العدد 4755 - الأحد 13 سبتمبر 2015م الموافق 29 ذي القعدة 1436هـ

«اللعبة»... وإعادة إنتاج الاستبداد!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أمسيةٍ فنيةٍ جميلةٍ، أعاد مسرح الريف الأسبوع الماضي تقديم مسرحية «اللعبة» للكاتب خلف أحمد العصفور، حيث مازالت «اللعبة» تجري بحذافيرها على امتداد الوطن العربي الكبير.

فكرة المسرحية تقوم على حوار بين كاتب مسرحي مع زميله، حول خلق شخصية ممثل يتقمص دور الحاكم، ويتابع كيف تتطور هذه الشخصية مع تطور الأحداث مع التحوّلات، حيث تختلط في شخصية الممثل، نوازع العز والذل، والحياة والموت، ونزعة الآلهة والجبروت.

في البداية يأتي الكاتب بممثل يؤمن بأفكاره، ويقنعه بأداء الدور، فيلبس قفطان السلطان والتاج، ويجلس على العرش ليدير شئون الرعية والبلاد.

من المشاهد الأولى كان واضحاً أن المسرحية تتكلّم عن شخصية الرئيس المصري السابق أنور السادات، الذي حكم مصر بطريقة غريبة من الاستبداد، واستغل الحرب ليطرح نفسه بطلاً للسلام، متحدياً كل مشاعر الشعب المصري والأمة العربية في نهاية السبعينيات. وقد انتهى به المطاف إلى الاصطدام العنيف بالشارع السياسي المصري والقطيعة مع العرب. وهي مقدمةٌ ضروريةٌ لنعرف سياق المسرحية التي لا تفصح عن هذه الشخصية بالاسم، وإنما تكتفي بالرمز.

معارضة السياسة التي تبناها السلطان بدأت مع الوزير الأول، الذي حذّره بأننا أصبحنا أسرى للوعود التي قطعناها للشعب ولم نعد قادرين على الوفاء بها. ثم يبدأ الصدام معه ومع رئيس الحرس، ومع المعارضة والرأي العام، حيث يعتبر نفسه حاكماً فذاً سيخلده التاريخ عن طريق السلام، بينما يراه الآخرون استسلاماً ذليلاً للعدو. حتى زوجته تختلف معه فتصف سياسته بالاستسلام وتستغرب من تجاهله للغليان الشعبي الكبير، وتسأله: ألم تقرأ التاريخ؟ فيرد باستخفاف: «التاريخ؟ التاريخ دعيه لي»! (وهي واقعةٌ قد لا تكون ثابتةً تاريخياً بحق جيهان السادات). كان يريد تغيير قواعد «اللعبة»، واستبدال الأصدقاء والأعداء، و «بدل معالجة مشاكل اليوم بحلول الأمس، علينا أن نفاجئ الجميع بهجوم السلام»! لقد كان يتوهم نفسه أحد صنّاع التاريخ، ولم يدرِ أنه أحد صناع المآسي الكبرى في منطقتنا، مثله مثل صدام حسين ومعمر القذافي.

كان يقدّم الوعود السخية، ويبشر الشعب بعهد الرخاء، ولأن الواقع مخالف لما كان يقول، بدأت تصدر البيانات والمواقف المندّدة بسياساته، واتسع نطاق المعارضة حتى داخل النظام، فيخاطب رئيس مكتبه مستنكراً: «حتى أنت لم تستوعب التحوّلات»؟. وفي لحظة انفعال يصرخ: «أنا رسول السلام. أنا صانع معجزة السلام. الرخاء الذي عجز عن تحقيقه كل الحكام أنا سأحققه». كان يعيش وهماً كبيراً. ومن عاش تلك الفترة سيتذكّر كيف كانت تترجم تلك «الصيحات الهستيرية» إلى مانشيتات في الصحف المصرية. لقد استغل الإعلام، الموجّه التابع للترويج، إكذوبة «السلام العظيم» الذي لم يأتِ حتى بعد أربعين عاماً.

ينصحه مدير مكتبه بالتريث وتوقيع اتفاق مع العدو بشروط أفضل، فيزجره موبخاً. وحين يتحرك الوزير الأول وقائد الحرس لمواجهته يفرض الإقامة الجبرية على الأول، ويستبدل الثاني بضابط أكثر طواعية وانصياعاً للأوامر، بعد أن يتهمهما بالتآمر ضده واختراقهما إجراءات الأمن في استراحته!

كان تفكيره موجّهاً للخارج، ولا يقيم وزناً للقوى في الداخل. وكان يقول بلا تحرج: «أريد أن أعرف كل ما ينشر في الصحافة الأجنبية عني، أما الصحف المحلية فأنا لا أقرؤها لأنها تثير لدي الغثيان». لقد كانت نزعةً متأصلةً في شخصية السادات، أحد النماذج الفاقعة للاستبداد في الشرق. وحين سألت المؤلف في نهاية العرض، عن سنة تأليف المسرحية أجاب: «سنة 1982»، أي بعد عام واحد من رحيل السادات.

العرض كان عبارة عن «مسرحية داخل مسرحية»، تبعث على التفكير في هذه «اللعبة» الكبرى التي تتجسد أمامه، بينما كان المؤلف وصاحبه يشرفان على خشبة المسرح من سقيفة عليا. وفي نهاية المسرحية يُقطع لسان الوزير الأول، ويُعتقل الكاتب مع صديقه، بعدما سأله: كيف تحوّل الممثل إلى هذه النهاية، فأجابه: «إنها شهوة السلطة والحكم المطلق»، حيث يزداد الحاكم عزلةً عن الواقع.

كمشاهد، كان أداء الممثلين رائعاً في أغلبه، وأروع ما فيه التزامهم بلغةٍ عربيةٍ فصحى، عدا الجزء الأخير من المسرحية. وقد أجاد الكثيرون منهم تقمّص الشخصيات، وفي مقدمتهم الحاكم والوزير الأول. وكان من أجمل الأدوار الثانوية، قام بتمثيلها أصغر الممثلين، أثار بحركاته الطريفة عاصفة من الضحك وهو يؤدّي دور حارس أشبه بجنود هتلر كما تقدمهم أفلام الحلفاء، ويتوقع أن يكون له شأن كبير في التمثيل الكوميدي إذا واصل المشوار وهو يمتلك هذه الموهبة الفطرية الكبيرة.

شكراً لمسرح الريف الذي أعاد إحياء هذه المسرحية التي تلقي بظلالها على الواقع بعد إخفاقات الربيع العربي في هذه المنطقة من العالم... حيث يتم إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4755 - الأحد 13 سبتمبر 2015م الموافق 29 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:21 ص

      رحم الله

      البطل السادات فقد كان اشجع الحكام العرب حيث عرف قوة امريكا التي لا تقهر فلماذا يبيد جيشه امام قوة جبارة , فهو عرف الحقيقة و ترك الهمبلة والهوبرة الفارغة التي استلمها الان حكام ايران ! لقد كان السادات مدركا للواقع درسه جيدا و عرف ان السلام هو الطريق الافضل لتوفير المال لفقراء مصر واعاد الجندي الى احضان والديه و زوجته حيث كان يموت في حرب عبثية . اما الذين يهوبرون ويريدون الحروب فهذا شأنهم ولن يحصلوا من شعاراتهم الجوفاء الا البلاء والحصار لشعوبهم لانهم يحملون السلّم بالعرض .

    • زائر 11 زائر 10 | 11:39 ص

      قال السادات قال

      روح تعشى ونام طال عمرك

    • زائر 12 زائر 10 | 12:13 م

      خلك نايم في البصل

      والله ما دمر مصر مثل السادات الذي باع مصر للامريكان واعطاها القواعد العسكرية وباع عليها الاقتصاج المصري بالقطعة. ييدو انك تعيش في الخمسينات

    • زائر 6 | 2:09 ص

      مواهب بوري الفذة

      لكم ارفع القبعة. . دمتم بألف إبداع. .المخرج المتميز محمد الحجيري. .المبدعون مهدي سلمان. محمد العلوي. صادق العلوي والبقية

    • زائر 5 | 1:56 ص

      أداء جميل للممثلين

      هذه المسرحية التي تلقي بظلالها على الواقع بعد إخفاقات الربيع العربي في هذه المنطقة من العالم... حيث يتم إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد

    • زائر 3 | 12:01 ص

      محاولة التشبث بالتخلّف رغم تقدم العالم

      الحاكم بأمر الله ولا صوت الا صوت الزعيم ولا رأي إلا رأيه حقبة سخيفة عاشتها الأمة وهي من ابشع الحقب وحيث ان التطوّر والارتقاء هو شأن الأمم هكذا خلقهم الله ، لكن هناك من يريد التشبث بهذا الماضي المتخلّف ويريد ان تبقى الأمم كالبهائم همها علفها لا تتطور ولا ترتقي ولا تتقدّم واذا طالب احد من الشعوب بذلك فإن السجون جاهزة وتتسع لعشرات الآلاف ممن يطالبون بمشاركة الشعوب في سياسة بلدهم وتقرير مصيرهم

    • زائر 2 | 11:45 م

      طبائع الاستبداد

      انها واحدة عبر العصور ، وربما تحتاج المنطقة العربية برمتها الى تأسيس أنظمة تعليمية تحترم العقل وتحترم الانسان وبصراحة الابتعاد عن هوس خلط الديني بالمعيشي اذا بدانا الان ربما نحتاج ربع قرن لياتي جيل عقلاني مستعد لقبول قواعد الديموقراطية واحترام الانسان لكونه إنسان مقدر له ان يستمتع بالحياة ويعيشها بدون قواعد ماورائية

    • زائر 1 | 10:57 م

      عاشقة

      نعم الممثل فيصل البوري موهبته قادم الى الساحة بقوة وشكر الى الجميع

    • زائر 4 زائر 1 | 1:52 ص

      العاشقة 2

      هيه والله نجم والله يوفقه

    • زائر 8 زائر 1 | 5:42 ص

      العاشقة 3

      نجم لامع الاستاذ فيصل البوري وادى الدور بشكل متقن ورائع للامام يا بوري

اقرأ ايضاً