العدد 4764 - الثلثاء 22 سبتمبر 2015م الموافق 08 ذي الحجة 1436هـ

سياسات بوش وأوباما قادت البلاد لتكون بؤرة كراهية من العالم

جيمس رايزن في كتابه «ادفع أي ثمن»...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

انتهى الجزء الأول من استعراض لويز ريتشاردسون لكتاب «ادفع أي ثمن» لجيمس رايزن، في صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بالقول، أثبتت وكالة الاستخبارات الأميركية بأنها أكثر سذاجة من المديرين التنفيذيين في كل من «هوليوود» ولاس فيغاس، اللتين رفضتا الاستثمار في التكنولوجيا التي ادّعى التوصل إليها مونتغمري، تلك المتعلقة باكتشاف يُمكِّن من فك شفرات منظمة «القاعدة». وما اصطلح عليه بـ «مزيج من قانون السرية» في الحرب الظاهرة على السطح بين البيروقراطيين وأصحاب الطموح الشخصي، وما تأكَّد من أن ادِّعاءات مونتغمري لم يتم اختبارها، وشقَّت طريقها من خلال صفوف المخابرات وصولاً إلى المكتب البيضاوي. حتى بعد أن تم كشف مونتغمري تظاهرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأنها لم تتورَّط في الأمر، فيما أبقت وزارة الدفاع العمل معه، وحاولت وزارة العدل من جهتها منع أي معلومات عن هذا المخطَّط من أن يخرج إلى العلن.

نذكِّر أن المعلومات التي كشفها رايزن لا تتعلَّق فقط بالأرقام التي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات. هنالك سياسات فاسدة ومندفعة وخرقاء، قادت البلاد إلى أن تكون بؤرة كراهية العديد من دول العالم.

استطاع رايزن بأسلوبه بلوغ مراميه بالتفصيل الذي يرسمه بدقة، جعل قراءة الكتاب وكأنه فيلم إثارة يصعب تصديقه. المأساة هي أنه مهما بدت المعلومات التي اكتنز بها الكتاب غير قابلة للتصديق، إلا أنها تُظهر في نهاية المطاف أنها صحيحة. هناك الكثير مما يمكن أن يولِّده كتاب «ادفع أي ثمن» من سخط. على سبيل المثال الـ 39.5 مليار دولار، التي ذهبت إلى المتعهِّد الخاص (KBR)، على رغم ما يبدو أن محاسبة عارضة قد تمَّت بشأن العقد والأعمال غير المطابقة للمواصفات، تلك التي يُمكن أن تعرِّض صحة الجنود الأميركيين إلى الخطر، وربما تكلِّفهم حياتهم.

4 تريليونات كلفة عقد من الحرب

ثم هنالك دور لعَالِميْ النفس جيمس ميتشل، وبروس جيسين، في تبرير التعذيب؛ فضلاً عن الجُبْن الذي ظهرت عليه الجمعية الأميركية لعلم النفس بتوفيرها الغطاء لمثل تلك التصرُّفات. ناهيك عن انتهاك الحق في الخصوصية من قبل وكالة الأمن القومي؛ وتظل هناك قصص لأبطال عنيدين وسْط كل ذلك، كان لهم دور بالوقوف في وجه مثل تلك التجاوزات. قصص لأناس عاديين مثل ديان رورك وستيفن كافلين، اللذين حاولا - وأخفقا عموماً - حضَّ الآخرين على القيام بالموقف الصحيح.

في الوقت الذي يبدو فيه الكتاب مثيراً للإعجاب بشكل كبير، فإنه يحوي بعض نقاط الضعف، وسأذكر ثلاثة. رايزان أبدى بوضوح ومنذ البداية بأنه يعتمد على العديد من المصادر المجهولة. لا بأس. لكنه يعتمد أيضاً على العديد من المصادر المتاحة، بينما نجد من النادر قيامه بتسميتها. يقول، على سبيل المثال: «خلص تقدير في العام 2012، إلى أن عقداً من الحرب كلَّف الأميركيين تقريباً 4 تريليونات دولار» لماذا لم يوفر مصدراً لهذا التقدير، كما هو الحال مع بقية المصادر التي تم ذكرها في الكتاب؟ ذلك من شأنه تمكين القراء من تقييم موثوقية المصدر، وإجراء المزيد من الأبحاث من تلقاء أنفسهم.

نقطة ضعف أخرى هي أن رايزن، في استيائه واختياراته لبعض تلك المصادر لا يجعل الفروق واضحة، تلك التي يمكن استخلاصها، ومن بينها ما تقف عليه من وصف للفاسدين، من الأقلية وصور الجشع التي تبدو في تناولها بأنها مجرد سخط أخلاقي. ويشير بحق إلى أن قادة شركات صناعة الأمن هم الرابحون الحقيقيون من الحرب على الإرهاب. انه يسمِّيهم «الأعضاء الجُدد في حكومة الأقلية».

الطائرات من دون طيَّار

من المؤكَّد أن شركة جنرال أتوميكس، التي تُنتج طائرات من دون طيَّار تلقت في العام 2012، 1.8 مليار دولار من العقود الحكومية، وقد استفادت مالياً من تلك الصفقة (أنتجت الشركة «إم كيو - 9» أو «إم كيو - 9 ريبر»، وهي طائرة من دون طيَّار كانت تُسمَّى من قبل بريداتور بي Predator B. وهي مُصمَّمة على أساس إم كيو - 1 بريداتور؛ ولكنها أكبر منها بكثير لغرض استخدامها أيضاً كقاذفة للصواريخ في القتال. وهي تستخدم في سلاح طيران الولايات المتحدة وفي سلاح طيران المملكة المتحدة في ضرب مواقع في أفغانستان)؛ ولكن يصعب أن تكون الشركة مسئولة عن ذلك. سياسة الرئيس أوباما في استخدام طائرات من دون طيار وبقوَّة مُفرطة، تفتح الباب على الانتقادات لعدَّة أسباب وأوْجه، لكن الخلاف يجب أن يكون مع سياسة الحكومة وليس مع الشركة التي تصنع تلك الطائرات.

أخيراً، وفي حين أن رايزن يبدو ماحقاً في انتقاده لسفاهة جهات حكومية و «الدائرة الخالية من الرقابة» التي تديرها، يعترف بأن سبب ذلك يعود إلى أنها كانت مُستحوذاً عليها، لأن الكونغرس كان في حال هلع وإرباك، وأن الجمهور كان مجْلوداً بمخاوف غير مُبرَّرة من الإرهاب. وهو يشير إلى الدور الذي لعبه الخبراء تكريساً لأنفسهم بتعزيز تلك المخاوف، أثناء استدراج عقود الاستشارات المُربحة لصالحهم. لكنه لا يأتي على ذكر الصحافة. أنا أزعم أن الكثيرين في وسائل الإعلام كانوا على الأقل مذنبين كما هو الحال مع الآخرين في الكتابة بأسلوب مثير، سعياً وراء تعزيز القلق العام لدى الجمهور لتحقيق مكاسب خاصة. رايزن نفسه، والصحيفة التي يعمل لديها، هي استثناءات ملحوظة. تقدير الفساد الذي ولَّدته الحرب التي لا نهاية لها لا يشمل دور وسائل الإعلام المتواطئة، ولم يكن محسوماً في تناول رايزن.

جدَل لن ينتهي

في موازاة مراجعة لويز ريتشاردسون، تأتي مراجعة جيم مايز بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني 2015، في مجلة «الشئون الخارجية»، ذات النفوذ الكبير، والتأثير على مراكز القرار، لتبرز أهمية الكتاب الذي لم تنتهِ أهميته، والجدل الذي سبَّبه، على رغم مرور أكثر من عام على صدوره.

يرى مايز أن الكتاب يتضمَّن قراءة تنويرية لتداعيات الحرب العالمية على الإرهاب، والقوى المصاحبة لها... قراءة في الجشع والسرية التي اكتنفت حياة الأميركيين اليومية.

في أعقاب أحداث باريس وتحديداً مذبحة مجلة « تشارلي إبدو» الفرنسية، والجنون الذي رافق وسائل الإعلام، ذلك المتعلِّق بحرية التعبير وحرية الصحافة، يُصبح كتاب جيمس رايزن «ادفع أي ثمن»، واحداً من المفارقات، وربما يكون أكثر أهمية من الهدف الأصلي لكتابته، ذلك المتمثل في كشف انتهاكات السلطة الحكومية، تلك التي تميل إلى أن تكون متوارية عن الأنظار، بعيداً عن وسائل الإعلام الرئيسية.

أكثر ما يكتب عنه رايزن هنا، يتحدَّد في الجهود التي تبذلها الحكومة وأجهزتها المختلفة وأفواج تابعة لها، في محاولة للحفاظ على السرية التي تحيط بتحركاتها وجهودها لاستمرار حرب لا نهاية لها على الإرهاب، من أجل الحفاظ على دوران مكنة الأرباح الناتجة عن تلك الحرب.

استقراء لفضيحة سابقة تتعلَّق بوكالة المخابرات المركزية، تلك التي سلَّطت الضوء على سرية وتلاعب الوكالة في «الحرب على الإرهاب» في حقبة بوش تناولها رايزن في كتابه «دولة الحرب»، الذي أصدره في العام 2006، ويأتي كتابه «ادفع أي ثمن» الصادر في العام 2014، ليسلط الضوء على الكيفية التي استمرَّت فيها إدارة أوباما بإكمال السياسة التي اتبعتها إدارة بوش «إنجاز أوباما الكبير أو خطيئته الكبرى كانت دائماً الحفاظ على الأمن القومي للبلاد» كما كتب رايزن.

الاعتياد على دولة الحرب

علاوة على ذلك «أصبحت أميركا مُعتادة على كونها دولة الحرب الدائمة... وإنشاء مجمع للأمن في الداخل، زمن الحرب التي لا نهاية لها، أورثنا سرْداً مركزياً للحرب على الإرهاب، وحكايات مستجدَّة عن الجشع التأمت جنباً إلى جنب مع قصص من التعسُّف في استعمال السلطة».

ويركِّز كل فصل على مسار قصة أو قصتين مُحدَّدتين لتسليط الضوء على أنشطة تلك الأدوار الحكومية المُوغلة، وجهودها للحفاظ عليها بصمت. يتم عرض الشخصيات المُراوغة التي تمكَّنت من التزلُّف ببراعة إلى المتنفِّذين في واشنطن، إلى جانب أولئك الذين وقفوا ضد تيار الفساد، والسرية، والجشع والسلطة.

الأعمال... المال... والسلطة

يستكشف الفصل الأول الذي حمل عنوان «المنصَّات النقدية»، مليارات من الدولارات نقداً وُزِّعت في العراق خلال حرب العام 2003، والكثير من تلك الأموال تم فقدان أثرها، في حين تفيد تقارير بأن ما يقرب من ملياري دولار، وجدت طريقاً آمناً لتستقر في لبنان. واحدة من المشاكل الحالية القائمة التي يواجهها رايزن تكمن في طبيعة مصادره، وكثير منها لا يقوم بتحديده ولأسباب واضحة. أما بالنسبة إلى مليارات الدولارات التي اختفت، فعلى المرء أن يتساءل، كيف أن الكثير منها ذهب لتمويل الانبثاق الغريب لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المسلحة تسليحاً جيداً، بوحداتها المدرَّبة تدريباً مُحْكمَاً.

كما هو الحال مع كل الحروب، المال هو الموضوع في هذا الشأن. كانت عين «الأقلية الجديدة» على الشركات والأفراد المتورِّطين في حروب الطائرات من دون طيَّار (جنرال أتوميكس) وأبوغريب (CACI)، وتدريب الشرطة الأفغانية (دينكورب). القوة هي رديف المال.

يكتب رايزن «إن شبكة من العلاقات التي نشأت بين (موتلي رايس)، (مايك أسيموس)، (روزيتا)، وزارة الدفاع الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة مكافحة المخدرات، كلها تعمل بشكل كامل خارج العمليات الاعتيادية لجمع المعلومات الاستخباراتية للحكومة... لذلك تعتمد على الاتصالات الشخصية.

قصة «روزيتا» تبيِّن كيف أن بوش «وصل إلى ردِّ «الأمن القومي» على الإرهاب بدلاً من الاعتماد على خيار إنفاذ القانون... ولم يكن استخدام المحاكم أبداً هو الخيار». لكن القصة تُظهر أيضاً كيف «أن الطمع والطموح قد اقترنا بتدفقات لا حدود لها من الأموال» لقيام «عمليات استخباراتية مارقة مع إشراف ضئيل أو معدوم».

