العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ

مقاربة لفضاءات عالجها بسطحية... وارتجال المصطلح وتوظيفه

عجمي في «السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلُّف»...

يُقدِّم كتاب الباحث العراقي حسن عجمي «السوبر حداثة في مواجهة السوبر تخلُّف»، الصادر عن «دار مصر المحروسة»، العام 2011، مقاربة للفضاءات التي تشتغل عليها كل من الحداثة، والسوبر حداثة، وما أطلق عليه «السوبر تخلُّف»، عروجاً إلى «السوبر إرهاب»، «السوبر مستقبلية»، «السوبر أصولية»، «السوبر استعمار والسوبر حضارة»، وصولاً إلى «السوبر طائفية والسوبر دعارة»، ولوجاً إلى تعريفاتها التي ستمر علينا أثناء الاستعراض، وإيراد مطابقات وشواهد ونماذج من واقع الفضاءات التي يتحرك فيها كل «سوبر» منها. مع ذلك، لم يخْلُ الكتاب في محاولة مقاربته من تسطيح وارتجال في توظيف بعض المصطلحات التي كان من الممكن أن يشتغل عليها تفكيكاً يتسق وطبيعة عمق الموضوعات التي تناولها.

في تعريف رئيسي قبل الولوج في البحث؛ يختصر عجمي السوبر حداثة بالإشارة إلى أنها مذهب فلسفي يعتبر أن اللامحدَّد يحكم العالم. تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة؛ فبينما الحداثة تقول، إن الكون مُحدَّد؛ ولذا من الممكن معرفته، تقول ما بعد الحداثة، إن الكون غير مُحدَّد؛ ولذا من غير الممكن معرفته. لكن السوبر حداثة تختلف عنهما لأنها تؤكِّد أنه على رغم لا محدَّدية الكون فمن الممكن معرفته؛ لأنه من خلال اللامحدَّدية من الممكن تفسيره. بالإضافة إلى ذلك، تدرس السوبر حداثة الأكوان الممكنة العديدة والمختلفة من خلال بناء نظريات صادقة في تلك الأكوان؛ بدلاً من أن تكون بالضرورة صادقة في عالمنا الواقعي؛ وبذلك تقدِّم السوبر حداثة حرية أكبر للباحث والمبدع فلا تسجنه في عالم معيَّن.

كل ذلك في حدود الأفكار، ما تطرحه السوبر حداثة. تظل في حدود الممكن، ولا يمكن اعتبارها من اليقينيات، بحكم اشتغالها على «الأكوان الممكنة»، دون أن يعني ذلك إمكانية تطابق منهجها في حال دراسة العالم الواقعي، ولن تكون متطابقة بالضرورة، على رغم ارتباط ذلك الاشتغال والدراسة بالعالم الذي نعيشه ونحياه: «العالم الواقعي».

ففي الوقت الذي يكون فيه فضاء السوبر حداثة غير محدد، تتلمس طرقها إلى تفسير الظواهر في سبيل الوصول إلى المعرفة.

في فصل «السوبر حداثة في مواجهة الحداثة وما بعد الحداثة»، يلقي عجمي بالسؤال الآتي: «لماذا تنجح العلوم»، تناولاً لإمكانية السوبر حداثة من الإجابة على السؤال، بالاشتغال عليه من خلال نظريات علمية عديدة، وعبْر لغات متنوعة كلغة الفيزياء والكيمياء ولغة البيولوجيا؛ وذلك ما يجعلها تنجح في وصف وتفسير العالم.

وبالاستناد إلى تفسير توماس كون، الذي يحدِّده على هذا النحو: «النظرية العلمية تحدِّد موضوع العلم، والمشاكل العلمية، وكيفية حلِّها، والمعايير التي من خلالها نستطيع بحق أن نبرهن على صدق أو كذب الأقوال، كما تحدِّد ما هي حقائق الكون، ولا تستطيع أن ترى العالم سوى من منظورها، وبذلك من الصعب تكذيبها».

في مقاربته لفضاء السوبر تخلف، لا يحتاج عجمي إلى مقدمات؛ لورود الشاهد عليه متمثلاً بالعرب وواقعهم المزري؛ وتعاطيهم مع الأدوات والفرص المعرفية والتكنولوجية بشكل عكسي، لا يترك وراءه إلا مزيداً من التخلف والتراجع والانكفاء والاكتفاء بذلك الواقع.

يرى عجمي أن العرب وإن اضطروا إلى التعامل مع تلك الأدوات والفرص والمعطيات التكنولوجية - على سبيل المثال - فهم يتعاملون معها من أجل مزيد من التجهيل والتعتيم، من واقع المناهج في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، والوظائف التي تؤديها بدءاً بنشر العداوة بين القبائل الطائفية والمذهبية المختلفة، وتعزيز العصبيات. كل ذلك في تجلٍ واضح لانعدام صيغة المجتمع وبروز صيغة وواقع القبائل المتصارعة في أكثر من موقع، معزّزاً بتوالي الصراعات وتنشيطها وتحديثها.

