العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ

مسرحية «اللعبة»: حين يفلت الزمام من يد المؤلف

قدمها «الريف» خلال احتفاله بذكرى إشهاره

لا أظنني سأكون مبالغاً إذا قلت إن مسرحية «اللعبة» التي قدمها مسرح الريف خلال احتفاله بمرور عشر سنوات على إشهاره مطلع شهر سبتمبر/ أيلول 2015، استطاعت أن تأسرنا وأن تلعب بأعصابنا حتى اللحظة الأخيرة، وتجعلنا مشدودين مشدوهين طوال فترة العرض رهباً مما يقال ورغبة في المزيد.

هي مسرحية أنجز مؤلفها حبكة الصراع بشكل متقن، ولعب مخرجها مع ممثليه لعبة أمتعتنا وأدخلتنا في أسئلة متتابعة، لها أول ولكن بالتأكيد ليس لها آخر وهذه هي طبيعة العمل الفني الذي يثير أسئلة متتالية لا تنتهي.

تتلخص قصة المسرحية في حكاية كاتب مسرحي وزميله المخرج اللذين استمرا في نقاش طويل يبحثان عن فكرة مسرحية جديدة غير مكرورة وغير معهودة تمتع الجمهور ولا تصيبه بالملل، فيلجآن لاختيار ممثل يتركان له تمثيل الدور الذي يريده، يا ترى كيف ستكون المسرحية حين يترك للممثل مطلق الحرية في تمثيل دوره واختيار تفاصيله وصنع نهايته التي يريدها أم ستسوقه الأحداث إلى مآلات لا تحمد عقباها فيكرر نفس لعبة التسلط المعتادة في كل حكاية لينسى كل أحلامه وكل ما وعد به الآخرين من آمال وأحلام وردية جميلة. هكذا وعلى الرغم منا ومنه يدخل الممثل في لعبة التمثيل والإيهام فيبدأ المسرحية ويرتدي جلباب الحاكم وينسى نفسه في زهوة التمثيل وزهوة الموقع الجديد ولا تعود له قدرة على الخروج من الحكاية بل ولا يسمح للآخرين بإخراجه منها.

كتب مسرحية «اللعبة» الأديب خلف أحمد خلف، وقد قُدمت في الثمانينيات ضمن مهرجان الأندية وأعاد تقديمها هذه المرة المخرج محمد الحجيري، ضمن مهرجان الريف المسرحي التاسع، مساء يوم الأحد والإثنين 6 -7 سبتمبر/ أيلول 2015 على مسرح الصالة الثقافية، ومثل فيها كل من الفنانين علي بدر في دور المؤلف الباحث عن نص جديد وإبراهيم البيراوي في دور المخرج الذي اقترح تسليم الممثل قيادة المسرحية وصناعة أحداثها، فكان الممثل الذي اختير لتأدية هذا الاختبار والقيام بهذا الدور هو الفنان مهدي سلمان الذي أدى دور الحاكم والذي لامس حكاية الرئيس الراحل أنور السادات وقضية السلام، بالإضافة إلى لمياء الشويخ في دور سيدة القصر الأولى، ومحمد باقر في دور الوزير الأول المعارض للسلام مع العدو، وصادق العلوي في دور رئيس الحرس، وشاركهم كل من شعيب العالي، وهاشم الشاخوري، ونزار شمس، وصلاح سيف، وحسن دسمال، ومحمد أمير، وعادل المالكي، وفيصل البوري، وأنجز السينوغرافيا في المسرحية حسن أحمد، والمكياج عبير عبدالله.

الاشتباك مع الواقع

الجميل في المسرحية قدرتها على ملامسة الواقع والتعالق معه بواسطة الحكاية المتخيلة وهي حكاية مؤلف مع مخرج وممثل، ثم حكاية حاكم يعد شعبه بالكثير ويريد التغيير فيتورط بالسلام مع العدو، ولا ينفع معه لوم اللائمين ولا نصح الناصحين. ولعل الدخول في هذه الحكايات هو ما أبعدها عن المباشرة، وقربها من مطلق مسألة البحث عن التغيير والتورط بملابسات الواقع والارتهان للذات المستبدة التي لا ترى إلا ما تريده، وهذا ما أمعن في إحساسنا بشدة تطابقها مع الواقع بل والصدمة من شدة جرأتها، حين طابقناها في أذهاننا مع هذا الواقع المرير عربياً، حتى زعم البعض أنها مسرحية مباشرة، وذلك لاشتباك أحداثها مع ما بعد الربيع العربي وملابساته الماثلة حتى هذه اللحظة.

الواقع والمتخيل

اشتغلت المسرحية على الواقع ولكن بواسطة المتخيل وبلعبة أتقنها مؤلفها أدبياً وفنياً بجدارة عبر حبكها في ثلاثة مستويات، أولها مستوى الحكاية المسرحية التي تتمثل في حيرة مؤلف مسرحي ومعه صديقه المخرج اللذين يبحثان عن حكاية جديدة لتقديمها على المسرح، حكاية مغايرة لا يعرفها المشاهدون ولا يتوقعونها، ولعمري هذا ما حدث فعلاً، فمن كان يتصور أن أحداً يمكن أن ينتقل من الحرب إلى السلام بكل بساطة بعد كل التضحيات وفي ظل تلك الظروف القاسية والصعبة. أما المستوى الثاني فهو حكاية اصطنعها ممثل مسرحي تُرك له العنان كي يقود مسرحيته ويصبح بطلها وحاكمها، أما المستوى الثالث فهو التطابق مع الحكاية التاريخية المتمثلة حكاية السادات وملابسات قضية السلام مع إسرائيل، وصراعه مع القريبين والبعيدين من حوله، من الوزراء إلى المعارضة، وأثر كل ذلك عليه وعلى مصر والدول العربية والعالم. وأزعم أن هناك مستوى رابعاً هو مستوى مطابقتنا نحن الجمهور المتلقين، مطابقتنا لما شاهدناه على الواقع العربي القريب والبعيد زمنياً أو مكانياً.

فواعل سردية

هكذا تتوالد الحكايات ولا تتوقف وكأننا أمام فواعل سردية نشطة كل واحد قام بفعل التأليف وأدخل حكايته في الحكاية الأصلية فخلف أحمد خلف ألف مسرحية اللعبة، التي داخلها مؤلف هو علي بدر وهو بدوره أيضاً ألف مسرحيته، وداخل مسرحيته هذه ممثل وهو مهدي سلمان هو أيضاً بدوره ألف مسرحيته التي تخيلها ونفذها، ونحن كذلك ألفنا مسرحيتنا كمتلقين بربط كل ذلك مع الواقع وما عايشناه وما نعايشه كعرب في فترة الربيع العربي من أحداث يومية جراء استمرار داء التسلط. وهكذا دائماً يكون العمل الفني الجيد قادراً على صنع متخيل يحرك أفكارنا في الواقع المعاش، بل ويكون هو نفسه أمثولة للتفكير فنفكر من خلاله ونحن ننظر لأوضاعنا، إذ يكون صورة مصغرة عن الواقع حين يعمل العقل على (استبدال الدوال الاستعارية) ليأخذ المسرح دوره في عمية التغير وكذلك في عملية التعبير حين يرى المتلقون أنه كان قادراً على تمثيل حكايتهم الخاصة أو العامة القريبة أو البعيدة.

المسرح داخل المسرح

بهذا نكون في إطار لعبة فنية هي «الحكاية داخل الحكاية» وعلى مستوى التقنية المسرحية يحضر هنا مصطلح المسرح داخل المسرح فثمة مسرح واقعي ومسرح تاريخي في المسرحية فكيف استطاع المخرج اللعب مع ممثليه على المنطقتين؟ ربما اجتهد المخرج في إنجاز وصنع شيء من التقاطع بين المنطقتين عبر اختلاف اللباس والديكور والأضواء وحتى لغة الحوار عبر المغايرة وإبراز الاختلاف في هذه العناصر السابقة بين التاريخ والواقع، فالحكاية تجري في الأسفل بينما المؤلف وصديقه، جعلهما المخرج محمد الحجيري في أعلى المنصة في مدرج صممه خصيصاً لهذه المكانة العالية في مفارقة واضحة فرغم العلو والمكانة الرفيعة للمؤلف على مستوى المقام والمكان إلا أنه لم يستطع التحكم في الممثل الذي أصبحت لديه مطلق الصلاحيات في كل شيء وصار قمة في التسلط، ما أوصل الفكرة التي تتردد في كثير من الأعمال الدرامية وهي سلامة الذات ودور الموقع في إفسادها وقد تمثل ذلك في موقع السلطة الذي تبوأه هذا الإنسان البسيط ورغم سلامة نواياه إلا أنه سار على ما سار غيره ومن سبقه ما يؤكد على أن السلطة تفسد البسطاء ومقولة «إن السلطة شر مطلق» وكأنها حصان جامح لا يمكن التحكم فيه ولا ترويضه، ومثل هذه الثيمة المتكررة في أكثر من عمل درامي لا تصب سوى في محاولة تبرئة راكبي هذا الحصان الجامح من المسئولية.

