مع مجيء الوافدين العرب الى بلدنا انتقلت الينا ظاهرة الكتابة على مركبات النقل الخاص، وهي ظاهرة تنطوي على الكثير من الدلالات، فهي من جهة تعبر عن ثقافة اهل البلد والمناخ الاجتماعي والثقافي السائد فيه، ومن جهة اخرى تعكس مزاج صاحبها وهويته وانتماءه، ثقافة الكتابة على السيارات والحافلات قديمة جدا وقد استخدمت منذ عرف الانسان وسائل التنقل البدائية، ولعلنا نراها اليوم منتشرة في دول العالم الثالث، في الهند وباكستان يتفنن السائقون في تزيين مركباتهم حتى لتبدو للرائي وكأنها معارض فنية متنقلة تذكر بغرف العرسان «الفرشة» في الهند والخليج سابقا، وقد تتبعت باحثة غربية هذه الظاهرة في لبنان ورصدت قبل سنوات مئات المركبات والحافلات وطاردتها وصنفت مناطقها ونوعية الكتابة عليها وانجزت كتابا ثقافيا جميلا عنها، وفي حين تمنع دول كثيرة متقدمة وعصرية هذه الظاهرة «العالمثالثية» بامتياز بوصفها مظهرا غير حضاري اذ ان من شأنها ان تنحو الى تجاوز القانون المروري او تحيد عن حدود الآداب العامة في التعبير او يجري توظيفها سياسيا في اوطان تحرم تعاطي السياسة.
ويذهب بعض السواقين بعيدا وعميقا في الالتحام بسياراتهم بل واعتبارها جزءا من ذواتهم، ولم لا؟ انها مصدر الحياة والحظ والبركة والاستمرارية، انها المكان الذي يقضي فيه السائق الوقت الاطول من عمره، واللافت ان الكثير من الآيات القرآنية والعبارات الدينية التي تزين المركبات تشي بعمق الدين في وجدان هذه الشعوب وتتمثل ذلك في توسل الرحمة والخشية من الأقدار واعتبار العمل رزقا من السماء «لطفك يا ستار» «اننا لا نسألك رد القضاء لكن اللطف فيه» الا ان الحسد هو الثيمة الاشهر في اغلب الحافلات التي تجوب شوارع العواصم العربية كالقاهرة وبيروت وبغداد وغيرها «يا رب احميها واحم من فيها» « يخزي العين» «يحميها الرحمن» «يارب اعطهم ما يتمنون لي» «دي قصة كفاح مش جاية بالمرتاح»، كما تتضمن الخوف من مخاطر الطريق والرغبة في الامن والامان «لطفك يا ستار» «راجعة بإذن الله» «سيري فعين الله ترعاك» «وصية اهلي، امشي على مهلي»، اما الشباب فنراهم اكثر عصرية وتنوعا في اختيار عباراتهم كما انهم اكثر استخداما للغة الانجليزية، وهنا تتجلى كلمات الحب والغزل والتعبير عن الضجر او الفرح السريع اللحظي و«حياة كووول» «لا احد يموت بريئا فالحياة تفسد الجميع»، ولأن هذه الكتابات تعبر عن تنوع الأمزجة والميول الشخصية المتنوعة لأصحابها فإن الراصد لها قد لا يجد نهجا واحدا يجمع هذه الظاهرة إلا ربما الاتفاق على ثيمة الحسد والخشية من فقدان الرزق.
قريبا ربما وفي ظل شح الوظائف وانحسارها وتهاوي الاقتصاد العالمي والمحلي وانخفاض اسعار النفط وعجز الموازنات وتصاعد الدين العام فقد نجد تحولا دراماتيكيا في بيئة الأعمال بمختلف اشكالها وقد تقتضي إعادة الهيكلة، والتخلص من أعداد الموظفين غير المنتجين أوتقليص رواتبهم أو تسريحهم من أعمالهم، نشوء مناخ اجتماعي ولغة مختلفة ومزاج نفسي مغاير للمألوف، وقد نرى كلمات وشعارات وأدعية تزين مكاتب ووزارت، وشركات تنطوي على التوجس والخوف والترقب من خسارة الوظيفة ومن المجهول القادم ومن أمزجة أرباب العمل في ظل وضع رجراج ووظائف غير آمنة وغير مستقرة وغير مضمونة.
إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"العدد 4760 - الجمعة 18 سبتمبر 2015م الموافق 04 ذي الحجة 1436هـ
كما انهم
يكتبون على مركباتهم .
لاتسرع يابابا , ماما تتزوج غيرك .