واقع مثل ذاك لا يمكن أن تصنعه صيغة حكم تشاركي وتعاقدي؛ بقدر ما هو واقع قائم وتتجذَّر فيه الديكتاتورية والحكم الشمولي، وذلك ما يجعل عجمي نشطاً في الدفع بالتساؤلات التي لا تنال هي الأخرى اشتغالاً يتجاوز قشْر وسطح الحالات والظواهر؛ بلوغاً إلى جذورها وعمقها، من قبيل: لماذا تسيطر الدكتاتورية على مجتمعاتنا الافتراضية، في تناوله للأدوات التكنولوجية؛ غافلاً عن الخبرات التي ساقت وهيمنت على الفضاء الواقعي بأكلاف باهظة، لن تكون بذلك الكم والقدْر في محاولات الهيمنة على الفضاء الافتراضي؛ معززة ومدفوعة من بلاد منشأ أسس تلك الأدوات التي لا تجد غضاضة في مساندة تلك الأنظمة؛ على رغم المفارقات والتباينات بين الطرفين، على مستوى مفهوم الدولة والحقوق والمواطنة والقانون. وفي دائرة المعالجة نفسها يمكن ملاحظة الهروب من الحفر في الإشكالات تلك باللجوء إلى حالات التعميم التي تورطت فيها مجمل مباحث الكتاب. لا منطقة وسطى تستحق التأمل والنظر. كل المناطق رمادية في ما تناوله وارتجل في بحثه وتناوله.

لن نبرح مساحة التسطيح في تناول عجمي لما أطلق عليه «السوبر إرهاب». كيف؟ لا يتخلّى عن المباشرة نفسها بالطرح الذي لا دهشة ولا اكتشاف فيه! يبدو أن نحْت المصطلح فيه جهد مضاعف؛ وخصوصاً إذا ما عرفنا أن ذلك النحت ليس من عندياته أو بنات بحثه وأفكاره! يضع لنا الشائع من التعريف بالفارق بين الإرهاب والسوبر إرهاب؛ إذا الأول يتحدد ويُعرف بقتل أجساد الأبرياء (محددات تغيّب الكثير من المجال المفتوح الذي يتحرك فيه الإرهاب. ماذا عن إرهاب الدول؛ ليس بالضرورة الدول المتخلفة. نعني إرهاب الدول التي يستند إليها عجمي في كثير من شواهده وإحالته)، بينما السوبر إرهاب قتل لإنسانية الإنسان.

في «السوبر مستقبلية» لا تختلف سطحية المعالجة بتناول تطبيقاتها، وأهمها تحليلها للحقيقة والمعنى. فبالنسبة إليها، الحقيقة قرار علمي في المستقبل. و «بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، وبما أن المستقبل لم يتحقق كلياً في الحاضر والماضي»، يكون البحث المستمر عن الحقيقة يرتبط بـ «ديمومته». هنالك أمر آخر يتعلق بتمكُّن السوبر مستقبلية من تفسير الإنسان وطرق تفكيره وتصرفه. نقف في هذه الجزئية على شيء من الحفر والتقصي المُعتبر.

وفي «السوبر أصولية» نقف على حالات عميقة من السذاجة هذه المرة وليس اشتغالاً يُعتدُّ به بتقرير أن اتجاه السوبر أصولية؛ وفي حال من التعميم أيضاً، يحدد أن الأصول المعرفية والدينية كامنة في المستقبل؛ متغافلاً عن موضوعة المرحلية في هذا المجال ليس على مستوى النص الديني وحده بشقيه السماوي والأرضي (النبوي) في هذا المجال. مضيفاً إلى تقريريته وارتجاله أيضاً «نحن الأحياء من نحدد تراثنا من خلال تركيبه وفهمه وتوجيهه نحو الزمن الآتي، فالماضي صنيع اجتهادنا، والتاريخ يبدأ من المستقبل». تقريرات مثل هذه تستغفل الوعي العام والخاص، وتتورط في ارتجال لا يخلو من سخافته؛ عدا سطحيته والتعميم الذي يكشف عن اضطراب في المنهج؛ وخصوصاً إذا احتل ذلك التعميم مساحة كبرى من أطروحة الكتاب.

في «السوبر استعمار والسوبر حضارة»، يختزل مضمون المصطلح في: الاستعمار كونه احتلالاً فعلياً لدولة وشعب من قِبَل دولة أجنبية، واستغلال لموارد المجتمع المُحتل؛ فيما السوبر استعمار هو الاحتلال الافتراضي لدول ومجتمعات من قِبَل دولة أجنبية. تجاهلاً لاحتلالات فعلية وافتراضية تتغلغل بعنوان الأداء «الوطني»!

في «السوبرطائفية والسوبر دعارة»، يهيمن الإنشاء، دون التخلص من التعميمات، التي بدت «قبَّان» الأطروحة! دون أن يأخذنا في الوقت نفسه إلى معالجات ليس في هذا الفصل وحده؛ بل في الفصول السابقة واللاحقة من الكتاب؛ مُحدِّداً «السوبر طائفية» في اختزال الطائفة في شخص فرْد يُحدِّد من ينتمي إلى طائفته الدينية، ويُقصي الآخرين منها وإن انتموا إليها.

أذكِّر هنا فقط بما جاء في مقدمة هذه المراجعة من أن الكتاب لم يخْلُ في محاولة مقاربته من حال من التعميم؛ وانتخاب شواهد عالجها ببرّانية دون تفكيك وتعميق في النظر إلى ظواهر قائمة تستشري لتتجاوز كونها ظاهرة، إلى كونها سلوكاً وأسلوب حياة؛ عدا التوظيف والإحالات والاستشهادات التي اتكأ عليها، بمعزل عن مطابقات في واقع العرب اليوم؛ وذلك إخلال بالمنهج وتسطيح لموضوعات عميقة كالتي بحثها الكتاب؛ أضف إلى ذلك الارتجال في توظيف بعض المصطلحات التي حاولت تجلية «السوبر» على اختلاف مقاصده وأدائه، والأثر الناتج عنه.

العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً