العدد 4766 - الخميس 24 سبتمبر 2015م الموافق 10 ذي الحجة 1436هـ

في ذكرى الرسالة والعقاد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عشية عيد الأضحى المبارك، عرضت بعض القنوات الخليجية فيلم «الرسالة»، في نسختيه العربية والإنجليزية، كما تفعل كل عام.

الفيلم تاريخي بكل معنى الكلمة، فقد تمكن من تقديم رواية متقدمة لبزوغ الإسلام، ونقل الكثير من الوقائع التاريخية التي حددت مسار الأمة العربية لقرون قادمة. وكان للممثلين الكبار دور في تخليد الأدوار التي أدوها، مثل البريطاني أنطوني كوين الذي لعب دور الحمزة في النسخة الإنجليزية، والمصري عبدالله غيث في النسخة العربية، ومحمد العربي في دور الشاب العظيم عمّار بن ياسر، والأردني محمد سعيد في دور خالد بن الوليد، والسورية منى واصف التي تقمصت دور هند، فانطبعت صورتها نموذجاً للمرأة العنيفة التي تسيّرها الأحقاد والضغائن للثأر والانتقام. وتاريخياً، لعبت دوراً كبيراً في تحريض المشركين على القتال، وردّدت الأشعار الحماسية في ذلك، حيث أقسمت مع النساء على عدم الاغتسال أو دهن رؤوسهن قبل الأخذ بثأر قتلاهن في معركة بدر العام الثاني للهجرة، وهو ما تحقق لهن في العام التالي في أحد.

إلا أن أعجب الممثلين هو الذي لعب دور العبد الحبشي وحشي، الذي أغرته هند بقتل حمزة (رض)، وحرص المخرج على إظهار مهاراته القتالية في مشهدٍ يلقي فيه الرمح بصورة خاطفة، ليمرّ عبر حلقة صغيرة في التاج الذي تلبسه الراقصة. وقرأت قبل فترة أنه كان عامل كهرباء، اختاره المخرج للعب دور وحشي لسواد بشرته، لكنه أتقن دوره، إلى درجة أن أمّه طردته من المنزل لقتله حمزة بعدما شاهدت الفيلم. وفي الرواية التاريخية أن الرسول (ص) قبِلَ إسلامه، لكنه أمره بمفارقته لكيلا يرى وجهه مجدداً فيستعيد تفاصيل جريمته.

الفيلم كان من تمويل ليبي خليجي، حيث صور في مدينتي طرابلس وسبها، وتولّى إخراجه المخرج العالمي السوري مصطفى العقاد، الذي عاش في الغرب طويلاً، وعاد ليخرج تحفتيه: «الرسالة» و «عمر المختار». وكان من مفارقات تلك المرحلة أن الفيلم الذي أجازه الأزهر والمجلس الشيعي الأعلى في لبنان، عاد الأزهر ليتراجع عن فتواه بسبب الحسابات السياسية المتنافرة بين نظام معمر القذافي ونظام أنور السادات. وشمل المنع دول الخليج، حيث عُرض على نطاق محدود في دور العرض، ولفترة قصيرة جداً. وقد اضطر كثيرون إلى استئجاره من محلات تأجير الفيديو، حيث بدأ يُباع الجهاز يومها في أسواق الخليج في النصف الثاني من السبعينيات.

في السنوات اللاحقة، كانت صور الممثلين تبرز إلى الذهن كلما تقرأ كتاباً تاريخياً عن تلك الفترة. وحتى حين تزور الأماكن المقدسة تسترجع تلك الوجوه والأحداث، وخصوصاً عند موقع جبل أحد، حيث جرت المعركة عند سفحه؛ وكيف ترك المسلمون مواقعهم الاستراتيجية خلافاً لأوامر الرسول (ص) ونزلوا لالتقاط الغنائم، وهي الثغرة التي استغلها جيش المشركين فأعادوا الكرّة وأوقعوا في المسلمين إصابات فادحة.

من المشاهد التي لا تنسى، مشهد قدوم النبي الأعظم (ص) إلى المدينة، حيث استُقبل بالنشيد الخالد: «طلع البدر علينا... من ثنيات الوداع»؛ وحيث تنافس رجال الأوس والخزرج للفوز بشرف استضافته، فقال لهم وهو على ظهر الناقة: «دعوها فإنها مأمورة»، ليحسم الأمر بطريقة دبلوماسية. فتركوها حتى بركت في موقعٍ تعود ملكيته لبعض الأيتام، فتم شراؤه منهم وأقيم عليه مسجده الشريف. وقد تم تصوير المشهد الرائع من فوق الناقة، حيث تم توجيهها بتقديم حزمةٍ من العشب إليها من دون أن تظهر في التصوير.

الفيلم كانت له أصداء كبيرة حتى في الغرب، فكان نافذة تعريفية بالرسالة الإسلامية، حيث سُجّلت حالات إسلام كثيرة بسبب مشاهدته، قدّرها البعض بعشرين ألفاً. والمفارقة أن العقاد رحمه الله، ذهب ضحية تفجير إرهابي نفّذته فلول تنظيم القاعدة في الأردن، حيث جرى تفجير بعض فنادق عمّان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، حيث كان يحضر مع ابنته ريما حفل زواج، فذهب ضحية هذه الفئة الشاذة الخارجة على رسالة الإسلام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4766 - الخميس 24 سبتمبر 2015م الموافق 10 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:42 ص

      الله يرحم العقاد

      سيبقى عمله الرسلة خالدا وكذلك فيلم عمر المختار.

    • زائر 2 | 2:37 ص

      ذهب في طرفة عين

      على يد القتلة الارهابيين من جماعة الزرقاوي

    • زائر 1 | 1:56 ص

      الان انكشف الغطاء

      اصبحت الامور واضحة بشان هذه الجماعات التكفيربة التي عاثت في الارض فسادا.

اقرأ ايضاً