العدد 4771 - الثلثاء 29 سبتمبر 2015م الموافق 15 ذي الحجة 1436هـ

الكندية أتوود في «القلب يذهب في الأخير»... رواية المستقبل القريب

سَحَرَتْها «رسائل إخوان الصفا» ورباعيات الخيام...

غلاف «القلب يذهب في الأخير» - غلاف «آدم المجنون»
غلاف «القلب يذهب في الأخير» - غلاف «آدم المجنون»

خمسة وخمسون كتاباً حتى الآن، هي حصيلة إنتاج الكاتبة والروائية والشاعرة والناقدة الكندية، مارغريت أتوود، هي حصيلة 56 عاماً في تجربة الكتابة، متوزِّعة إصداراتها على العوالم والفضاءات الفنية المتنوعة.

روايتها الأحدث، والتي من المفترض أنها بدأت التوزيع في الأسواق أمس الثلثاء (29 سبتمبر/أيلول 2015) «القلب يذهب في الأخير»، هي رواية المستقبل القريب؛ على رغم انشغالها واشتغالها بالماضي والاقتران به، لكن عينها تظل مفتوحة على حركة الحاضر، والتنبُّؤ باحتمالات المستقبل.

قبل الدخول إلى جانب من التقرير الذي كتبته ألكسندرا ألتير، يوم الأحد (27 سبتمبر 2015)، في صحيفة «نيويورك تايمز»، ربما علينا أن نضيء جانباً من حوار ربما يكون الوحيد في مطبوعة عربية، وتحديداً مجلة «الدوحة» القطرية في العدد 59 لشهر سبتمبر 2012، أداره المترجم والكاتب طلال فيصل؛ حيث تناول الحوار موضوعات تتعلق بأعمالها، وأخرى تبدو خارج السياق، من بين ذلك أنها تلم بأعمال عربية وإسلامية، من أهمها «رسائل إخوان الصفا»، المجموعة الفلسفية التي أحدثت تأثيراً قوياً في القرن الثالث الهجري (العاشر الميلادي) في البصرة، وتعرفه من خلال عنوان آخر «مرافعات الحيوان والإنسان أمام ملك الجن»، وقالت عنه، إنه «كتاب ساحر، أعود إليه من وقت لآخر، وهو مفعم بحكمة حقيقية نادرة»، كما لم تنسَ أن تذكر بإعجاب رباعيات الخيَّام، والتي اعترفت أنها اقتبست عبارات من شِعره الصوفي، وضمَّنتْها إحدى رواياتها «حكاية الخادمة».

وهي الناقدة المشهود لها بالكفاءة، لم تتردَّد في القول، بحسب لقاء طلال فيصل «النقاد بالضبط، هم نوعان: أبناء العجائز وأبناء الكهنة، النوع الأول، هم الجالسون على المقاهي يطلقون الأحكام المطلقة والشائعات على الروائيين، والنوع الثاني هم الأكاديميون وأساتذة الجامعات الذين يحتكرون الكلام عن الأدب؛ كما كان الكهنة يحتكرون الكلام عن النصوص المقدسة»!

وهي في السادسة والسبعين من عمرها، تظل بحيويتها الموزعة بين الكتابة يومياً بمعدل 2000 كلمة، والقراءة المنتظمة، وإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات؛ علاوة على حضورها الإعلامي الذي يكاد لا ينقطع. ترى في كل ذلك، وفي الكتابة خصوصاً، التفافاً على الشيخوخة، وهي بمثابة الطرق الجانبية في هذا الشأن. وهي نفسها القائلة: «أفضل شيء هو أن تبدأ في كتاب جديد، وأسوأ شيء هو ألاَّ تجد القدرة على البدء في كتاب جديد».

التنكُّر في هيئة روبوت

مثل عالم مجنون في إحدى رواياتها المستقبلية، تبدو الروائية والشاعرة والناقدة الكندية، مارغريت أتوود، سمْكرياً على استعداد لتجربة أي تكنولوجيا رقمية تقريباً.

قامت بنشر كتاباتها على موقع الخيال الحر (Wattpad)، بما في ذلك بعض الشعر، ورواية شاركت في كتابتها. نشرت رواية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»؛ حيث يتابعها أكثر من 885 ألفاً. لا تكف عن المزاح مع معجبيها على الانترنت، ولها لقطات بثتها بشكل مباشر على منصة الفيديو «ريديت». تم تطوير لعبة فيديو في التطبيق، أطلق عليها «الطفيليات المعوية»، من وحي إحدى رواياتها «آدم المجنون». كما أنها اخترعت جهازاً يسمى «LongPen»، والذي تصوَّرته كوسيلة تتيح للناس خيار تسجيل أسمائهم عن بعد.

كتابها الجديد «القلب يذهب في الأخير»، والذي من المفترض أنه نزل إلى الأسواق والمكتبات الكندية أمس الثلثاء (29 سبتمبر 2015)، انبثق من هاجسها وشغفها بالتعاطي مع أشكال جديدة من السرْد الرقمي. بدأ المشروع منذ ثلاث سنوات باعتباره مسلسلاً عبر الإنترنت، ضمن مشروع «Byliner» لنشر الكتاب الالكتروني، ليتحول بعد ذلك إلى رواية.

تكشف القصة في قتامة، عن مستقبلية أميركا، حيث ترك الانهيار المالي الكبير الذي حدث في العام 2008 عدداً لا يستهان به من السكان عاطلين عن العمل، وملايين ممن لا مأوى لهم.

الزوجان المعوزان، ستان وشارمين، يعيشان في سيارتهما، يتجنَّبان التجوال نأياً عن عصابات من المجرمين، ويقتاتان على وجبات الطعام الردئ مثل الكعك البائت. يبدو أن تحولاً في حظهما حدث عندما عُرضت عليهما فرصة الانضمام إلى المجتمع الجديد الذي أطلق عليه «Consilience»، ويعد بمثابة سكن مجاني، وفيه يتم توفير فرص عمل.

«Consilience» هو في الأساس سجن كبير، حيث يتناوب السكَّان على قضاء الوقت مثل السجناء، ويعيشون في مجتمع من الرقابة المشددة... قمعي، باعتبارهم مواطنين أحراراً (ولكنهم ليسوا كذلك في واقع الأمر) يقومون بالاهتمام بالسجناء. في نهاية المطاف، ستان وشارمين يكتشفان سراً مرِّوعاً في قلب المؤسسة، ويرتبان هروبهما منفصليْن. تدور في رأس ستان حيلة تنطوي على تنكُّر في هيئة روبوت يتم شحنه في صندوق إلى لاس فيغاس.

كي تكون السجون مُربحة

أتوود، البالغة من العمر 76 عاماً، ذات الهالة الظاهرة على ملامحها، صاحبة الشعر الرمادي المجعَّد، المعروفة بحسها اللاذع المليء بالفكاهة، قالت إن الفكرة جاءتها عندما كانت تقرأ «لربح السجون».

«(لربح السجون) لم تكن أبداً فكرة جيدة، فمن أجل الحفاظ على السجون مُربحة، عليك أن تحافظ على وجود مزيد من السجناء». كان ذلك قولها في مقابلتها الأخيرة عبر الهاتف. ولجعل نظام العقوبات خيالياً بل ومُخيفاً، ابتدعت أشراراً جشعين يقومون باستدراج ضحاياهم من الفقراء من خلال عرْض وظائف عليهم. وأوضحت «فكْر الصفقة الجديدة، لم يكن سوى نسخة أكثر شراً من ذلك بكثير».

بداية، كانت أتوود تعتزم نشر كتاب إلكتروني واحد مع «Byliner»؛ لكن القصة استحوذت عليها وصارت مفتونة بعملية تشكيل السرد على مرأى ومسمع من الجمهور، البناء المتعرِّج والتقلبات في حبْكة سرد الأحداث أحدثت منعطفات في العمل كي تحافظ على عودة القرَّاء إليها. وقد وصفتها بأنها النسخة التكنولوجية الفائقة من الأعمال المتسلسلة في القرن التاسع عشر مثل عمل ديكنز «أوراق بيكويك».

من جانبها، قالت المحررة لدى أتوود في «Byliner» الروائية إيمي غرايس لويد: «إنها تحب أن تجرب، وهي ليست خائفة إذا ما كانت التجربة مآلها الفشل والانهيار»، مضيفة «إنها تريد حقاً الدخول في محاولة تجربة أشياء، وأن تكون جزءاً من اللحظة الراهنة».

كانت الفكرة ناجحة. بِيع من الجزء الأول أكثر من 40 ألف نسخة بعد صدوره في ربيع العام 2012، وفقاً للويد. وتبعته ثلاث أجزاء أخرى.

تخيُّل إبادة الجنس البشري

ناشر أتوود الذي تولَّى أعمالها منذ فترة طويلة، نان تاليس، وافق بالقول، إنها ينبغي عليها أن تُمسك عن نشر بقية القصة كي تتمكن لاحقاً من نشرها كرواية جديدة. وقد انتهت تجربة القصة المسلسلة على الانترنت في مايو/أيار 2013، تاركة معجبيها مشْدُوهين بعد اعتيادهم عليها فترة من الزمن.

ولتحويل السرد العرضي إلى شيء أكثر شمولاً، أعادت أتوود كتابة فصول في وقت مبكر، مضيفة القصة الخلفية التي تتناول كيفية وصول الشخصيات إلى «Consilience». عملت على الذروة الجنونية للرواية، تلك التي يبلغ مداها مع تطور الحبكة الغريبة في الأحداث بانطوائها على أدوار لمنتحلي ألفيس في لاس فيغاس، المدينة التي حيَّرت أتوود باعتبارها تعاني من خلل في تركيبة كمالها وكما قالت: «لاشيء في ذلك يُشعِر بأنه حقيقي تماماً».

لقد كانت أتوود تتخيل طويلاً سيناريوهات الكارثة التي تهدد بإبادة الجنس البشري، من وباء العقم في رواية «حكاية الخادمة»، التي صدرت في العام 1985، إلى الفيروس القاتل الذي قضى على معظم البشر في روايتها المليئة بالبؤس «أوريكس وكريك» في العام 2003.

«القلب يذهب في الأخير» تتصارع فيها الكثير من الموضوعات نفسها التي شغلت تفكير واهتمام أتوود لعقود من الزمن، مثل التمييز على أساس الجنس، ومخاطر الجشع الجامح والتضاريس المحفوفة بالمخاطر الأخلاقية تلك التي تأتي تزامناً مع التقدم التكنولوجي.

لكن النقاد منقسمون بشأن ما إذا كانت روايتها الجديدة تستحق مكاناً إلى جانب أعمالها السابقة. بعض المراجعين من النقاد استبعدوا رواية «القلب يذهب في الأخير» كونها نأت عن التجربة الرقمية؛ وبحسب الناقد في صحيفة «واشنطون بوست»، رون تشارلز، ربما تعود مسئولية ذلك إلى «عملية كسر البنية، بكم من تفاوت التقطُّع في «القلب يذهب إلى الأخير».

الطريق إلى الخيال

من الواضح أن أتوود لا تحب المجازفة عندما يتعلق الأمر بالمشاريع التي تتصدَّى لها، أو الموضوعات التي تعالجها. «القلب يذهب إلى الأخير» مليئة بالتصوير الصريح للجنس المستقبلي.

إلى ذلك، قال الروائي والناقد ليف غروسمان: «إنها جَسُورة تماماً، الأمر الذي يجعل من الرائع رصْدها» «ليس هناك ما هو غامض جداً أو فني أو بشع بالنسبة لها، كل ذلك يجد طريقه إلى الخيال في أعمالها».

وتنعكس طبيعتها النهمة في تنوُّع عملها. في حياتها المهنية التي امتدت إلى 56 عاماً نشرت أتوود خمسة وخمسين كتاباً، مع صدور مجموعتها القصصية التاسعة «أولئك الرجال لا يعتذرون»، وتشتغل فيها على تفقُّد الماضي. ثمة زيارات متكررة إليه؛ بل وما يشبه الإقامة في ذلك الماضي، من دون أن يعني ذلك انفصالها عن الحاضر ومشاغله؛ علاوة على أنها مسكونة ومنشغلة بالاحتمالات التي يحملها المستقبل.

كل تلك الكتب يتقاطع فيها الطيْف الأدبي، من الروايات التاريخية إلى الخيال العلمي والشعر والقصص القصيرة وكتب الأطفال والكتب غير القصصية، وخاصة النقدية منها.

فازت أتوود بجائزة البوكر العام 2000 عن روايتها «القاتل الأعمى»، وجائزة آرثر سي كلارك، وهي واحدة من الجوائز المرموقة في مجال الخيال العلمي، عن روايتها «حكاية الخادمة».

وهي صريحة في تناولها للقضايا التي تعالجها في رواياتها، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والكوارث البيئية، وعدم المساواة المالية وحقوق الحيوان.

في ربيع هذا العام، قالت إنها سلَّمت مخطوطة جديدة بعنوان «القمر المخربش» لـ «مكتبة المستقبل»، وهو مشروع فني أدبي في النرويج سيقوم بجمع 100 نص خلال القرن المقبل، ونشرها في العام 2114. وستكون أتوود الكاتب الأول الذي يقدم المخطوطة لذلك المشروع.

ضوء

ولدت الكاتبة والشاعرة والناقدة الأدبية والناشطة في المجال النسوي والاجتماعي مارغريت إلينور آتوود، في أوتاوا, بأنتاريو الكندية، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1939. تُعدُّ من أهم كتَّاب الرواية والقصص القصيرة في العصر الحديث. إضافة إلى أعمالها القصصية والروائية والنقدية، أصدرت 15 مجموعة شعرية حتى اليوم، ولها حضور مهم في هذا المجال.

لم تلتحق آتوود بالمدرسة بدوام كامل حتى بلغت 11 سنة من عمرها، بعدها أصبحت تكثر من قراءة الأدب وكتب الخيال والخرافات والقصص الشعبية وقصص الحيوانات وغيرها من الكتب. بدأت الكتابة في سن السادسة تقريباً، وعندما بلغت السادسة عشرة من عمرها أدركت رغبتها في أن تصبح كاتبة متمكنة من عملها، مرموقة بمكانتها واسمها. وبدأت في العام 1957 دراستها في جامعة فيكتوريا التابعة إلى جامعة تورونتو. تخرجت في الجامعة العام 1961 وحصلت على درجة البكالوريوس في الآداب في تخصص اللغة الإنجليزية مع مرتبة الشرف، وكان تخصصها الفرعي في الفلسفة واللغة الفرنسية. وفي العام 1962 حصلت آتوود على درجة الماجستير في الأدب من كلية رادكليف التابعة إلى جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد حصولها على منحة «وودرو ويلسون». عملت في مجال التدريس في جامعة بريتيش كولومبيا في العام 1965، وجامعة سير جورج ويليامز في مونتريال بين 1967 - 1968. كما حاضرت في جامعة ألبيرتا بين العام 1969 و 1979. وغيرها من الجامعات مثل جامعة يورك في تورونتو، وذلك ما بين 1971 و 1972 وفي جامعة نيويورك.

مارغريت أتوود
مارغريت أتوود

العدد 4771 - الثلثاء 29 سبتمبر 2015م الموافق 15 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً