العدد 4760 - الجمعة 18 سبتمبر 2015م الموافق 04 ذي الحجة 1436هـ

طبقة أم اللؤلؤ وتجارة المحار قديماً في البحرين

موقع فرز وتنظيف المحار التابع لشركة Wonckhus في العام 1903 تصوير: (Nippa et. al. 2006) Burchardt
موقع فرز وتنظيف المحار التابع لشركة Wonckhus في العام 1903 تصوير: (Nippa et. al. 2006) Burchardt

تناولنا في الحلقات السابقة، العديد من القواقع الحلزونية، ولاحظنا مدى تنوع تلك الأنواع من القواقع من حيث الأسماء والاستعمال. وعلى عكس ذلك، فإن الأصداف البحرية ذات الصدفتين قليلة التنوع من حيث الأسماء والاستعمال. ومن مسميات الأصداف المعروفة الطبيش، وهي أنواع من عائلة Cardioidea، ومنها أيضاً، إفساگة، وهي أنواع من عائلة Pteriiodea، ويوجد هير، أي مغاص اللؤلؤ، يسمى هير إفساگة؛ وذلك لوجود هذا النوع من المحار فيه بكثرة. وهناك نوع يسمى الصَلصَلة أو الصَصَلة، وهي أنواع من عائلة Pectinidae، ويبدو أن الأصل هو الصلصلة؛ ففي اللغة الصلصلة هو التصويت أي إصدار الصوت، والصَّلْصُلُ، الْقَدَحُ الصَّغِيرُ. وما يميز أفراد هذه العائلة عن باقي العائلات أنها قادرة على الحركة والسباحة وذلك بفتح وإغلاق كلا الصدفتين الحجريتين بسرعة فيصدر عنها صوت، وربما منه اشتق الاسم. وجميع تلك الأصداف لا نعرف لها أي استعمال خاص عند العامة، وهي ليست من الأصداف المشهورة التي تؤكل.

يضاف إلى تلك الأنواع، مجموعة كبيرة من الأصداف ذات الصدفتين، وهي الأنواع التي تؤكل، وهذه الأنواع تجمعها العامة في البحرين تحت مسمى «أصگوع» (صقوع) أو «دَوَچ» (دَوَك). والدوك هو اسم عربي ورد في المعاجم وكتب اللغة لنوع من أصداف البحر، وهذه التسمية مشهورة في الخليج العربي، وتطلق بالخصوص على جميع أنواع الأصداف التي تنتمي لعائلة Veneridae. وأما أشهر أنواع الأصداف فهو المحار أو محار اللؤلؤ.

المحار وطبقة أم اللؤلؤ

يطلق اسم المحار، في الخليج العربي، بصورة خاصة، على الأصداف التي تنتج اللؤلؤ، وهي أنواع مختلفة، منها الزنية والصديفي وهو أفضلها. وهذه الأنواع من الأصداف لا تؤكل، فطعمها غير مستساغ. إلا أن شهرتها جاءت كونها تنتج اللؤلؤ. كذلك، فإنها اشتهرت كونها مصدراً لطبقة أم اللؤلؤ، وهي تلك الطبقة اللامعة اللؤلؤية اللون التي تغطي الجزء الداخلي لأصداف بعض أنواع الرخويات ومنها محار اللؤلؤ. وهذه الطبقة مازالت تستخدم في صناعة العديد من المنتوجات. وأشهر أنواع الأصداف التي استعملت طبقته اللؤلؤية هو محار اللؤلؤ وبالخصوص محار اللؤلؤ الكبير المعروف محلياً باسم «الصديفي» Pinctada margaritifera.

واستعمال هذه الطبقة اللؤلؤية ليس وليد العصر الحديث بل إنها استعملت منذ آلاف السنين، في الحضارات القديمة التي نشأت على سواحل الخليج العربي، وذلك في تصنيع أنواع خاصة من القلائد أو التمائم.

التمائم الصدفية

وأهميتها في الحضارات القديمة

التمائم ومفردها تميمة هو كل ما يعلق حول العنق كالقلادة ويكون الغرض منه دفع الشر أو الحفظ من العين، وقد اصطلح العديد من الباحثين في الآثار على القلائد التي تصنع من الأصداف اسم التمائم الصدفية shell amulets وذلك للاعتقاد السائد بينهم، أن هذه القلائد كانت تصنع لأجل طقوس معينة. إلا أن بعض الباحثين يطلقون عليها اسم القلائد الصدفية أو الخرزات الصدفية. وهذه التمائم الصدفية عبارة عن شكل معين يصنع من المحار ويربط بها خيط وتعلق عادة حول العنق، ويلبسها الرجال والنساء والأطفال بدون استثناء، وهناك نوع خاص من هذه التمائم تصنع بصورة خاصة من الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ (Beauclaire et. al. 2006). وهناك دلائل أثرية تشير لاستعمال الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ الكبير (أي الصديفي) في صناعة تمائم صدفية على سواحل الخليج العربي منذ الألف السادس قبل الميلاد؛ حيث عثر على عدد من التمائم الصدفية مشكلة على شكل أوراق نباتات وذلك في موقع Al-Buhais 18 في دولة الإمارات وموقع رأس الحمراء في سلطنة عمان (Beauclaire et. al. 2006).

وقد استخدمت التمائم الصدفية في حضارات وادي الرافدين، وفي حضارات مصر القديمة. هذا، وقد استعملت الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ لصناعة التمائم الصدفية في مصر منذ قرابة العام 4200 قبل الميلاد، وانتشر استعمالها في مصر القديمة في الحقبة 2040 - 1750 قبل الميلاد (Smith 2008, www.Theoysterman.blogspot.com). وبلاشك فإن للأصداف نوعاً من الأهمية الطقسية الاجتماعية في المجتمعات القديمة، وأكبر دليل على ذلك هو تصنيع منتجات تحاكي شكل الأصداف أو التمائم الصدفية مصنعة من معادن مختلفة وبالخصوص من الذهب والفضة في كل من بلاد الرافدين ومصر (Gensheimer 1984) و(Smith 2008). كذلك، فإن المصريين القدماء استعملوا التمائم الصدفية المصنعة من محار اللؤلؤ لمنع الشر أو الضرر وللتعافي من الأمراض (Andrews 1994, p. 43).

أما فيما يخص حضارة دلمون، فهناك ندرة في الدراسات التي نشرت حول التمائم الصدفية التي عثر عليها في القبور الدلمونية، ومن بين ما نشر حول تلك التمائم المميزة هو ما عثر عليه Higham في أحد القبور التي تعود لحقبة دلمون، والذي يقع شرق قرية بوري. وقد كانت التميمة عبارة عن طائر تم نحته من طبقة أم اللؤلؤ لمحار اللؤلؤ (During-Caspers 1980, p. 13)، وهي شبيهة بما عثر عليها في بلاد الرافدين.

تجارة المحار في البحرين

استعملت الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ في العديد من الصناعات منذ القدم، وقد اشتهرت البحرين، ودول الخليج العربي بصورة عامة، بتجارة أصداف محار اللؤلؤ في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ حيث استعمل المحار في عددٍ من الصناعات، مثل صناعة الحلي التي تتزين بها النساء، وصناعة الأزرار الفاخرة والغالية الثمن، وكذلك مقابض السكاكين وبعض الآلات الموسيقية، وصناعة الساعات؛ وذلك نظراً لألوانها الجميلة والجذابة. وقد كانت البحرين ولنجة وبوشهر، من أهم المراكز التجارية في القرن التاسع عشر لمحار اللؤلؤ في الخليج العربي، وقد كان المحار يصدر من هذه المناطق إلى أوروبا. هذا وقد صادفت هذه التجارة عدة أزمات، وحتى العام 1897 - 1898م كانت كثير من الشركات الأوروبية والوطنية تعزف عن الانخراط في هذه التجارة؛ حيث كثيراً ما يدخلها الغش. إلا أن هذه التجارة تحسنت كثيراً عندما تم إنشاء شركة ألمانية لتصدير المحار (Lorimer 1915, V. I: p. 2240).

يذكر أنه في العام 1901م، قام رجل الأعمال الألماني Wonckhus بتأسيس شركة لتصدير محار اللؤلؤ في البحرين (Nippa et. al. 2006, pp. 23 - 25). وتشير الإحصاءات إلى أن تجارة محار اللؤلؤ في البحرين تحسنت منذ ذلك العام، واستمرت في التحسن حتى العام 1905م (Lorimer 1915, V. I: p. 2254). ويذكر فؤاد الشكر على حسابه على الإنستغرام (@feshakar) أن هناك محلاً لهذه الشركة، يتم فيه فرز وتنظيف المحار قبل تصديره، وكان موقعه في رأس رمان وبالتحديد خلف بيت فاروق عرشي، وهو الموقع الذي صوره الرحالة الألماني Burchardt في العام 1903م.

الخلاصة

لقد تناولنا في سلسلة حلقات متصلة، القواقع والأصداف، التي تعتبر جزءاً من التراث البحري المجهول، الذي لم يتم تسليط الضوء عليه، واندثر جزء كبير منه، وبقي جزء آخر منه متناثر في الذاكرة الشعبية. ولقد لمسنا بوضوح كيف أن القواقع والأصداف تعتبر جزءاً مهماً من التراث الشعبي؛ فهي تدخل في عدة أمور، كالألعاب الشعبية (مثل الحالوسة والترتور)، وأسماء المناطق والعيون (مثل أم الحصم وأم الشويلي)، وفي التجارة (كتجارة اللؤلؤ والمحار)، وكذلك تدخل في دراسة التاريخ القديم كالمعتقدات والطقوس القديمة، وتدخل في ذلك أيضاً ذاكرة المرض.

العدد 4760 - الجمعة 18 سبتمبر 2015م الموافق 04 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً