أشرنا في المقال السابق وفارقنا، ما بين السلطات ونظام الحكم، الذي هو القيم الإنسانية الأساسية التي يتراضى عليها المجتمع، بكل مكوناته الشعبية أساساً، وهي تلك القيم التي ينال إيجابياتها جميع أفراد الشعب، ولا يُحرم منها أي فرد، ولا يمكن أن يرفضها أيّاً كان، فهي متصلة بالحقوق الإنسانية، التي جَبل الخالق عليها الإنسان، دنيا ودين، وطورها الإنسان بالمدنية والحداثة، من قيم ومبادئ الكرامة والعدالة والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، والتي تُتَرجم في نصوص دستورية واضحة لا تقبل التأويل، ولا تتعدد معانيها، بل هي قيمة واحدة كما قيمة الرقم الصحيح.
هذه المبادئ تَتَفَصَّل طريقة ممارستها في الدستور أيضاً، بالنص الواضح المعنى والتطبيق، للإجراءات التي ينبني عليها، الواقع السياسي والحقوقي والتنظيمي لإدارة الدولة، بمثل تخصيص الوطن كدائرة انتخابية واحدة، أو تقسيم مساحة الوطن الى دوائر انتخابية متعادلة الثقل الانتخابي، أو عادلة التمثيل النيابي، أيّاً كان ذلك، فلا بد من تأسيس قيمة الصوت الانتخابي، بمعيار الصوت الانتخابي المتساوي لكل مواطن، وليس بالضرورة الصوت الواحد لكل مواطن، فلا يُمَثّل ألف مواطن هنا بنائب، ويُمَثّل بنائب هناك عشرة آلاف مواطن، ولا يمنح مواطن هنا صوتاً انتخابياً واحداً، ويمنح هناك المواطن عشرة أصوات.
وكذلك عدم ترك أي شبهة دستورية في معيار الفصل بين السلطات، الذي لا يتحقق إذا ما أنشأت سلطة ما، السلطة الأخرى أو بعضها، بمثل التعيين لأفراد إحداها من قبل سلطة أخرى، بل يتوجب استقلال جميعها، تأسيساً وإدارةً، وتخصيصاً مالياً في ميزانية الدولة، وإخضاعها جميعاً لآلية ومعايير دستورية، لاكتساب واستمرارية شرعيتها الشعبية، ولا يترك الدستور المجال لأي سلطة قائمة، التصرف بالتأسيس أو المراقبة أو التشريع أو إصدار القرارات التي من شأنها التأثير في نتائج تداول السلطات أو إدارة أو الإشراف على آلية أو تنفيذ تداولها.
وهناك هيئات أساسية، يتوجب أن تكون هيئات مستقلة ومنتخبة شعبياً، من مثل هيئة الإشراف على الانتخابات، سواء الانتخابات الدستورية أو النيابية أو البلدية، وكذلك الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وثالثها هيئة الرقابة والمقاضاة الدستورية، هذه الهيئات الأساسية للدولة المدنية الحديثة، هي التي تشرف على صوغ القيم والمبادئ التي تكون أساسات نظام الحكم، وهي المسئولة لاحقاً عن مراقبة تنفيذها وتحقيقها، وهي المعنية، كل واحدة في حدود مجال عملها وحيز وقت بقائها، وذلك تأسيساً بالانتخاب الشعبي لها، والتعاطي دستورياً وقانونياً وحقوقياً، مع شكاوى وتظلمات المواطنين، في ذات الشأن.
وفي انتخاب هذه الهيئات الأساسية، وانتخاب سلطات الدولة، لا بد لشرعيتها أن تُستمد، من اكتساب أفرادها كلٌّ على حدة، لأصوات تصل الى نسبة معينة، من إجمالي الكتلة الانتخابية الوطنية (على مستوى الوطن)، كحد أدنى، متى ما تم اعتماد مساحة كامل الوطن دائرة انتخابية واحدة، أو نسبة معينة من الأصوات في كل دائرة انتخابية على حدة، متى ما تعددت تلك الدوائر، فليس مقبولاً أن ينوب عن كامل الشعب، ذاك الذي لم يتحصل إلا على مئات الأصوات، ربما في دائرة صغيرة من مدينة، من أصل مئات الآلاف من الكتلة الانتخابية الوطنية.
إن نظام الحكم هذا الذي يتوافق عليه الشعب، لا يقبل التغيير إلا بنفس الأداة والمستوى الذي أقر الأصل، والمحدد في التوكيل الشعبي للنواب الدستوريين، عبر الانتخاب الشعبي الحر، والمباشر السري، لأعضاء مجلس دستوري، يتناول أعضاؤه المنتخبون، تداول وتقييم ومن ثم تهذيب النصوص الدستورية، بما في أحسن اعتقادهم، أنها تخدم المواطن بتحقيق المبادئ العالية، ولا تفتح أي احتمال لِمسِّها بالعدم أو بالإنقاص أو عدم المساواة.
ولا تكتسب تلك النصوص شرعيتها، ما لم تُنشر مسودتها النهائية، لوقت كافٍ للاطلاع الشعبي والنقاش المجتمعي، ومن ثم استفتاء الشعب في موادها تفصيلاً لا إجمالاً، ثم إعادة ذات الإجراءات لتشريع ما تم رفضه شعبياً عبر مواكبة الرأي الشعبي العام، ليتم الانتهاء الى الدستور العقدي أو تعديلاته حسب الحالة، بين جميع مكونات المجتمع الشعبية.
وللموضوع متابعة.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4754 - السبت 12 سبتمبر 2015م الموافق 28 ذي القعدة 1436هـ
الدولة المدنية الحديثة هي الحاضنة لجميع أطياف الشعب
والنواة الصخيحة لها هي الجمعيات المدنيه التي لا تفرق بين المواطنين بل تجمع الكل بعيدا عن المناطقية والقبلية والعائلية والمذهبية وأي شئ يميز أي فرد عن الآخر فهل نقف بكل صدق لكل من فرق المواطنين ابتداء من السلطة والجمعيات المذهبية
هذا هو المفروض لكن الواقع عكس ذلك
في الدستور كلمات وجمل برّاقة لكنها واقع الحال على الارض عكس ما هو مكتوب, فلا مجال لتحكيم الشعب او الاخذ برأيه في أي قضية
شكرا
شكرا كم