأن «الحاجَّ منذ أن يُلبِّي وحتى يقضي حجَّه وينتهي، فإنّ كلَّ أعمال حجِّه ومناسكه تعرِّفه بالله، تذكّره بحقوقِه وخصائص ألوهيَّته جلّ في علاه، وأنّه لا يستحقّ العبادةَ سواه، تعرِّفه وتذكِّره بأنّ الله هو الأحَد الذي تُسلَم النفس إليه، ويوجَّه الوجهُ إليه، وأنّه الصمَد الذي له وحدَه تصمد الخلائقُ في طلب الحاجات، والعِياذ من المكروهات، والاستغاثة عند الكربات، فكيف يهون على الحاجّ بعد ذلك أن يصرفَ حقًّاً من حقوق الله إلى غيره؟!».
وتساءل أيضاً: «من لبَّى لله في الحجّ مستجيباً لندائه، كيفَ يلبِّي بعدَ ذلك لدعوةٍ أو مبدأ أو مذهَب أو نداءٍ يناهض دينَ الله عز وجل الذي لا يُقبَل من أحد دين سواه؟! من لبِّى لله في الحجّ كيف يتحاكم بعد ذلك إلى غير شريعتِه، أو ينقاد لغير حكمِه، أو يرضى بغير رسالته؟! من لبَّى لله في الحجّ، فليلبِّ له في كلّ مكان وزمان بالاستجابة لأمره أنَّى توجَّهت ركائبه، وحيث استقلَّت مضاربُه، لا يتردَّد في ذلك ولا يتخيَّر، ولا يتمنّع ولا يضجَر، وإنما يذِلّ ويخضع ويطيع ويسمَع».
هذا، وشكر القطان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وحكومته، على ما قدموه ويقدمونه لأمتهم الإسلامية من رعاية واهتمام بالحرمين الشريفين، مؤكداً أن «المملكة العربية السعودية لم تدخر جهداً إلا بذلته في سبيل تذليل الصعاب أمام حجاج بيت الله الحرام. ولم تتوان المملكة يوماً من الأيام، في تسخير كل إمكاناتها وطاقاتها البشرية والمادية، من أجل تسيير أعمال الحج، وخدمة ضيوف الرحمن، الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب».
ورأى أن «مشاريع التطوير والتوسعات في الحرمين الشريفين، والخدمات والتنظيمات، والتي لم تتوقف طيلة العقود الماضية، رغبة في تيسير أعمال الحج، وسلاسة أداء المناسك، وحماية للحجاج وسلامتهم، لخير شاهد ودليل، ولا ينكر ذلك إلا من أعمى الله بصره وبصيرته، وأراد الشر والسوء والفتنة بالمملكة، فمن يقصد المملكة العربية السعودية حرسها الله، يلحظ كل عام تجديداً وتميزاً في الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين والزوار، لمكة المكرمة وللمدينة المنورة، فالجهود الكبيرة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لراحة وخدمة ضيوف الرحمن، تشهد تطوراً كبيراً عاماً بعد عام، مما سهل على الحجاج أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وفي جوّ إيماني وروحاني مبهر».
وفي سياق خطبته، شدد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، على إنقاذ المسجد الأقصى من الاعتداءات المتكررة، معتبراً أنها «إعلان حرب على هوية المسجد الإسلامي».
وقال إن هذه الاعتداءات «امتِدادٌ لهذا الاغتِصاب الظالم الآثِم الجائِر، لفلسطين المُحتلَّة كلِّها، أمام صمت العالَم وضعفه وخنوعه وعجزه، اعتِداءاتٌ على المسجد الأقصى وعلى إخواننا الفلسطينيين عامَّة، وعلى المقدسيين المرابطين خاصة، اعتِداءاتٌ تُظهِر ما يطمعُ إليه هؤلاء الصهاينة من تقسيمٍ للمسجد وتهويده وبناء هيكلهم المزعوم، خيَّب الله مسعاهم، وأبطلَ كيدَهم، وجعلَه في نحورهم، ونصر المسلمين عليهم... لقد اختارَ هؤلاء الصهاينة هذا التوقيت استِغلالاً لما تعيشُه أمة الإسلام عامة، والمنطقة خاصة من تنافُر وفُرقة وفتن، وتناحُر إرهابيٍّ وطائفيٍّ».
وأضاف «لعل في هذا الحدث الجلَل الذي يتعرَّض له المسجد الأقصَى المُبارَك ما يُوقِظُ المُسلمين. فالأقصَى هو المُلتقَى الذي يلتقِي عنده المُسلمون، بكل مذاهبهم وانتماءاتهم واهتماماتهم».
وأكد أن «من الواجِب المُتعيِّن، أخذ الدروس والعِبر إلى أبعَد مدى، والاستفادة من أن هذه الفُرقة وهذا التناحُر لم يستفِد منه إلا هذا العدوُّ المُشترَك، والأقصَى المُبارَك هو الذي يجبُ أن تنتهي عنده الخلافات والنزاعات، فهو الذي يُوحِّد بين المسلمين عامة، والفلسطينيين خاصة، ولا يُمكن أن يُترَك إخوانُنا المُقاوِمون المرابطون هناك وحدَهم أمام هذا العدو المجرم المُتسلِّط. إنها قضيَّةُ أهل الإسلام جميعاً، والانتِصارُ لها وتأييدها مسئوليَّةُ كل مُسلم».
ولفت إلى أن «الدعوة مُوجَّهةٌ لجميع المُسلمين، وبخاصَّة القادة والساسَة منهم وأصحاب القرار، دُولاً ومُنظَّمات وهيئات، لبذل كل ما يستطيعون من قوةٍ سياسيَّة ومادية ونظامية ودولية. ونقول - وبكل ثقةٍ ويقين: إن إنقاذ المسجِد الأقصَى ليست مهمةً عسيرةً، إذا صحَّت النوايا، وصدقَت العزائِم، وتوحَّدَت الجهود، واستُوعّبَت الدروس... فالمُسلمون كلُهم يدٌ على من عاداهم، والأمةُ الحيَّة هي التي تخرُج من ظلام الخُذلان إلى نور الأمل».
ورأى أن «نُصرة القدس وفلسطين تكون ببُروزها حيَّةً في القلوب، وفي الكتب، والكتابات، وفي المناهِج الدراسية، وفي وسائل الإعلام، وفي كل السياسات. ثم بتأييد إخواننا المُرابِطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فهم في مُقاومةٍ شريفةٍ، في قوتها وإرادتها وثباتها وتحمُّلها، وسيبقَى الرِّباطُ والمُرابِطون».
العدد 4774 - الجمعة 02 أكتوبر 2015م الموافق 18 ذي الحجة 1436هـ