إلى حد كبير، جاءت توجيهات جلالة العاهل بخصوص تحقيق التوافق بين كل من جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الإسلامي (أمل) مثيرة لاهتمام جميع الأطياف السياسية على إثر ما تمخض عنه اللقاء بين معالي وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، والأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي ورئيس كتلتها النيابية الشيخ علي سلمان، وهو اللقاء الذي نقل فيه الشيخ خالد بن أحمد رغبة جلالة العاهل في أن يتم التوافق بين الجمعيتين، الوفاق وأمل، لما يخدم البحرين وأهلها.
ولكن، كيف يمكن قراءة أبعاد هذا اللقاء؟ وما الذي يمكن أن نفهمه من تواصل عقد اللقاءات بين الوفاق وكبار المسئولين بالدولة، ومنها لقائا معالي وزير الديوان ووزير الداخلية مع (الوفاق)، بخصوص المتهمين في قضيتي كرزكان والمعامير بعد صدور العفو الملكي الكريم بالإفراج عن جميع المتهمين عدا المتهمون في حادثتي مقتل الشرطي ماجد أصغر علي (كرزكان) ومقتل شيخ رياض (المعامير)؟ ألا يشير ما طرحه معالي وزير الديوان الملكي إلى أنه (لن يتسنى) شمول العفو لأصحابها إلا بعد صدور الحكم وانتهاء موضوع الحق الخاص، وأن هناك عفوا مرتقبا بعد صدور الحكم؟.
ولعل أول قراءة لهذا اللقاء المهم، تتمحور على أن القنوات المفتوحة بين الرموز الدينية والسياسية، أو لنقل على الأقل، المتاح من القنوات بين الرموز وبين القيادة عبر الديوان الملكي كفيلة بأن تنهي الكثير من الملفات العالقة التي تلقي بظلالها على الأوضاع في البلد، وكما أسهم العفو الملكي الكريم وجهود الرموز الدينية والسياسية والناشطين في إعادة الهدوء والاستقرار إلى البلاد، فمن اللازم الحفاظ على هذا المكسب، وتقوية العلاقة بين الطرفين لما فيه مصلحة البلاد والعباد، وليس عيبا أن يتم تجاوز الماضي بكل تبعاته المرهقة، طالما أن هناك توجها مشتركا من القيادة السياسية ومؤسسات المجتمع والرموز لإنهاء حالة الاحتقان والتصادم... فكل من يعيش على أرض البحرين يهمه استقرارها، لكن لابد من العمل المنطلق من إيمان وقناعة بضرورة منح الطرفين الفرصة للتباحث والتواصل، وعدم رفع شعارات التشكيك والتخوين وعرقلة الجهود، وهي شعارات لا يؤمن بها إلا صغار العقول، من لا هم لهم سوى إشعال فتيل الفتنة والتأجيج.
لا يجب أن تتعرقل الجهود، مهما كانت المعوقات والموانع، بسبب الاتهامات (اللامسئولة) التي تصدر من البعض! فإن بادر رموز دينية وسياسية بالالتقاء بالمسئولين بالديوان الملكي، وصفهم البعض بأنهم (خونة)، وإن احجموا عن المبادرة وصفوهم (بالتخاذل وعدم الاهتمام بقضايا الناس وفقدان الشجاعة في مواجهة السلطة)، وإن توجه عالم دين أو رمز وطني للالتقاء بالقيادة لإيصال قضايا المجتمع، طرح البعض بأسلوب فج صغير، اتهامات الوقوف على باب السلطان وبالتالي فساد من ذهب... حتى لو كان ذلك الرمز يحمل هموم الناس وقضاياهم، وفي الوقت ذاته، يؤمن بعدم حرمة الذهاب إلى السلطان لما فيه صالح الناس!.
على أقل تقدير، يمكن اعتبار التوجيهات الملكية لتحقيق التوافق بين الوفاق وأمل أنها رسالة لها عدة مضامين، ولعل من أبرز مضامينها هو تقدير القيادة لهذين الكيانين، ولدورهما الفاعل والمؤثر في مسار الحراك السياسي في البلاد، كونهما يمتلكان قاعدة جماهيرية كبيرة، ولا شك في أن من بين المضامين أيضا التهيؤ لانتخابات 2010 وتمهيد الطريق لمشاركة قوية في ظل وجود أطراف (مقاطعة) لها احترامها ولها حقها في ذلك، وقد لا أكون مصيبا تماما إذا قلت إن المتهمين في قضيتي المعامير وكرزكان سيعودون إلى ذويهم، فاللقاءات الجارية ستؤتي ثمارها، والسلطة تدرك أهمية أن تنعم البلاد بالهدوء والاستقرار وطي صفحة الماضي، ولعلني أقرأ عبارة معالي وزير الديوان الملكي حين قال: «وكم كنا نأمل أن تخلو سجون البحرين من متهمين في هذا النوع من الجرائم التي ليست من طباع أهل البحرين»، على أن التواصل والتنسيق بين الرموز الفاعلة والديوان الملكي لن تواجه بالأبواب المغلقة، وهذا ما يأمله الجميع
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