إعطاء أحدهم وعداً بشيء يعني أن تضع مصداقيتك في قارورة زجاجية قابلة للكسر في أية لحظة عندما تخون وعدك فتتناثر مصداقيتك وتهتز صورتك أمامه.
الوعد الذي لا ينجز هو مشروع اغتيال للمحبة حين يتكرر فعله، مشروع اغتيال للثقة التي هي أساس التعامل البشري السوي مع بعضنا بعضاً.
من يعد فلا يفي، يشبه في فعله من يكتب على الماء فيهيج بموجه ويمحو ما عليه، كمن يشيد أبراجاً عالية من غير أساس. أبراج على رمال متحركة قد تبتلعها في أي وقت.
في إخلاف الوعود ضرر لا يحتمله قلب من يشعر بالاستغفال؛ فحين يعطيك أحدهم وعداً بفعل شيء وهو على يقين أنه لن يفعل، فذلك يعني أنه يستغفلك، وأنه كذب عليك بنية مسبقة للكذب، وأنه يرى أنك أصغر من أن يفي بوعده إليك.
الكذب يهدم العلاقات، فمن الممكن أن تسامح أحداً على كذبة واحدة أو اثنتين - ولو أن الكذب من الأمور التي تثير الغضب والشعور بالألم الشديد - ولكن أن يتكرر الكذب من الشخص نفسه مرات عديدة وعلى الأمور ذاتها، فإن هذا يدعو إلى تهشم العلاقات وإضعافها؛ فالعلاقات الإنسانية لا تبنى إلا على الثقة، ومتى ما هدمت الثقة هدم كل ما سواها. في إخلاف الوعود كذب بغيض، لا يقبله عاقل ولا يرضى به محب، ومن المهم أن يعي كل فرد أن للمرء قدرة على التسامح قد تنفد مع مرور الزمن ومع تكرار المشكلة ذاتها.
يروى في التراث العربي أن اعرابياً غنياً سأل زوجته أن تطلب ما تريد قبل أن يسافر عنها سفره الأول في تجارة، فطلبت منه أن يأتيها بناقة ذات مواصفات معينة، وفي كل مرة كان الزوج يعود بكل أنواع البضائع والبهائم إلا تلك الناقة، وتكرر الأمر خمس مرات إلى أن ضاقت ذرعاً بكذبه المتواصل فقررت أن تغادر المنزل بعد أن سافر للمرة السادسة واعداً إياها أن تنال هذه المرة ما طلبت. نفذت المرأة ما قررت وذهبت إلى منزل ذويها وأخبرتهم بالأمر، وحين عاد الزوج لم يجد الزوجة في البيت وهي التي لا تغادر إلا بإذنه، فذهب يسأل عنها ذويها، لكنه فوجئ بأبيها يخبره أن ابنته ترعى ناقتها التي أحضرها لها قبل سفره. تعجب الزوج من الأمر وثار غضباً لأنه شك أن امرأته تخونه وأن رجلاً آخر أحضر لها الناقة المرجوة فعاد إلى منزله والغضب يملأ قلبه. وعندما حل المساء رجع إلى منزل والدها فلم يجدها أيضاً، فأخبره أن ابنته تخون زوجها وحكى له حكاية الناقة وكيف أنه لم يحضرها مع كل وعد من الوعود الخمسة على رغم أنه كان يجدها في السوق ويمتلك ثمنها.
هنا قال الأب للرجل الآن اعترفت أنك تعد فتخلف، وأنت تعرف أن من صفات الرجل الحق ألا يكذب أو يخلف وعده؟ إذن مادمت فعلت فلا زوجة لك هنا لأننا لا نزوج بناتنا إلا صادقاً يحترم وعده، وأخبره أنه هو من اشترى الناقة لابنته تعويضاً عن حرمانها وصبرها عليه.
يقول كعب بن زهير: « لشتان من يدعو فيوفِي بعهدهِ، ومن هو للعهد المؤكد خالعُ».
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4762 - الأحد 20 سبتمبر 2015م الموافق 06 ذي الحجة 1436هـ
في إخلاف الوعود ضرر لا يحتمله قلب ، كلمات اعجبت بها
الوعد الذي لا ينجز هو مشروع اغتيال للمحبة حين يتكرر فعله، مشروع اغتيال للثقة التي هي أساس التعامل البشري السوي مع بعضنا بعضاً.
من يعد فلا يفي، يشبه في فعله من يكتب على الماء فيهيج بموجه ويمحو ما عليه، كمن يشيد أبراجاً عالية من غير أساس. أبراج على رمال متحركة قد تبتلعها في أي وقت.
شكرا يا كاتبه
سبب مشاكلنا السياسيه والإقتصاديه والإجتماعيه هي عدم الوفاء بالعهد اللذي نحن عنه مسؤولون ولو بعد حين .اللهم اجعلنا ممن حدث فصدق ووعد فأوفى واؤتمن فأدى الأمانه .آمين.