كسر حاجز الإيهام

ثمة تقاطع آخر شهدناه على المستوى الإخراجي كذلك بين المستويين، مستوى حكاية التاريخ وحكاية الواقع عبر لغة الحوار وخروجها من الفصحى للعامية للتأكيد على الانتقال من التاريخ للواقع، ومن التمثيل إلى الواقع وكسر حاجز الإيهام، فسيد علوي في دور الوزير المسجون يصرخ في وجه الجميع طالباً النجدة باللهجة العامية «الحقوني... وقفوا هالمجنون» وهو يهم بقطع لسانه، وكذلك عبر نزول المخرج أسفل المنصة محاولاً إنقاد الممثل من سطوة ممثل آخر فقد توازنه بعد أن تُرك المجال له ليعيش الحكاية بشكل جاد ويكون في دور بطولي. وبهذا تتقطع الحكاية ويكسر حاجز الإيهام في هذه المرة من داخل الحكاية، ثم يكسر حاجز الإيهام مرة ثانية من خارج الحكاية حيث يخاطب السيد علوي الجمهور مباشرة. وأزعم أن ثمة حاجزاً آخر يتم تجاوزه في مخيلتنا حين تتعدى هذه المسرحية للواقع وتخاطب الرقيب بأن هذه مجرد مسرحية ومجرد لعبة فلا مجال للحساسية منها جراء تطابقها مع الواقع أو ادعاء أنها مسّت أحداً ما أو سلطة ما فما هذه سوى مسرحية وسوى لعبة لعبناها ولا مجال فيها للمجانين.

الإضاءة المشهدية واللباس

شهدنا هذا التقاطع أيضاً بين المستويين التاريخي والواقع عبر اللباس بين لباس تاريخي ولباس عصري، حيث لبس المؤلف والمخرج لباساً حديثاً بينما لبس مهدي سلمان في دور الحاكم لباساً تاريخياً، ورغم نزعه اللباس التاريخي في اللحظة المفصلية الحاسمة إلا أن هذه اللفتة الإخراجية الممعنة في الدلالة على تدويل الاستبداد للعصر الحديث مرّت مروراً اعتيادياً من غير تقديمها بشكل ملفتٍ أو منوهٍ له مما كان سيضعها في موقعها كعلامة دالة مسرحياً على خرق حاجز التمثيل والتماهي بين الحكايتين.

أما لعبة الضوء فمازلت أعتقد أن هناك مناطق ضوئية كانت مجانية ولم تكرس هذه الحالة في التقاطع بين الحكايتين في أعلى المسرح وأسفله، وإن حاولت الأضواء أحياناً أن تركز على بؤرة بعض المشاهد فتجعلنا وسط الحكاية وتخرجنا من مستوى إلى آخر إلا أن ذلك لم يتكرس على مستوى الإضاءة التي بدت تجتهد أكثر في صنع جمالية في المشهد المسرحي وتعمق إحساسنا بالشخصيات وإبرازها وتفصيل ملامحها أو تغيّمها بحسب رؤية المخرج أو بحسب الموقف المسرحي.

العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:55 ص

      فعلا عمل جميل للريفيين

      للأمانه العمل كان جميل جدا و عشنا جو اللعبه اول بأول خاصه ان لعبة الإضائه و الصوتيات كانت جميله رغم الفارق الكبير في الأداء بين الممثلين فمثلا الحاكم و الوزير و زوجتة الحاكم و الكاتب و المخرج كانو قمه في الأداء إلا ان رئيس الشرطه و المعارض اللذي اقتحم القصر كانو في مستوى اقل من الإتقان ، كذلك الحراس و الملابس جعلت من العمل منظومه متكامله ،، كل التوفيق

اقرأ ايضاً