تستمر هذه التدفقات النقدية والقوة والطموح في الفصل التالي من الكتاب، فهنالك قصة «برنامج العمل السري الجامح» التي تؤكد «كيف أن الجشع واللهاث وراء الأموال، وكل ما يرتبط بذلك، يصبح في كثير من الأحيان الأهداف الرئيسية للحرب على الإرهاب».

ينظر رايزن إلى الالتفاف العرضي من قبل شركة KBR، وبما تثبته مصادره السرية بتورطها في «حالات من الغش في دائرة الحرب التي تم تحويلها إلى المحققين» أصبحت «KBR» «آلة المال الأكبر في الحرب على العراق»، مع «منجم من التعاقد على نطاق غير مسبوق»، و «احتكار فعلي للخدمات الأساسية»؛ الأمر الذي منح KBR «تأثيراً هائلاً ساعد بشكل حتمي على تشكيل مسار الحرب».

التعذيب وأمن الفضاء الالكتروني

يتعلَّق الموضوع الرئيسي في الجزء الثالث من الكتاب «حرب لا نهاية لها» بفصوله الثلاثة، بعدم احترام الإنسانية - عموماً - وما ينبغي أن تكون عليه المبادئ الإنسانية للتعامل مع القضايا المحلية وكذلك الشئون الخارجية. إنها ببسيط العبارة، قصة التعذيب، والأمن الداخلي، وأخيراً جهود وكالة الأمن القومي لتكريس نفسها كمركز لأمن الفضاء الإلكتروني في جميع أنحاء العالم.

الفكرة الأولى، تبحث في دراسة المبرِّرات والانتهاكات التي حدثت من أجل استخدام التعذيب، وتلك الفكرة سبق وأن برزت إلى السطح، ومؤخراً مع تقرير لمجلس الشيوخ يدين استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لمبدأ تعزيز الاستجواب. قصة رايزن تتقصَّى ذلك من خلال داميان كورستى، الذي وصف سجن أبوغريب قائلاً: «إذا كان ثمة مكان وُجد للشر في أي وقت مضى، فسيظل في أبوغريب. كل ما كان هناك هو الموت والموت المقيت. لقد عمد المكان إلى إحداث تغيير على كل من كان هناك».

يتناول الكتاب «تكتيكات الاستجواب»، إلى جانب تكتيكات التعذيب والتي «صُمِّمت أساساً لتحطيم رجال وإجبارهم على ضخ الأكاذيب والدعاية»، ولكن المحامين ادَّعوا «أنهم قاموا بانتزاع الحقيقة، وليس انتزاع الأكاذيب والدعاية. وفي عالم انقلب رأساً على عقب في حربه العالمية على الإرهاب، تم قبول التوضيحات التي قدِّمت على نطاق واسع».

نقف على عامل الخوف الذي تمتد معالجات رايزن له في الفصل الأخير من الكتاب، والذي حمل عنوان «الحرب على الحقيقة»، ويناقش الدور المتنامي لوكالة الأمن القومي وأمن الفضاء الإلكتروني. هي «قصة أناس حاولوا وقف برنامج التجسُّس الداخلي للوكالة... بالدور الذي لعبه المال والسلطة، والجشع.

ليس بعيداً عن الكتاب موضوع المراجعة، علينا تذكُّر كتاب رايزن «دولة الحرب»، والذي كان اشتغالاً على التاريخ الخفي والفضائح فترة إدارة الرئيس جورج بوش الابن. مروراً بأخبار الأمن القومي، وهو حصيلة تغطيات قام بها في صحيفة «نيويورك تايمز» على امتداد ثلاث سنوات.

يحتوي الكتاب أيضاً على إنكار الإدارة لقضايا استخدام التعذيب، والأسرار الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، وتأكد للإدارة وقتها أيضاً أن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل قبل شن الحرب عليه، وصولاً إلى أفغانستان.

أنهار من التدفقات النقدية استفادت منها أطراف بحجَّة الحرب على الإرهاب
أنهار من التدفقات النقدية استفادت منها أطراف بحجَّة الحرب على الإرهاب
باراك أوباما - جورج بوش الابن
باراك أوباما - جورج بوش الابن

العدد 4764 - الثلثاء 22 سبتمبر 2015م الموافق 08 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً