العدد 4764 - الثلثاء 22 سبتمبر 2015م الموافق 08 ذي الحجة 1436هـ

أزمة اللجوء وغطرسة الغرب

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كتب أمين معلوف مرة: «ما يجري أمام عيوننا بداية هذا القرن ليس اضطراباً عادياً، إنه الاضطراب المؤسس، ذاك الذي سيهز ضمائرنا وعقولنا كي نخرج أخيراً من عهد سابق للتاريخ مفرط الطول؛ لكنه قد يتبدى هداماً، مفكّكاً، ويكون مقدمة لتقهقر شاق»، وتساءل: هل سنعرف كيف نجعل الشعوب المختلفة من حيث الدين واللون واللغة والتاريخ والتقاليد التي اضطرها التطور أن تتجاور وتتدانى، قادرة على العيش معاً في سلام وانسجام؟ الجواب لايزال حتى اليوم غير أكيد، ويضيف بأن صراع الحضارات ليس نقاشاً حول مزايا ابن سينا، والكحول والحجاب، أو النصوص المقدسة، إنما هو زوغان كروي نحو كره الأجنبي، والتمييز العنصري والتنكيل الإثني والمجازر المتبادلة، أي نحو تآكل كل ما يشكل الكرامة الخلقية لحضارتنا الإنسانية».

مناسبة الاقتباس، الحالة التي نقلنا إليها الإعلام مؤخراً من مشاهد الرايات السوداء والقتل والذبح والدمار على الهوية إلى مشاهد اللجوء وأزمة اللاجئين. فظاهرة اللجوء ليست وليدة اللحظة حتى وإن ألهبت صورة غرق الطفل الكردي «إيلان» الغرب وأيقظت ضميره في حالة إنسانية يقف المرء حائراً إزاءها في ظل تنامي التوحش الإمبريالي والعدوان الصهيوني والاستبداد والدكتاتوريات التي تساهم مجتمعة بإشعال الحروب الطائفية والإثنية المباشرة أو بالوكالة، وتتسبب بإفقار الشعوب وبؤسها وإذلالها والدفع بهم للهجرة.

أعلنت المفوضية الأوربية لللاجئين بيانات صادمة وخطيرة كشفت عن تفاقم ظاهرة الهجرة لأوروبا: أكثر من «430 ألف» مهاجر ولاجئ عبروا البحر المتوسط، غرق ما لايقل عن «2750» في البحر وفقد أثرهم بعد تعرضهم للنصب والاحتيال من عصابات التهريب، وعدد كبير منهم عالقون في الحدود. اللاجئون ليسوا سوريين فقط، فهناك الفلسطينيون والعراقيون والسودانيون والليبيون والأفغان والأريتريون والنيجيريون والصوماليون ومن دول شمال إفريقيا، وتبعاً للمفوضية أكثر من 4 ملايين سوري خارج بلادهم يتوزع أكثرهم في لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر.

يصف محللون الموقف الأوروبي تجاه اللاجئين «بالسقوط الأخلاقي» لاسيما بعد فشلهم في توحيد قوانين اللجوء إذ تعتمد كل دولة قوانينها وتغيرها بمزاجها، سويسرا مثلاً لا تقبل الهاربين من الخدمة الإلزامية كالاجئين، كما يفتقدون لسياسة مشتركة وموحدة لإدارة أزمة اللاجئين وضبط مسار لجوئهم وتنظيمه واختلافهم حول تقاسم الأعباء وإنشاء قوة مراقبة للحدود، ما يعني ببساطة أن أوروبا تعاني انقساماً وموقفاً متذبذباً تجاه الهجرة وكيفية التعامل معها.

من ناحية ألمانيا وفور إبداء رغبتها استقبال مليون لاجئ سوري، بدأت حملات التطوع واستقبال اللاجئين في محطات القطارات لتقديم المساعدة وتوجيههم لمراكز الاستقبال المؤقتة، ترافق ذلك بتصريحات تبين السبب الحقيقي وراء الترحيب بهم، فقد أكد رئيس اتحاد الصناعات الألمانية «إذا ما تمكنا من إدخال اللاجئين سريعاً في سوق العمل، فسنساعدهم ونساعد أنفسنا»، لم لا وخبراء الاقتصاد خططوا منذ فترة لاستقدام عمالة المهاجرين ومؤسسة «بروغنوس» تتوقع نقصاً في العاملين بجميع القطاعات الاقتصادية بمقدار «1.8 مليون» عامل حتى 2020 خصوصاً مع ارتفاع نسب المتقاعدين وعدم تغير الوضع الديمغرافي، وبالتالي فالسوق بحاجة لتوظيف مئات آلاف من الأيدي العاملة غير المتخصصة والرخيصة والاستفادة من الكفاءات والخبرات الجاهزة وهذا يفسر مطالبات أرباب العمل بتسهيل الإجراءات أمام اللاجئ الكفؤ. بالمقابل ثمة تقارير تشير لحاجة أوروبا إلى «13 مليون» عامل سنوياً، ومع ذلك «فأنجيلا ميركل» متذبذبة وتواجه ضغوطاً سياسية من بعض الأحزاب التي اعتبرت تسهيل إجراءات اللجوء قراراً خاطئاً، الأمر الذي دفعها لتعليق العمل باتفاقات «شنغن» باعتبار وصول ألمانيا للحد الأقصى في قدرتها على استقبال اللاجئين.

