أمام الفوضى «الإنسانية» في مسائل اللجوء وعبور مئات الآلاف عباب البحار، يتسابق روَّاد وسائل التواصل الاجتماعي لإذاعة أغرب القصص وأكثرها بؤساً. آخرون يتبارَوْن في إشاعة الأرقام الرهيبة حول تلك المأساة. لا أعلم إنْ كان الهدف من ذلك سَبْقاً أم لا، إلاَّ أن ذلك يحدث وهو مفيد في الغالب. فإشاعة المأساة من شأنه أن تخلق رأياً عاماً قد يُثوِّر المشاعر ويستنفرها ويُحمِّيها.
لكن ما هو أكثر فائدة من ذلك هو أن نقرأ ما بعد تلك الأرقام والقصص. بمعنى أن ننتقل من رفع تلك القصص كشعار إلى حملها ومضمونها كشعور بها وبأصحابها. فالمسألة لم تعد مجرّد رصد ومتابعة بقدر ما تحتاج إلى مبادرات فورية وعلى جميع المستويات. وهي في كل الأحوال قد لا تتطلب منا كأفراد الكثير من العناء.
فمثلاً، إذا عَلِمنَا أن هناك 50 مليون إنسان يحملون صفة لاجئ في هذا العالم فهذا يعني أنهم لا ينامون كما ننام، ولا يأكلون كما نأكل ولا يشربون كما نشرب، ولا هم مستقرُّون كما نحن مستقرِّون، في بيوت معلومة ومملوكة لنا، مبنية بجدران مانعة للحر والبرد، وحافظة لخصوصيتنا فنشعر فيها بالسكينة.
وعندما نعرف أنهم لا ينامون ولا يأكلون ولا يشربون ولا يستقرُّون كما نحن، فهذا يعني أنهم محتاجون بشكل عاجل إلى وسائل مادية ضرورية، تجعلهم ينتقلون من هذا الوضع إلى أوضاع أفضل، يشعرون فيها بآدميتهم. فيوم واحد بدون طعام ولا شراب ولا رعاية هو عن شهر مما نعدُّه في أعمارنا. ونوم ليلة واحدة في العراء لا يُعلَم ماذا قد تُسبِّب لصاحبها من ألم جسدي ونفسي.
وعندما نُدرك أهمية تلك المساعدات المادية لهؤلاء الذين هم إخوة لنا في الآدمية والإنسانية والدَّم يجب أن نعرف بأن 50 دولاراً (أي 18 دينارا بحرينيا و740 فلسا) فقط «يمكن أن تُوفِّر حقائب نوم دافئة لعائلة كاملة لكي لا يُصابوا بالبرد خلال الليل». وأن 110 دولارات (أي 41 دينارا بحرينيا و220 فلسا) فقط «يمكن أن توفر مفارش اصطناعية لـ 10 عائلات لتجنيبهم النوم على الأرض».
ويجب أن نعرف كذلك بأن 240 دولاراً (أي 89 دينارا بحرينيا و940 فلسا) فقط «يمكن أن توفر أطقم إنقاذ لـ 8 ناجين». وأن 550 دولاراً (أي 206 دنانير بحرينية و113 فلسا) فقط «يمكن أن توفر خيمة لتؤوي عائلة بأكملها». هذه ليست اجتهادات مني بل هي تقييمات الأمم المتحدة، وما زدته عليها هو فقط تحويل قيمة العملة. فالمسئولية اليوم لا تقع على الأنظمة بل على الناس بآحادهم كذلك.
18 دينارا يُمكن أن تُنفَق في عشاء بمطعم مع الأصدقاء، ماذا لو استغنينا عن هذه الوجبة لنقدِّم قيمتها لعائلة لاجئة؟ إننا ببساطة سنضمن بأن عائلة كاملة لن تنام في البرد. وماذا لو استغنينا عن شراء ملابس لنا بـ 41 ديناراً، هي بالأساس زائدة عن حاجتنا؟ إنها ستمنع 10 عائلات من أن تنام على الأرض اليابسة. كم هذا الأمر كبير عند مَنْ هم فاقدين للضروريات.
لو أن 50 عربياً أو مسلماً تبرَّع كل واحد منهم بـ 240 دولاراً، لكان المبلغ المجموع كفيلاً بأن يجعل 400 ناجٍ لديهم أطقم إنقاذ. لن نقول 350 مليون عربي ولا مليار ونصف المليار مسلم كي لا نستغرق في المثاليات، وإنما نفترض أقل من ذلك بكثير، كي يسهل تحقيقه. ورغم ذلك يبقى ذلك «القليل» سبيلاً لراحة المئات من اللاجئين وأسرهم. ولو تكرَّر ذلك «القليل» لأصبح أضعافاً مضاعفة، حتى يصل إلى مستوى «الكثير». هذه مسئوليات فردية تصبح عظيمة عندما تتكرر.
رأيت تجربة جميلة في جزيرة ليسفوس (أو لسبوس) اليونانية الواقعة في شمال بحر إيجة، حيث يصل ما بين 500 إلى 600 لاجئ إلى هذه الجزيرة يومياً ويقطعون 60 كيلومترا مشياً على الأقدام حتى يصلوا إلى مراكز التسجيل. ورغم أن الجزيرة تعاني من نقص في الموارد التي تكفي بالكاد لسكانها الـ 90 ألفاً، إلاَّ أن أحد سكانها وهو ستراتيس قام بعمل رائع، ولم يمنعه مرضه المزمن الذي يجعله محتاجاً إلى ضخ الأوكسجين في رئتيه طوال اليوم من أن يقدم لهم ما يستطيع.
فقد وضع تحت استراحة إغاثية يستعين بها اللاجئون، حيث يُلقون بأجسادهم فيها للنوم وأكل الطعام. كان يقول: «يكون الهدف من وجودنا تقديم المساعدة لكي يكون لنا نفع. عندما تراهم لن تسأل إن كانوا مسيحيين أم لا لكي تُعطيهم الطعام». هذه تجربة جيدة من رجل كهل ومريض، لكنه استطاع أن يزيح التعب عن كاهل المئات من اللاجئين وأشاعت قصته الأمم المتحدة ذاتها.
نعم، هناك حقوق للاجئ، في «حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق في الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل» من قِبَل الحكومة المضيفة كما قررتها اتفاقية العام 1951م وبروتوكولها 1967م، لكن يبقى العمل الأوَّلي من الناس آحاداً وجماعات أكثر قداسة وإشراقاً من الأنظمة، ولو كان بسيطاً؛ لأنه نابع من مسئولية اختيارية لا يُلزم الأفرادَ شيء سوى شعورهم بأنهم بشر تجاه إخوة لهم هاموا على وجوههم في البراري والبحار بسبب الخوف.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4755 - الأحد 13 سبتمبر 2015م الموافق 29 ذي القعدة 1436هـ
أحسنت أ.محمد
التبرع يحتاج إى جهات ذات ثقة
وتنظيم
شردو وليس هاموا
لان كلمة هامو تطلق علي الهوام من الحيوانات وما شابهها .
التبرعات..
اذا كنت تتحدث عن التبرعات فلتذكر جيداً حجم ماقدمه المتبرعون فقط في الدول الخليجية من أموال طائلة لا عدت ولم تحصى ولكننا نعرفهم جيداً أولئك الذين استلموها لتوجيهها لمستحقيها، ولكن من كان المستفيد منها ومستحقيها الذين صبت في صالحهم؟
هذا السؤال الذي لو أجبت عنه بمقالة توضح فيها عزيزي الكاتب مفهموم فساد التبرع الذي ساد العقول المارقة الفاسدة بداية الأزمة وكيف توجهت ملايين وبلابيين الدولارات الى من هم سبب رئيسي في تشريد هؤلاء اللاجئين.
سيكون افضل من تسرد لنا حكاية الوسادة التي هي امرٌ سببه جزء تبرعات
سيقوم قوم تجهيز غازي بتوفير الكثير لتجهيز لاجئ
لهم الخبرة تلك الوجوه التي أرسلت الموت لسوريا ودعمت الإرهابيين بتجهيز غازي حان الوقت لتقليل الذنوب بتوفير تجهيز لاجئ وهي ليست صعبة عليكم فما قمتم به انتم ومن شاكلتكم افرز هذه الظاهرة لجوئهم للخارج فقموا بتجهيز لاجئ ايها البؤساء
صباح الخير
تسلم يااستادنا الفاضل غريب أمرنا نحن العرب والمسلمين في حين ندفع أموال طائلة جدا لأغراض منقوصه في الأصل للدعاية والشهرة فقط وعندما هناك حاجة ماسة للإنقاذ البشريه نتباخل ونغض الطرف وكئن الأمر لا يعنينا أين مشاهير العرب أين أثريائهم من الوقاحة والدنائه تسمع لقول البعض يذهب بشار الأسد وخمسة ملاين لاجئ يعودون فورا
شكرا
روعة ما تكتبه