العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ

سيرةُ كتاب... رواية «شوق الدرويش» لحمّور زيادة

لم يهنأ بخيت في حياته، فقد كانت حلقات متداخلة من الآلام والعذاب والعبودية والأسر والحب الضائع الميؤوس منه. لقد قُتلت حواء، ليس هذا فقط بل مُثّل بجسدها ومُورست بحقها أبشع الصور، هو الآخر مات حيّاً! ليس لديه سوى أمل بحريَّة تساعده على تحقيق حلم الانتقام بحق كل من تسبب في مقتل محبوبته، في زمن استُبيح فيه دم وعرض وكرامة الإنسان باسم الدين حيناً وبالمَدَنيَّة على يد المستعمر حيناً آخر. لم يكن بخيت بطل الرواية الوحيد إلا أنه كان محورها، وحياته تداخلت وتشابكت وترابطت مع معظم أبطالها في زمن المهدية التي سعت إلى تحقيق وعد إلهي كوني لم يكتمل حتى بظهور دولة.

يدخلك حمّور زيادة في بداية رواية «شوق الدرويش» لتعيش مع بخيت همَّه وألم ضياعه، والمجهول خارج سجنه بعد سقوط المهدية. بخيت ذلك الإنسان الذي لا تشكل طفولته سوى ضباب ذكريات منذ اختطافه طفلاً صغيراً وبيعه في سوق النخاسة لأوروبي مارس بحقه شهواته ورغابته. وما أن تشرق شمس حريته حتى يهرب إلى انتقامه لمقتل ثيودورا، تلك الراهبة اليونانية الأصول ومن سماها حواء، ثيودورا التي جاءت من مصر مع بعثة تبشيرية استقرت في الخرطوم الموصوفة كبقعة أوروبية لطبيعة تداخل وتمازج وتعايش سكانها.

وتظهر الرواية عنجهية وتكبر وعنصرية الأوروبي للسود حتى وإن كان راهباً أو راهبة، فالسود من حام الذي خلقه الله ونسله من بعده لخدمتهم. ثيودورا الراهبة التي كانت تطمح إلى أن تصبح قديسة تعرفت على بخيت في السوق تطورت العلاقة بالنسبة إلى بخيت إذ أصبحت محور حياته، بينما ثيودورا أحبته كأخ أسود! حين دخول قوات المهدي ارتكبت المجازر الفظيعة، وتم سبي الكثير من النساء كانت ثيودورا إحداهن ارتُكبت بحقها أبشع صور الاستغلال والاعتداءات. وحين قررت الهرب بمساعدة المرشد الذي رافق حملتهم من مصر إلى السودان وشى بها وقُتلت شر قتلة، كرس بخيت حياته بعد خروجه من السجن للانتقام من كل من ساهم في قتلها، قُبض عليه بعد أن قتل خمسة من ستة أشخاص تسببوا في مقتل معشوقته.

اربكتني الرواية بتنقلات سردها الزمني بين الحاضر والماضي والمستقبل، بين توقفٍ وعودةٍ وذهابٍ وعودة وتوقف...، وكونت في نفسي انطباعاً سلبيّاً لسوداوية الأحداث. إلا أنني قررت إكمالها فقد كانت أول رواية أقرأها لكاتب من السودان ولمعرفة شيء عن ثقافة المجتمع وحياته أثناء ثورة المهدي في نهايات القرن التاسع عشر (1881-1899) التي يعتبرها كثيرون ثورة تحرر وطني من الاستعمار، وعلى رغم الدموية التي مرت بها فإنها من وجهة نظرهم ثورة اجتماعية جاءت في ظل ظروف اقتصادية قاسية وضعف في سلطة خديوي مصر اسماعيل ومن بعده ابنه توفيق على السيطرة على أراضي السودان وخصوصاً إبان ثورة أحمد عرابي في مصر، وبدء التغلغل الإنجليزي للسيطرة على هذه الأراضي الغنية. محمد أحمد مهدي من أسرة دينية يُقال إنها من نسل الرسول الكريم، وتأثر محمد المهدي بابن عربي وأحمد بن إدريس والفكر الصوفي واستغل الدين ليصور نفسه أنه المهدي المنتظر الذي أوحى الله له تخليص البلاد الإسلامية من الكفر ونشر الإسلام «بطريقته» في كل البلدان. وهناك من يقول إنه صاحب حركة دموية قتلت ودمرت دون رادع باسم الدين والله.

من جهة أخرى، حققت الرواية تداولاً وشهرة لكاتبها، إضافة إلى حصولها على جائزة نجيب محفوظ للعام 2014، وترشحها لجائزة البوكر العربية للعام 2015، مما أثار فضولي للقراءة عنها وعن كاتبها، والفترة الزمنية التي تدور فيها أحداثها، أكثر من الوقت الذي استغرقته قراءتي لها.

ومن خلال متابعتي لعدة مقالات ومقابلات مع كاتب الرواية، تبين أن الكاتب تناول المرحلة التاريخية تلك بشكل محايد مظهراً كل بشاعات المستعمر، ومركزاً على خطورة من يؤمن بأنه يملك اليقين المطلق الذي يسمح له ارتكاب ما يندى له الجبين من دون أن ترف له عين، وهو ما يعود بنا إلى الزمن الحاضر بصورة مشابهة إن لم تكن أشد بشاعة. كما أنه طرح الرواية على لسان أبطالها وشخصياتهم، دون أن يتخفى من ورائهم لإيصال وجهة نظر معينة. إن سنحت لي الفرصة قد أعود لقراءتها بتمعن أكبر.

العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:47 ص

      نافذة

      الحروف سلاح الكلمة. وجودك اخ وليد يتيح لنا نافذة نرى منها نور جديد. اتمنى لك التوفيق. ام عطاء

اقرأ ايضاً