الحقُّ البيئيُّ كمفهوم وقيمة إنسانية وقاعدة قانونية وحقوقية يرتكز في منظومة مقوماته على قيم الحق الإنساني في ضمان توافر البيئة الصحية الخالية من المخاطر التي تتوافر فيها مقومات الأمن البيئي بمختلف تجلياته وصوره، كحق مؤسس وضمانة لحياة الإنسان وتمكينه من الانتفاع الرشيد وفق مبدأ العدالة الاجتماعية في استثمار الثروات البيئية والرأسمال الطبيعي كعنصر رئيس للمعيشة والبقاء.
ويرتكز الحق البيئي أيضاً على قيم المسئولية الفردية والجماعية والمؤسسية في صون معالم النظام البيئي وانتهاج السلوك الرشيد في العلاقة مع الثروات البيئية والحفاظ على نقاء وسلامة النظام البيئي وصون توازنه الطبيعي.
موضوع الحق البيئي كمدرسة حديثة العهد في الدراسات القانونية محطُّ جدل واختلاف في وجهات النظر بين بعض المختصين في شأن الحق البيئي كطبيعة قانونية وكمفهوم وحق إنساني.
ويعالج جوهر الخلاف بشكل مؤسس الباحث القانوني أحمد عبدالكريم سلامة في كتاب «قانون حماية البيئة الإسلامي» ويبين في سياق معالجاته موقفين متناقضين ومتباينين في الرؤية، ويتمثل ذلك في الاتجاه المنكر لوجود الحق البيئي.
ومقتضى هذا الاتجاه أنه لا يوجد هناك حق ذاتي للإنسان في العيش في بيئة سليمة ومتوازنة، فهو ليس ملازماً للوضع الإنساني ويرتكز هذا الاتجاه في مدلولات رؤيته على أن القانون الدولي لا يتضمن من القواعد القانونية ما يمكن أن يرفع «مصلحة» الإنسان في البيئة إلى مرتبة «الحق» في البيئة.
ويقابل ذلك الموقف الاتجاه المؤيد لوجود حق الإنسان في البيئة، وتتمثل محددات جوهر مضمون رؤيته في الاعتراف بأن فكرة حق الانسان في البيئة المتوازنة السليمة تبدو مثالية، بحسبان أنها تعبّر عن نظام قانوني غائي يرمي الى تحقيق غاية عالمية هي حماية الإنسان بتأمين وسط ملائم وتنمية شخصه، وفي سياق السجال والمقارنات القانونية في جوهر مضمون فلسفة الحق البيئي يخلص الباحث الى الاعتقاد «أنه لم يعد هناك مجال لإنكار وجود حق الإنسان في البيئة بعد صدور العديد من الدساتير والقوانين التي تنص بوضوح على الحق في البيئة كأحد حقوق الإنسان الأساسية، وتلقي على عاتق الدولة واجب احترامه والعمل على تحقيقه».
بَيدَ أنه في مقابل ذلك نرى انه ينبغي الاعتراف أيضاً بأن هناك فواصل وحدوداً بين الحق البيئي كواقع وحقيقة قائمة وثابتة، ومسألة الإقرار والاعتراف بوجوده في المسوغات القانونية والأعراف الدولية والوطنية، فالحق في البيئة لا يقرر حقيقة وجوده واقع الاقرار أو الاعتراف به فحسب، بل ينبغي أيضاً الاعتراف بأنه واقع وحقيقة قائمة يقترن وجوده بشكل عضوي وفعلي بوجود الانسان على البسيطة.
معالجة جوهر مضمون الحق البيئي ينبغي من جانب آخر ان يقترن بإبراز الآثار السلبية لمظاهر حقائق التعدي على المعالم الرئيسة للنظام البيئي كمصدر رئيس للحياة، والبقاء في الإخلال بمقومات الحق والأمن البيئي للمجتمعات، مع الأخذ في الاعتبار أن التعدي على حقوق المجتمعات المحلية والسكان الأصليين البيئية وممارسة مختلف أشكال المصادرة وحرمان تلك المجتمعات من حقها في الاستفادة من تلك الموارد يندرج ضمن سياق مراحل تطور المجتمعات ورغبة بعض الجماعات في السيطرة على الموارد في إطار استراتيجية تعزيز واقع قدراتها المادية، بَيدَ أن هذه العملية تصاعدت وتيرتها في أواخر القرن الماضي متخذة أشكالاً ومنعطفاً غير إنساني في التعدي على البيئات الطبيعية في البلدان المختلفة والتي طالت مختلف النظم البيئية والإخلال بتوازنها الطبيعي ما عمق من واقع تزايد رقعة المحرومين، وإفقار قطاعات اجتماعية واسعة وتعريضها للمخاطر والأضرار الصحية والبيئية.
محددات ثوابت المعالجات والمرئيات المختلفة في شأن مقومات الحق البيئي على رغم اختلافها في تشخيص طبيعة الركائز الرئيسة لذلك المبدأ الانساني فإنها في مجملها تؤكد جوهر مضامين قيم الحق البيئي وتشير «باربرا روز جونستون» في بحثها «التدهور البيئي والتعدي على حقوق الإنسان» ضمن كتاب «من يدفع الثمن؟ - الاطار الثقافي الاجتماعي للأزمة البيئية» إلى أن «الحق في الصحة والحياة الكريمة والعمل والصحة المهنية؛ والحق في مستوى معيشي وافٍ بالمطلوب، والتحرر من الجوع، وفي طعام كافٍ ومغذّ ومسكن لائق، وفي التعليم والثقافة والمساواة والابتعاد عن التمييز، وفي الكرامة والتنمية المتناسقة للشخصية، والحق في الأمن للنفس وللأسرة، والحق في السلام والحق في التطور أو التنمية كلها حقوق أكدتها المواثيق الحالية للأمم المتحدة. وتمثل هذه الحقوق مثلا أعلى تناضل الحكومات في سبيل توفيرها لمواطنيها – وهي متطلبات حياتية أساسية وحق لبني البشر كافة، وتعتمد جميع هذه الحقوق في شتى صُعُدها على البيئة».
ويؤكد أحمد عبدالكريم سلامة أن الحق البيئي «سلطة كل انسان في العيش في وسط بيئي متوازن وسليم والتمتع والانتفاع بموارد الطبيعة على نحو يكفل له حياة لائقة وتنمية متكاملة لشخصيته، دون إخلال بما عليه من واجب صيانة البيئة ومواردها، والعمل على تحسينها وتنميتها، ومكافحة مصادر تدهورها وتلوثها».
الحقيقة التي ينبغي تأكيدها هي أن مؤسسات الحق البيئي مؤكدة في قيم الموروث والثقافة الانسانية، وتمثل جوهر مبادئ القوانين الدولية في الشأن الانساني والبيئي وفي قواعد النظام الدستوري والتشريعات الوطنية، بَيدَ أنها في حاجة الى توافر الإرادة السياسية لتمكينها من أن تكون واقعاً ملموساً في تنظيم الحياة الإنسانية وتعزيز منظومة الحقوق البيئية للمجتمعات.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4766 - الخميس 24 سبتمبر 2015م الموافق 10 ذي الحجة 1436هـ