العدد 4762 - الأحد 20 سبتمبر 2015م الموافق 06 ذي الحجة 1436هـ

الطبيب بوصفه مريضاً نفسياً

لايزال الذهاب إلى طبيب نفسي وصمة في مجتمعاتنا، فعلى رغم رقي المجتمعات إلا أن المجتمع العربي لايزال متمسكاً بأفكار رجعية عن الأمراض النفسية، فترى المريض يفضل الذهاب لمعالج أو دجال ليقال عنه «مسكون بالجن»، أهون على قلبه من الذهاب إلى طبيب نفسي ليقال عنه «مجنون»!

ذوو المريض - في العادة - يتقبلون على مضض إصابة ابنهم بمرض نفسي، وإن تقبلوا الأمر فهم يريدون علاجاً مكوكي السرعة. ولكن ماذا سيكون الوضع إذا كان ابنهم المصاب طبيباً واستغرق سنين من عمره في دراسة الطب، ويرون فيه نوعاً من الكمال؟ بالطبع سيكون الأمر أشد تعقيداً وحرجاً على ذوي الطبيب وعلى الطبيب نفسه.

فالأمراض العضوية من السهل على الطبيب تقبلها؛ لأنها تصيب الغالبية، ولكن الأمراض النفسية ذات سمعة سيئة في مجتمعنا ومدعاة للحرج - وهي أفكار مغلوطة بالطبع - لذلك دائماً ما يكابر الأطباء المصابون بالمرض النفسي عن العلاج حتى لا تتزعزع نظرة المجتمع لهم، فكيف يقر الطبيب بالوقوع فريسة المرض والاعتراف بالضعف، وهو السلطان الذي يلجأ إليه الناس طلباً للشفاء!

وحول هذا الموضوع هنالك كتاب بعنوان «Doctors as Patients» أي «الطبيب بوصفه مريضاً»، قام بتأليفه طبيبان لهما اهتمام خاص بالصحة النفسية للأطباء، أحدهما كندي وهو الدكتور ميكائيل شوتر، والآخر أميركي وهو بيتر جونز. الجميل في الكتاب أنه يستعرض الكثير من الخبرات والقصص حول مرض الأطباء النفسي، وكيف باستطاعة الأطباء أن يعالجوا الطبيب المريض، وكذلك موظفي الصحة المهنية، وكيف يؤهل الطبيب نفسه ذاتياً للعب دور المريض وعلاج نفسه إن اقتضى الأمر في المستقبل.

إن ما يركز عليه هذا الكتاب الشجاع أمر في غاية الأهمية، فهذا ينبع من مسئولية الطبيب تجاه مهنته، فمن غير المعقول أن يمارس طبيب مهنة الطب ويكون مسئولاً عن مصير أبرياء، وهو غير كفء لهذه المهمة لمرض يلمُّ به.

لم نجد ترجمة عربية للكتاب، إلا أن استشاري الطب النفسي السعودي إبراهيم حسن الخضير تحدث عن الكتاب وقيمته في مايو/ أيار 2011 في صحيفة «الرياض»، وعرّب منه قصصاً عدة، منها أن طبيباً اسمه جونثان دراموند - ويب، كان نجماً صاعداً في سماء جراحة القلب عند الأطفال. ولد هذا الطبيب في مدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا وذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية العام 1995 لعمل زمالة جراحة القلب عند الأطفال، وفي العام 1997 حصل على زمالة أخرى. في مستشفى كليفلاند أصبح رئيس قسم جراحة ونقل القلب والرئتين. في العام 2001 أصبح رئيس جراحة الأطفال وجراحة القلب للأطفال للعيوب الخلقية في مستشفى الأطفال في أركانساس بعد ثلاثة أعوام من وصوله. وفي اليوم التالي لعيد الكريسماس انتحر هذا الطبيب من دون معرفة أي سبب. ولكن مدير المستشفى قال إن الدكتور دراموند - ويب كان من الأشخاص الذين يبحثون عن الكمال في عملهم وينظرون للجانب السلبي دائماً في أعمالهم، فبدلاً من أن يقول إننا نجحنا في 98% من عملياتنا فإنه يقول خسرنا 2% من عملياتنا!

وكذلك عرّب الخضير قصة يذكرها مؤلفا كتاب «الطبيب بوصفه مريضاً» حكاية طبيبة اسمها سيمونز تبلغ من العمر 29 عاماً، وتعمل طبيبة مقيمة في قسم الباطنة، وكانت تنوي أن تلتحق بقسم الغدد الصماء، وأرسلها الاستشاري الذي تعمل معه لطلب علاج نفسي لها بسبب أنها تواجه مشكلات في حياتها وتشعر بعدم السعادة في حياتها. حضرت إلى العيادة النفسية بخطاب تزكية من الاستشاري المسئول ورئيس قسم طب الباطنة ويُثني عليها وبأنها طبيبة ممتازة ومتميّزة في عملها. غير أن الطبيبة الشابة أصيبت بخيبة أمل، وعندما سألها الطبيب النفسي لماذا هي مكتئبة على رغم أن رئيس قسم طب الباطنة أثنى عليها بشكل غير عادي. كان ردها على الطبيب النفسي، بما أن رئيس قسم الباطنة لم يقل إنها أفضل طبيبة مقيمة، فمعنى هذا أنه لن يأخذها معه في قسم الغدد الصماء. ثناء رئيس القسم ليس كافياً بالنسبة للطبيبة الشابة، وجعلها تشعر بالكآبة، وهذا يدل على مدى الرغبة في الوصول إلى الكمال عند بعض الأطباء.

بالمعنى الصريح

ويؤكد السعودي الخضير من واقع خبرته وعمله، أن بيئة عمل المستشفيات فيه الكثير من المنافسة، وهذا يشكل ضغوطاً نفسية كبيرة على الأطباء، وهذا يشكل أحد العوامل التي قد تسبب اضطرابات نفسية وأمراضاً عقلية، بالطبع إذا أخذنا عوامل أخرى مثل الوراثة، والضغوط العائلية.

لذلك نصيحتنا في «الوسط الطبي» لأولياء الأمور، وللراغبين في الالتحاق بالطب، بأن هذه المهنة لا يستطيع الخوض فيها أي أحد، فلا يجب أن يجبر الأهل ابنهم على دراسة الطب بينما تكون سماته الشخصية أو قدراته العقلية غير مؤهلة لحمل تلك الضغوط المترتبة على المهنة.

يؤسفنا أن نرى شخصيات مختلفة من الشباب والفتيات يدخلون سلك الطب فقط لإشباع رغبات أهلهم، أو طمعاً في المسمى الوظيفي، على رغم كونهم شخصيات من شاكلة هستيرية، مغرورة، خجولة، أو حتى من الشخصيات المحبة لافتعال المشكلات داخل المجتمع، والتي لا نترجى منها خيراً بعد التخرج.

هذه كلمة صراحة نقولها في «الوسط الطبي»، ونتمنى أن تصل إلى أولياء الأمور والطلاب، وألا يتحسس منها أحد، فمسئوليتنا الاجتماعية تخولنا طرح مثل تلك الأمور، حتى وإن كانت حساسة الطرح في مجلة طبية.

العدد 4762 - الأحد 20 سبتمبر 2015م الموافق 06 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً