العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ

لا مفاجأة إيرانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل ألف عام قال الشاعر العربي المتنبي:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

بعد ألف عام لاتزال المقولة حاضرة. فالرياح الإيرانية جرت عكس ما تشتهي السفينة اللبنانية. لم تحصل مفاجأة في إيران. والمفاجأة كانت في احتجاج المتنافسين واتهام السلطة السياسية بالانحياز الواضح والفاضح للرئيس محمود أحمدي نجاد.

المتنافسون اتهموا السلطة بالتزوير والترهيب والوعيد والرشوة واستخدام المال العام وتوزيعه هبات وعطايا على الناخب الفقير والمسكين. وبغض النظر عن صحة أو دقة اتهامات المترشحين الفاشلين فإن أحمدي نجاد أصبح رئيسا لدورة ثانية. فالكلام عن تهديد «الحرس الثوري» وتحذيره من حصول «ثورة مخملية» في إيران. والكلام عن إعلان قوات «الباسيتج» حال الطوارئ ومنع الناس من التجمهر والاحتجاج والنزول إلى الشارع. والكلام عن منع وزير الداخلية المندوبين المنافسين من دخول مراكز الاقتراع للمشاركة في الإشراف على فرز أوراق صناديق الاقتراع... كل هذا الكلام لا وظيفة ولا قيمة سياسية له ولا يغيّر من الواقع شيئا. فالرئيس هو أحمدي نجاد.

المعنى الوحيد للتشكيك يتركز على نقطة واحدة وهي أن أحمدي نجاد هو خيار السلطة ولا يمثل إرادة الشعب... وغير ذلك يصبح الكلام مجرد ترهات في عالم مغلق يصعب اختراق رموزه وإشاراته. إذا كان أحمدي نجاد هو خيار السلطة فهذا قد يشكل بحد ذاته ذاك التعويض المطلوب نفسيا للمترشحين الفاشلين. أما إذا كان أحمدي نجاد فعلا هو خيار الشعب وأن إيران اختارت خطابه السياسي بغالبية تجاوزت نسبة 63 في المئة فمعنى ذلك أن المنطقة والعالم والمحيط الجواري أمام احتمالات مفتوحة يصعب التكهن بتداعياتها قبل مرور مئة يوم على تمديد فترة الرئيس لولاية ثانية. المئة اليوم عينة تعطى عادة للاطلاع والمراقبة حتى يمكن البناء عليها لتحديد اتجاهات الرياح وهل هي تجري لمصلحة السفينة الإيرانية أو ضدها.

بانتظار انتهاء فترة السماح الزمنية هناك توقعات يمكن رصدها في أكثر من مكان وعلى مستويات مختلفة دولية وإقليمية. والتوقعات المحتملة تتأسس على فرضيتين: الأولى أن خطاب أحمدي نجاد في ولايته الثانية سيتغيّر ويتبدل ويتعدل ليتناسب مع المتغيرات الدولية والإقليمية. الثانية أن خطاب أحمدي نجاد سترتفع حدته البخارية مستفيدا من تجديد ثقة الشعب (أو السلطة) به ما يعني أنه سيذهب نحو المزيد من العزلة والتشنج.

فرضيتان

الفرضيتان واردتان وبالتالي فإن الاحتمالات مفتوحة على خطوتين: إما الذهاب نحو التسوية وإما الاستعداد لمواجهة دولية كبرى تختلف شروطها السياسية عن عهد جورج بوش وتحديدا في فترته الثانية.

الخيار في النهاية تمتلكه القيادة السياسية الإيرانية مستفيدة في ذلك من التفويض الشعبي الذي أخذه أحمدي نجاد من صناديق الاقتراع وبدعم واضح من المؤسسات العسكرية والأمنية وغيرها من هيئات نيابية ونقابية.

الأمور حتى الآن موقوفة ولا يمكن التعاطي معها بعقلانية قبل التعرف على طبيعة الخطاب السياسي الذي سيطرحه أحمدي نجاد في فترة السماح الزمنية التي لا تتعدى مئة يوم.

بانتظار العينة الوقتية يمكن ملاحظة مجموعة قراءات بدأت تظهر ملامحها في الأفقين الدولي والإقليمي. الولايات المتحدة استبقت الأمور وسارعت دوليا إلى القول إنها تنتظر نتائج الانتخابات وبغض النظر عن الفائز فإن واشنطن ستتعامل معه ضمن الثوابت نفسها ومن دون تغيير. الرئيس باراك أوباما وجّه ضربة سياسية استباقية حتى لا يكون في موقع صعب في حال بدأ الاتصال بطهران في إطار «اليد الممدودة» والحوار الشفاف والمفاوضات المباشرة (وجها لوجه).

حكومة «إسرائيل» المتطرفة والمعادية لكل محيطها أجلت تعليقها حتى تنتهي عملية فرز الأصوات لتقول بوضوح إنها «قلقة» و«خائفة» من فوز أحمدي نجاد... وبالتالي فهي على حق من عدم إسقاطها للخيار العسكري ولذلك فهي تطالب الدول الكبرى بعدم الانفتاح على إيران وتقديم التنازلات لطهران.

يرجح أن تكون المخاوف الإسرائيلية مصطنعة وهي تشكل حاجة لحكومة يقودها بنيامين نتنياهو حتى يتكسب العطف والحنان من قوى أوروبية أخذت تضغط عليه للتراجع عن الأراضي المحتلة وتوقيف بناء المستوطنات. نتنياهو كان ينتظر فرصة للتغطية على تطرفه وإظهار حكومته أمام العالم بأن «إسرائيل» مظلومة وهي مهددة بالحرق والاقتلاع والدمار الشامل والإبادة الجماعية. وحين جاءت الذريعة سارعت حكومة تل أبيب إلى إطلاق مناطيد بخارية إعلامية بقصد شدّ الانتباه وكسب ذاك التعاطف الدولي الذي تحتاجه لمواصلة سياسة الاستيطان ورفض التجاوب مع التمنيات الأميركية (الأوبامية).

في النهاية الشعب الإيراني حدّد اختياره بغض النظر عن اعتراضات المتنافسين الفاشلين. كذلك حدّدت السلطة السياسية قرارها بغض النظر عن تلك التحولات الدولية والأميركية والإقليمية والجوارية التي أرسلت إشارات سياسية مرنة نسبيا وموضوعيا قياسا بالمرحلة الماضية.

أحمدي نجاد شئنا أم أبينا هو رئيس إيران لمدة أربع سنوات. فهذا هو قرار السلطة أو إرادة الشعب. يبقى السؤال عن خطاب أحمدي نجاد السياسي بعد التفويض الذي ناله بنسبة 63 في المئة؟ الأمنية هي أن يتعامل أحمدي نجاد بتواضع وعقلانية وهدوء واحترام مع النتيجة حتى يجنب إيران والمنطقة كارثة يمكن تجاوزها بذكاء وبخطاب تسووي (تصالحي). هل من مستجيب أم يتكرر قول الشاعر العربي تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً