حين ذكّرني أحد الزملاء بموعد عرض مسرحية «رجل وامرأة»، الأسبوع الماضي، سألته عن موضوعها فقال إنها أول مسرحية تتناول قضية اجتماعية يقدّمها مسرح «الصواري». فقلت في نفسي: أيعقل أن يحشد هذا المسرح قواه لتناول قضية عدم الإنجاب؟
المسرحية تدور حول قضية زوجين، لم ينعم الله عليهما بالإنجاب، فيعيشان حياةً خاليةً من الأطفال، وتعيش الزوجة سنوات وهي تصارع الرغبة في الأمومة وإشباع هذا الجانب الفطري في حياة كل أنثى. وينتهي بهما المطاف إلى مراجعة الطبيب الذي يعدهما بالحل: اللجوء إلى طفل الأنابيب. لكن نكتشف بعد نجاح العملية أن الطفل المقبل سيكون مشوّهاً، ويعيش الزوجان صراعاً عنيفاً، بين الأم التي تريده مهما تكن درجة تشوّهه، والزوج الذي يريد التخلص منه قبل ولادته.
هذا ما تقوله المسرحية على مستوى القشرة الخارجية، أما في العمق فتترك لك عملية تفسير هذا الصراع على مستوى اجتماعي، في بلدٍ هو من أصغر بلدان العالم، وشعبٍ من أشدّ الشعوب توقاً إلى الحرية والعدالة والمساواة، لكنه فشل في حماية وحدته الداخلية في الفترة الأخيرة فتمزّق نسيجه الاجتماعي، على رغم ما مرّ به من تجارب نضالية قبل وبعد الاستقلال.
المسرحية احتوت على ثلاثة أدوار فقط: الزوج والزوجة والطبيب، وفضاء المسرح مزدحمٌ بالساعات المعلّقة المختلفة التوقيت، فكل ساعةٍ تغنّي على ليلاها، في لعبة ضياع بالزمن. أما هذه الأسرة فلم تنجح في تأسيس بيتٍ دافئ يجمع الطرفين، فبقي البيت في مرحلة التأسيس، فلم ترتفع القواعد عن مقدار قدم واحد. كان الممثلون يتحرّكون بين جدران لا يزيد ارتفاعها على «طابوقة» واحدة.
الطبيب يعِدهما بالحل للخروج من المأزق الوجودي، لينتقلا إلى حياة جديدة مليئة بالسعادة والأمل. وتعيش الزوجة أحلام يقظةٍ بوصول الطفل الذي انتظرته 20 أو 25 عاماً، وحين يطلب منهما التبرع بالدم لأن الجنين يحتاج إلى كميةٍ كبيرةٍ منه، تعرب الأم عن استعدادها للتبرع بأية كمية يحتاج إليها. إنها مستعدةٌ (وهي تمثل طرفاً) لعطاء الدم بلا حدود. أما الزوج (الطرف الثاني) فيتردّد، بحجة أنه لا فائدة من المولود حين يكون مشوّهاً، فليس هذا ما كنا ننتظره لعقود. وعندما حان الوقت يولد مشوّهاً، وحين يحتجان على الطبيب يجيبهما: أنا ضمنت لكم الحمْل، لكني لم أضمن لكم أن يولد سليماً، فذلك خارج اختصاصي. لقد أنهيت مهمتي بنجاح.
إنها ليست مشكلةً اجتماعيةً تتعلّق بالعقم وعدم الإنجاب، بل مشكلة وجودية، تعيشها المجتمعات المنكوبة في الشرق، حيث تعاني من العقم الحضاري والضياع السياسي والفراغ المديد. وهو ما تكشّفت عنه أوضاع الربيع العربي فيما نشهده من قتل وتدمير، وسجناء ولاجئين، بعد الانقضاض على حركات وآمال الشعوب العربية التي خرجت في العام 2011 تطالب بحقوقها وحرياتها، واستعادة كرامتها؛ لتعيش مثل بقية شعوب الأرض، وانتهى بها المطاف إلى حالات الإجهاض، وولادة مثل هذا السقط: «داعش» وأمثالها.
إنه العقم السياسي الشامل والخروج التام من التاريخ. لم تحكِ المسرحية قصة معاناة «رجل وامرأة»؛ لعدم قدرتهما على إنجاب طفل، وإنما روت قصة فشلنا في تأسيس وطنٍ للجميع.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4764 - الثلثاء 22 سبتمبر 2015م الموافق 08 ذي الحجة 1436هـ
انه عقم السياسة العربية
إنه العقم السياسي الشامل والخروج التام من التاريخ. لم تحكِ المسرحية قصة معاناة «رجل وامرأة»؛ لعدم قدرتهما على إنجاب طفل، وإنما روت قصة فشلنا في تأسيس وطنٍ للجميع.
احسنت
موضوع جميل وربط المسرحيه بالواقع اجمل.. نعم منذ عقود في المحاولات لم يستطع احد للاسف على ان يتفقوا بشيء بل انهم ركزوا على ماهو مختلف ولم يتعبوا انفسهم بالنظر الى المتشابه او المتفق عليه بين الاطراف جميعا
الحمد لله
مقول الحمد لله ان الله حفظ البحرين ماصدنا مثل سوريا واليمن
انها الأنانيه وحب الدنيا المطلق
حب الذات حب النفس كره الآخر حب الشهوات حب الكرسي التسلط الافلات من الحساب والعقاب اللتي تعمي وتجعل غشاوه على قلب من ابتلي بهذه الصفات وبالتالي تنعكس على المجتمعات بالصوره السلبيه اللتي نعيشها اليوم وصدق الحديث القدسي الشريف حيث قال: (يابن آدم أصلح مابينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس ) بقدر التزامنا بنهج الله تكون سعادتنا.
sunnybahrain
السلام عليكم ،،سيد قاسم ،،وكما عودتنا دائما ،،مواضيع ذكيه ،،وسرد واعد ،شكرا لكم ،، بس بعد من اذنك رايح اشرب شاي ،،السلام عليكم .
فشلنا في بناء وطن
ونجحنا في بناء السجون