من جهتها الحكومة البريطانية وبعد انتقادات شديدة أعلنت عن استقبالها «15 ألف» لاجئ سوري وأنها ستستخدم جزءاً من موازنة المساعدات الخارجية لتأمين نفقات إيواء اللاجئين. فرنسا بينت استطلاعات الرأي فيها بأن «56 في المئة» من الفرنسيين يرفضون استقبال المهاجرين، وزعيم حزب الجمهوريين «نيكولا ساركوزي» أيد إنشاء مراكز احتجاز للاجئين في شمال إفريقيا وصربيا وبلغاريا، والنظر فيما بعد بمنحهم اللجوء السياسي قبل دخولهم مجال «الشينغن»، فيما أعلنت المجر وسلوفاكيا وبولندا وجمهورية التشيك رفضها استقبال لاجئين مسلمين على أراضيها معتبرين هذا اللجوء «غزواً إسلامياً»، وحذر رئيس حكومة المجر «بأن الهوية الأوروبية مهددة بسبب اللاجئين، وأن المجتمع المسلم لا يريد الاندماج في المجتمعات الغربية، وإذا تركنا المسلمين في قارتنا، سيصبحون أغلبية وستتغير الخريطة الديمغرافية... أنا لا أتحدث عن الدين ولكن عن القيم والثقافة ونمط الحياة والعادات والتقاليد وحرية التعبير والمساواة بين الرجل والمرأة» ومضت المجر في بناء سياج على طول حدودها مع صربيا لمنع تدفق المهاجرين، أما التشيك فرفضت فرض الاتحاد الأوربي حصصاً إلزامية من المهاجرين، وشهدت بولندا أضخم التظاهرات ضد المهاجرين وتنامي الإسلام في القارة العجوز. وبشكل عام أحزاب اليمين الأوروبي تجيّش التشدد لأغراض انتخابية وتستفز النزعة الوطنية والعصبيات القومية وتعبئ الرأي العام ضد أسلمة أوروبا وتهديد وحدتها، إذ تعتبر ظاهرة اللجوء اجتياحاً بطيئاً لمجتمعاتها، كما تخاف أن يكون بين المهاجرين مؤيدون لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ولهذا تدعو إلى تشديد قوانين الهجرة والحد منها.

وعليه، يبدو الموقف الأوروبي مضطرباً وسجالياً يثير التساؤلات حول مسئولية الغرب وحاجاته إلى أيدي عاملة، ومخاوفه تجاه تغير هوية أوروبا، لاسيما وهناك من يعتقد أن أسباب تهجير السوريين مصطنعة ومرتبطة باستمرارية الحرب وعدم استقرار المنطقة والتوصل إلى حل سياسي، فضلاً عن استخدام اللاجئين كأداة ضغط سياسية وخصوصاً هناك من سلط الأضواء على الدور التركي المحوري في الأزمة كون تركيا محطة عبور من الشرق للغرب ووجود اللاجئين فيها يقلقها ويهدد هويتها ويسبب لها تضارب مع عمالتها المحلية ويثير غضب الشارع بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات ويدفع تركيا باتجاه التقوقع القومي وإلقاء المشكلة على أوروبا، ومنه فتسهيل مرور اللاجئين برأي بعضهم جاء لتخفيف الضغط على المواطن التركي والضغط على أوروبا لإيجاد حل للأزمة السورية ما يعني استخدامها لملف اللاجئين لإعادة خلط الأوراق وفرض «المنطقة الآمنة».

الخلاصة تكمن في المفارقة الأهم حول التساؤلات التي أثارها الإعلام الغربي بشأن غياب أي دور للدول العربية والإسلامية ومسئوليتها ومساهمتها في حل أزمة الهجرة، وقد جاء الأقسى فيما كتبه «روبرت فيسك» في «الإندبندنت البريطانية» بما يشبه التندر والسخرية عن سبب حرص المهاجرين على «التوجه إلينا، نحن الكفار، طلباً للمساعدة بدلاً من الذهاب إلى دول المنطقة الثرية... إن من بين ملايين اللاجئين السوريين فضّل مئات الآلاف عدم التوجه إلى لبنان وتركيا والأردن، بل الابتعاد أكثر في قوارب لمناطق أخرى غير الأرض التي عاش فيها نبي الإسلام ونزل عليه فيها القرآن... اللاجئون لا يقتحمون شواطئ البحر الأحمر طلباً للجوء والحرية... إن الدافع وراء ذلك هو أن المهاجرين لديهم معرفة كافية بأوروبا وتاريخها، ويعرفون أنه برغم ماديتنا وضعف تديننا لاتزال فكرة الإنسانية حية في أوروبا». حقاً إنسانية؟! لكن المغترب «أمين معلوف» خلص إلى نتيجة مفادها: «بأن البربرية في الغرب ليس قوامها التشدد والظلامية، بل الغطرسة وقساوة القلب».

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4764 - الثلثاء 22 سبتمبر 2015م الموافق 08 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:54 ص

      كأن المشيئه

      ارادت للغرب ان يحل بها مافعلوه في بلداننا على ايدي من هجروهم ولا يحيق المكر السيئ الا باهله.

اقرأ ايضاً