العدد 4756 - الإثنين 14 سبتمبر 2015م الموافق 30 ذي القعدة 1436هـ

الصيني المُعَارض وي وي... من السجن إلى نجم في عالم الفن

افتتح معرضه في الأكاديمية الملكية بلندن ويستمر حتى 13 ديسمبر

وي وي: لا أذهب إلى الكنيسة وأعمل طوال الأسبوع
وي وي: لا أذهب إلى الكنيسة وأعمل طوال الأسبوع

أكثر ما يبعث على الحنق، هي العناوين القائمة على الإثارة للإثارة ذاتها؛ وخصوصاً تلك التي تقدِّم الحدث... الصورة... الشخصية في صورة معاكسة ومضادة لحقيقته. ذلك ما فعلته واحدة من كبريات الصحف البريطانية والعالمية: «الغارديان»، ونص عنوانها «آي وي وي... من (مجرم) إلى نجم في عالم الفن». لم يتم وضع الصفة... المفردة... النعت في تنصيص. نعْت مجرم؛ كي يكون القارئ في السياق. لائحة تهم الرجل تبدأ بحيازته مواد إباحية، وتعدد الزوجات، والتهرب الضريبي، ومخالفات تتعلق بتداول عملات أجنبية، ولم تتم إدانته في أي منها.

المحرر الفني بالصحيفة مايكل برودغير، وفي عدد يوم السبت (12 سبتمبر/ أيلول 2015)، كتب تقريراً تناول سيرة الفنان والمعارض الصيني الشهير آي وي وي. تقرأ التقرير الذي تضمن جانباً من سيرة الرجل فلا تقف على جرم يمكن أن يوصف به سوى أنه كان معارضاً شرساً وصلباً لسياسات الحزب الاشتراكي الحاكم في بلاده؛ ولو كان التقرير في صحيفة عربية، بقلم صحافي عربي، أو من الشرق تحديداً، ربما يتفهم القارئ التوظيف السياسي في موضوع الإثارة؛ حتى على مستوى المنصات والمنابر التنويرية؛ إذ هي في الشرق تمارس التجهيل والتعتيم، وخصوصاً ضمن هذه المساحة. العنوان في صحيفة غربية، ولم يكن العنوان بريئاً، وإن توخَّى الإثارة للإثارة ذاتها.

هل كان العنوان تهكمياً؟ لاشيء يدل على ذلك في ثنايا التقرير، الذي اكتنفه حوار تناول موضوعات متفرقة، تناولت تجربة سجنه، وبضع معارض فنية أقيمت له من دون أن يتمكن من حضور أحدها بسبب ظروف سجنه، تناول في الحوار رؤيته الفنية، واتخاذه برلين مقراً لمحترفه الفني، وكذلك معرضه في الأكاديمية الملكية في شهر سبتمبر الجاري.

بالنسبة إلى رجل قضى 81 يوماً في السجن دو توجيه أي تهمة له من قبل حكومة جمهورية الصين الشعبية في العام 2011، ونعني به هنا الفنان الصيني المعارض آي وي وي، الذي ظل اختياره لبرلين، كي تكون مقراً لمحترفه الفني، واحداً من الأمور الغريبة.

اختيار متاهة الأقبية

بدلاً من غرفة بيضاء ذات تهوية، مليئة بالإنارة، ذهب في اختياره إلى الاتجاه المعاكس: متاهة غير عادية عبارة عن أقبية تحت الأرض، هي بمثابة مخازن لتبريد الجعَّة». هذه المتاهة الغائرة بمساحتها الضخمة والتي تبدو عارية كونها مفتوحة، بما فيها من الطوب المُقبَّب، اتخذ منها وي وي حيزاً لمحترفه، ومخزناً لأعماله، وغرفة للطعام ومركزاً إبداعياً ، ومكاناً لإعادة التصنيع والتركيب لـ «آي» وفريقه. وفي الدير الكرتوزي الهادئ شبه المجوَّف، ينضح المكان بالشعور بالهدوء والسكينة، من دون أن يعني ذلك، الشعور بالحرية!

العاصمة الألمانية (برلين)، ستكون قاعدة انطلاق الأعمال الفنية لـ «وي وي»، أولاً لموقعها الجغرافي المهم في القارة الأوربية، ولأن شريكه وابنه البالغ من العمر 6 سنوات يقطن هناك.

وبمناسبة إطلاق سراحه من السجن قبل 4 سنوات، عمدت السلطات الصينية إلى حجز جواز سفره، وقد تم تسليمه إياه في شهر يوليو/ تموز 2015، لتكون برلين وجهته الأولى كشخص حر.

في السياق نفسه، وهو يقوم بجولته الأوروبية، قال وي وي في تصريحات صحافية، من برلين، إن السلطات الصينية وعدته بالسماح له بالعودة إلى بلاده عقب جولته الأوروبية. وأوضح لصحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية في عددها الصادر بتاريخ 5 أغسطس/ آب 2015، أنه لم تكن هناك أي شروط تقريباً لمغادرته الصين، وأضاف: «وعدوني أيضاً بأنه سيسمح لي بالعودة إلى بلدي، وهو ما كان مهماً جداً بالنسبة لي. قالوا أيضاً إنني إنسان حر».

ولدى وصوله هناك، استقبلته المدينة بتكريم لافت باعتباره فناناً/ ناشطاً في حقوق الإنسان والحريات، واتخذ الاستقبال الرسمي طابعاً ملكياً؛ إذ مُدَّت له السجادة الحمراء؛ حيث كان في استقباله عمدة المدينة، وعدد من أعضاء هيئة التدريس في جامعة الفنون.

برلين والأكاديمية الملكية

برلين ستكون أيضاً المكان الذي ستظهر فيه العديد من أعمال وي وي، وهنالك معرضه الذي بدأت فعالياته في الأكاديمية الملكية بالعاصمة البريطانية (لندن)؛ وهو المعرض الأول له في بريطانيا، التي منحته تأشيرة دخول لمدة 6 شهور في وقت سابق؛ ويشهد خلال معرضه جانبا من فعاليات أخرى مصاحبة له.

المعرض بدأ يوم الجمعة الماضية، ويستمر حتى 13 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. ومن هناك، كانت له تصريحات ومطالبات تتفق وتوجهاته واهتماماته بحقوق الإنسان والحريات، وهذه المرة طالب؛ بحسب تصريحات أدلى بها، الحكومة البريطانية ببذل مزيد من الجهد لمساعدة اللاجئين، مشيداً بالتعامل «المتحضر» لألمانيا مع الأزمة.

وقال في افتتاح معرضه: «أشعر بالفخر الشديد لهذا التعامل المتحضر للغاية من جانب ألمانيا واستقبالها لهؤلاء الناس اليائسين سيئي الحظ»... «البريطانيون أيضاً لديهم مشاعر التعاطف نفسها، وأرى أن الحكومة عليها اتخاذ موقف أفضل تجاه هذا الأمر».

ومثل العديد من الفنانين الناجحين، يعمل وي وي على وضع نظام لمحترفه التقليدي، مع حشد من المساعدين ومنتجي مواد أعماله. في حالة مثل هذه، على رغم أن العديد من القطع تم تخيلها وابتكارها في مرسمه بالصين؛ إلا أنه تحقق ظهورها على بعد 6000 ميل في وسط أوروبا، من باب التحية له والعرفان بدوره كفنان وناشط في مجال الحريات وحقوق الإنسان، انتشرت وتوزعت عبر البريد الإلكتروني، و «سكايب» و «تويتر»، طوال الأربع سنوات التي قضاها في بلاده بعد خروجه من السجن ومنعه من السفر. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن وي وي مدمن في التعامل مع موقع التواصل الاجتماعي الشهير (تويتر)؛ إذ في بحر عام ونصف، شارك بـ 60 ألف تغريدة.

لاشيء فوق السطح

لا يوجد شيء من الأعمال ما هو في مستوى سطح الأرض خارج الاستوديو. كل ما هنالك يشير إلى أن ما يكمن تحت ذلك المستوى هو عالم من صاحب أسلوب شهير تم الاحتفاء به. الاحتفاء هي الكلمة المناسبة التي يجب أن تقال. بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر، لموقفه من حقوق الإنسان كما هو الأمر لما يقدمه من فن. واحد من أهداف معرض الأكاديمية الملكية، هو إظهار ما الذي يقدمه «آي» واقعاً. في هذه اللحظة من إضاءة الأثر الذي يحدثه في عالم الفن، يجب تذكر عمله التركيبي الذي اشتهر به «بذور عباد الشمس» في العامين 2010 و 2011، في «تيت مودرن» واستاد عش الطائر في العاصمة الصينية (بكين)، حيث كان مستشاراً فنياً للفريق المعماري السويسري «هرتزوغ ودي ميرون». أبعد من ذلك، فإن معظم الناس سيعانون، وبعضهم ستساورهم الشكوك في إمكانية القبض على تسمية لائقة ودقيقة لأعمال آي وي وي.

بعد أن اجتزت نزولاً، عدداً من السلالم والعديد من المساحات التي تتردد فيها الأصداء حتى بفعل الحركة لا الصوت وحده، أجده هناك في غرفة طولية مضاءة بشكل جيد، جالساً مثل بوذا، يتأمل كوباً من الشاي. بالنسبة إلى رجل تسبب بمثل كل هذه الضوضاء، يبدو في هيئة طاهرة محاطة بالهدوء. ملْتحٍ كان، مرتدياً قميصاً قصيراً بأكمام. مخضرم في تعامله مع وسائل الإعلام؛ ويقيس كلماته؛ ومع ذلك يمكن أن يضحك بسهولة.

سألته أولًا عمّا إذا كان العرض في الأكاديمية الملكية سيكون مختلفاً جداً عن معرضه الذي أقامه في برلين مؤخراً، فقال: «قمت باختيار الأعمال قبل سنوات»، مضيفاً «لو سنحت لي الفرصة لأن أختار منها الآن فسأختار الاعمال نفسها» ومع ذلك سيمنحه الذهاب إلى لندن، فرصة الإشراف على المراحل النهائية من العرض.

أحاول تجنب المصافحة

يحدث أحياناً أن تتداخل الموضوعات التي يتطرق إليها، من دون انتظار سؤال يحدد له الكلام، من ذلك مثلاً كلامه على أنه ليس من النوع الذي يجيد المصافحة واحتساء الشمبانيا، وإذا كانت لديه فرصة لتفاديهما سيفعل. بعض الكلام بمثابة مراوغة تحسباً لظروف ما. الرجل خارج وطنه في جولة أوروبية، وليس سهلا أن يتلقى وعوداً من حكومة بلاده بإمكانية عودته. لكن ذلك لم يمنعه من التعريج على الظروف التي مر بها ولو بشكل عابر ومتحفظ أيضاً «بسبب الحكومة الصينية، كان لي أكثر من 100 معرض، ولكنني لم أتمكن من حضورها في السنوات العشر الماضية».

سيركز معرضه في الكلية الملكية على أعمال من العقد الماضي لأنه، كما يقول «حدثت أمور كثيرة، فنية واجتماعية وسياسية. أنجزت أعمالاً تتعلق بتجربتي الخاصة، تعكس المكان الذي لازمته في الصين. أنا معنيٌّ بموضوعات محددة في النضال وتلك المرتبطة بالموضوعات المادية أو الشئون الداخلية». في الصين هو بمثابة فيل في الغرفة: ليس من المفترض ذكر اسمه، فهو تحت المراقبة المستمرة حتى الآن ويعرف الناس على وجه التحديد من هو.

نضالات وي وي التي أبداها في مواجهة ممارسات السلطة في بلاده لها امتدادات طويلة؛ فقد تم نفي والده، وهو شاعر، زمن حكم الزعيم ماو، هناك في أطراف صحراء غوبي إبّان الثورة الثقافية، ونشأت الأسرة في ظل فقر مدقع. عمل والده في تنظيف المراحيض العامة، وعانت الأسرة من النبذ، وفي مرحلة من حياته، قضى أوقاتاً في حفرة؛ حيث تعلم الشاب (آي) صناعة الطوب من الأرض (التاريخ الذي جعل من أقبية برلين أقل إثارة للدهشة، ربما). وعلى رغم أن والد آي تم إخضاعه للتأهيل لاحقاً بعد محنته، تركت التجربة لدى ابنه مشاعر بالغة الالتباس إزاء الدولة الصينية.

إفريز من حقائب أطفال الزلزال

وعلى رغم أن وي وي كان منتقداً لسلطات بلاده وعلى المدى الطويل، تصاعدت مشاكله مع زلزال سيشوان في العام 2008؛ حيث انهارت مدارس لا تعد ولا تحصى؛ ما أسفر عن مقتل آلاف الطلاب. وقتها، حاولت الحكومة قمع تناول حجم الكارثة، وليس أقلها أن الكثير من المدارس انهارت نتيجة الفساد المستشري على نطاق واسع. كان رد فعل وي وي هو صنع إفريز يتألف من 9000 حقيبة ظهر للأطفال، وقطعة أخرى، تلتها، تتألف من مئات قضبان حديد التسليح تم جمعها من الأنقاض.

كما قام بنشر أسماء 5000 من الأطفال الذين قضوا حتفهم في تلك المدارس. وفي إحدى المناسبات تعرض للضرب المبرح أدى إلى إدخاله المستشفى بعد إصابته بجرح في الرأس سبَّب له نزيفاً في الدماغ. كما قامت السلطات بهدم مرسمه في شنغهاي بحجة أن بناءه تم من دون التراخيص اللازمة؛ علاوة على توقيفه والتحقيق معه في اتهامات تتعلق بحيازته مواد إباحية، وتعدُّد الزوجات، والتهرب الضريبي، ومخالفات تتعلق بتداول عملات أجنبية. ومع ذلك، لم تتم إدانته بأي من تلك الجرائم أو غيرها.

ضوء

ولد أي وي وي في 18 مايو/ أيار 1957. فنان صيني معاصر، عرف باشتغالاته في مجالات النحت والتنصيب والعمارة والتقييم والتصوير والسينما والنقد الاجتماعي والسياسي والثقافي. ساهم مع المعماريين السويسريين «هيرزوغ ودي ميرون» كمستشار فني في بناء ملعب بكين الوطني المشيد من أجل بطولة العام 2008. وكناشط سياسي، يعتبر أي وي وي ناقداً بارزاً لمواقف الحكومة الصينية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. حقق في فساد الحكومة وخباياها؛ وخصوصاً في فضيحة المدارس المتضررة في زلزال سيشوان. على إثْر ذلك، قامت السلطات الصينية باعتقاله العام 2011 في مطار بكين في الثالث من أبريل/ نيسان، واحتجز لشهور دون توجيه أي تهمة رسمية ضده بحجة ارتكاب ما سمته «جرائم اقتصادية».

صنفته مجلة «آرت ريفيو» الشهيرة في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2011 على رأس قائمتها السنوية لأكثر الفنانين قوة وتأثيراً. غير أن الحكومة الصينية انتقدت هذا التصنيف. وجاء رد وزير الخارجية الصيني كالآتي: «في الصين فنانون أكثر كفاءة. ونحن نرى أن تصنيفاً مبنياً على أسس سياسية قرار ينتهك أهداف المجلة».

عمل تركيبي لشجرة من معرض الأكاديمية الملكية
عمل تركيبي لشجرة من معرض الأكاديمية الملكية
وضع اللمسات الأخيرة لعمله «إلى الأبد»
وضع اللمسات الأخيرة لعمله «إلى الأبد»

العدد 4756 - الإثنين 14 سبتمبر 2015م الموافق 30 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً