العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ

مسرح الريف يعقد «الصفقة» بين الذات والآخر

حين تكون الذات مجبورة على تشطير نفسها إلى جزءين، حينها لابد من صفقة ما لإدارة لعبة الأرباح والخسائر المتولدة من أُتون الصراع؛ حتى لا تخسر الذات نفسها أو جزءها الآخر وسط جلبة الصراع وضجيج المعركة. هذا ما تحيلك إليه مسرحية «الصفقة» التي قدمها مسرح الريف خلال مهرجانه السنوي التاسع (2-10 سبتمبر/ أيلول 2015)، وذلك مساء يوم الأربعاء والخميس 2 و3 سبتمبر 2015 على مسرح الصالة الثقافية في الجفير.

المسرحية من إخراج جاسم طلاق، وشارك فيها كل من الممثل علي مرهون في مقابل الممثل حسين سلمان، وهما مشدودان بحبل وثيق، يتوقان للتخلص منه في مقابل علي يحيى وصادق السوري الذين مارسا دورهما في التحريض على الانفصال. ولعل هذا هو ملخص المسرحية، وهو ما فجّر صراعها المتواصل حتى آخر لحظة من الحوار، الذي ينبني على فكرة «الاتصال والانفصال» والذي عالجه درامياً محمد شهاب وجاسم طلاق المخرج نفسه تحت عنوان «مسرحية الصفقة» وهي المأخوذة أساساً عن مسرحية «لعبة الجنون» للكاتب العراقي عزيز جاسم الساعدي.

شارك في الإضاءة والموسيقى كل من محمد شاهين وسالم الجارح الذين جمعت بينهما سينوغرافيا أنجزها الفنان حسن أحمد الذي أبرز الحالة الثنائية على المستوى البصري محاولاً أن يحكم الصراع الدرامي بين الشخصيتين الأساسيتين في المسرحية التي أدار إنتاجها بدر نصيف وراجعتها لغوياً خديجة حبيل.

في هذه الصفقة يلعب النص على البنية الثنائية بما يحيلنا إلى قراءة ثقافية لواقع إنساني أو واقع عربي أو عالمي وذاتي قبل كل شيء بل لعله يصب في أكثر من مجال، فالذات بكل بساطة في كثير من الأحيان تعيش الصراع الداخلي بينها وبين نفسها، بين الحلم والواقع، بين الأمل والألم، الحب والكره، والكثير من الثنائيات المتضادة أو المتعاكسة التي تجعل الذات تنشطر إلى اثنتين دائماً، أما على مستوى الواقع الإنساني فهو الذات في مقابل الآخر الذي يشعل الصراع وبحسبنا مقولة سارتر «الآخر هو الجحيم» بما يؤكد على الاثنينية ويشعل الصراع، والذي يتمثل في الآخر على مستوى العرق عرباً وأكراداً، والآخر على مستوى الدين مسلمين ومسيحيين، والآخر على مستوى الطائفة شيعة وسنة، والآخر على مستوى المكان شرقاً وغرباً، والآخر على مستوى الزمان متقدمين ومتأخرين، والآخر على المستوى الحضاري متخلفين ومتحضرين، وهكذا تكون الذات حاضرة والآخر مغيباً، وواضحة والآخر غائماً، وحقاً والآخر باطلاً، ودائماً ما لا تستطيع الذات أن تكون «عينها كآخر».

هكذا تتوالد لعبة الثنائيات المتوالية في شكل ذات وآخر، حاضر وماض، شرق وغرب، تخلف وتحضر، في لعبة الانفصال أو الاتصال، وحين يرمي بنا النص وسط هذه الثنائيات يجعلنا نتساءل كيف سيتم معالجة هذه الثنائية هل صفقة تفكيكية حيث يفكك الكاتب أجزاء ومتيفات هذا الصراع ويقرأ أسبابه ونتائجه وأهم مقولاته، أم بصفقة عاكسة ناقلة للواقع على طريقة المرآة، أم بصفقة آملة باحثة عن حل ومعالجة للواقع باستشراف الأمل والحلم بالخلاص. لعل ما رأيناه في هذا النص هو نقل لأهم أسئلة ونتائج الصراع على الثنائيات، وهو ما اشتغل عليه المخرج في العرض نفسه سواء على المستوى الدرامي في معالجة النص أم على المستوى البصري والسنوغرافيا، حيث كان النص دائماً يتساءل عن الربح والخسارة، وعلى الأخذ والرد. وهكذا ظل يراوح مكانه على المستوى البصري لونياً بين الأبيض والأسود، وحركياً بين والسحب والجذب، والشد والإرخاء، بما أحالنا قراءة عاكسة فقط لم تتطور ولم تفارق مكانها إلى منطقة التفكيك واستكناه الأجزاء بالتعمق في الدوافع والمسببات، ولم تفارق مكانها إلى استشراف منطقة الحلم والمعالجة، وإن كان هناك ثمة إشارة إلى البديل الرابع والخروج من الدوران في حلقة المعادلة الصفرية. فحينما نكون اثنين تحضر المعادلات التالية:

المعادلة الأولى: أنا أربح وأنت تخسر: وهذه قمة الأنانية وتفضيل الذات، ونبذ الآخر. أما المعادلة الثانية فهي: أنا أخسر وأنت تربح: وهذا وإن كان فيه مراعاة للآخر إلا أنه ظلم للذات التي وإن رضيت بالخسران الآني إلا أنها ستظل تبحث وتنتظر الربح والمجازاة لاحقاً، بل ستظل تعاني من عدم إنصاف الآخرين، وعدم مراعاتها ومعاملتها بالمثل، ما يحيلها إلى المرض والإحساس بالغصة البالغة مع الزمن جراء نكران الذات وتفضيل الآخر، وتبدد التقدير الذاتي إثر نكرانها لذاتها وتنكر الآخرين لها تبعاً لذلك النكران من الذات نفسها، فكما قال زهير بن أبي سلمي: ومن لا يكرِّم نفسه لا يكرَّمِ. أما المعادلة الثالثة فهي: أنا أخسر وأنت تخسر: كما مقولة عليّ وعلى أعدائي، أو هي خسرانة خسرانة، التي تحرق الأخضر واليابس، أو إذا بتّ ظمآناً فلا نزل القطر.أما المعادلة الرابعة فهي: أنا أربح وأنت تربح: حيث القبول بالذات والآخر معاً، وتقاسم الأرباح والخسارة والتفاوض على النجاح والوصول إلى البديل الرابع.

العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً