خبران مهمان متعلقان بالفضاء هذا الأسبوع، الأول عن ظاهرة «القمر الأحمر» التي تابعها الكثيرون في العالم باهتمامٍ كبير، حيث لم تتكرّر قبل ثلاثين عاماً، والآخر خبر اكتشاف الماء على «الكوكب الأحمر»... المريخ.

كلا الخبرين يكشفان موقعنا كأمةٍ تقبع في القاطرة ما بعد الأخيرة في العالم المعاصر، فنحن مجرد متلقين للأخبار، نندهش بها، ولا نعلم بها إلا بعدما يعلنها الآخرون، ولو لم يعلنوها لما علمنا بحدوثها أصلاً.

ظاهرة القمر الأحمر سيشاهدها من يبقى من أبناء هذا الجيل بعد ثلاثين عاماً، وهي كغيرها من الظواهر الفلكية، تشكّل تحدياً للخيال البشري، ليسرح في أرجاء هذا الكون الشاسع المترامي الأطراف. فنحن بكوكبنا الذي يموج بكل هذه الحروب ومشاهد القتل والقصف وسفك الدماء، مجرد حبّة رملٍ في صحراء شاسعة، مجرد كوكب صغير في مجموعة شمسية ضمن مجرة «درب التبانة»، التي تضم 200 مليار نجم كالشمس، من بين مليارات المجرات الشمسية التي تسبح في الفضاء.

قبل عقود، كان الجدل يدور حول احتمال وجود مخلوقات أخرى في الكون، وهي فكرةٌ تدل على غباء وغرور هذا المخلوق البشري، الذي كان يتخيّل نفسه مركز الكون، فإذا به أمام هذه الحقائق المدهشة التي يتكشّف عنها علم الفلك كل يوم، يقف مدهوشاً، ليعرف حجمه ويعلن ضعفه ومحدودية قدرته، وضخامة غروره ونرجسيته.

الجديد في الاكتشاف الجديد، هو أن من اكتشف الماء على المريخ لم يكن أميركيّاً أو أوروبيّاً أو روسيّاً، وإنما شابٌّ من دولة فقيرة جداً (النيبال)، تعيش في عزلةٍ منذ قرون، بسبب موقعها الجغرافي في أحضان جبال الهمالايا. وقد انضمت في السنوات الأخيرة، إلى الدول التي نستورد منها في الخليج الأيدي العمالة الرخيصة، إذ يعمل 90 في المئة من سكانها في الزراعة.

الشاب النيبالي هو الذي أرشد وكالة «ناسا» إلى وجود الماء في المريخ، حين كان يتفحّص صوراً لسطح الكوكب الأحمر في العام 2010 (كان عمره آنذاك 21 عاماً)، فعثر صدفةً على المؤشرات الأولى لوجود الماء، من خلال تفحصه وتنقيته وتدقيقه في صور الأخاديد التي تظهر على سطح المريخ، ليقوده ذلك إلى اكتشاف وجود أول كمية ماء خارج الأرض. وعدم وجود الماء كان أحد العوائق الرئيسية في طريق التفكير للهجرة إلى الكواكب الأخرى، ولذلك اعتبر العلماء اكتشاف الشاب النيبالي من أهم «قفزات الإنسان الفلكية» حتى الآن.

وكالة «ناسا»، التي تبلغ موازنتها هذا العام 18 مليار دولار (بما قد يزيد على موازنة النيبال نفسها)، استبقت إعلان الخبر بنيّتها تنظيم مؤتمر صحافي، قدّمت خلاله الشاب النيبالي لوجندرا أوجها، اعترافاً بالفضل لأهله. فهو الذي قدم الدليل الدامغ من خلال دراسته للخطوط المتعرجة المتكرّرة، حيث وجدها تظهر صيفاً كترشحات وانسيابات، وتختفي شتاء، فاستنتج من ذلك أنها تنشأ من تدفقات للماء يظهر ثم يختفي. وذهب إلى احتمال وجود محيطٍ عملاقٍ من الماء المالح أسفل سطح المريخ.

أخبار الفضاء التي تشعل الخيال، يشارك في إنجازاتها مختلف شعوب الأرض، ماعدا قومنا المنشغلين بحرب بعضهم بعضاً، وتكفير بعضهم بعضاً.