العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ

المحار العملاق أو القاتل: قصص حقيقية أم خيال علمي؟

لوحة الفنان عبدالله المحرقي (vine 1986)
لوحة الفنان عبدالله المحرقي (vine 1986)

منذ القدم، وعبر قرون، كانت الناس تشاهد المخلوقات والظواهر الطبيعية، وقد كونت في فكرها الجمعي العديد من التساؤلات والتخيلات، التي تحولت، خلال سنوات طويلة من الملاحظة الدقيقة، إلى أساطير وحكايات، يتم من خلالها تعليل العديد من الظواهر الطبيعية. فالعقل البشري، يبحث دائماً عن حالة من الاتزان الداخلي، بين الأفكار، أو بين المعتقدات، أو بين الظواهر الطبيعية ومسبباتها، وهكذا، فالعقل البشري، يطلب دائماً، معرفة الأسباب بشكل ملحّ. وكثير من الأحيان، وقبل التطور العلمي والتكنولوجي، يفشل العقل البشري في إيجاد إجابات مرضية للعديد من التساؤلات التي كانت تشغله. فيعمل ذلك العقل على نسج حكايات خيالية وأساطير، ليحقق من خلالها ذلك الاتزان الداخلي الذي يسعى له. وأحياناً، تكون هناك بعض الحقائق العلمية وراء تلك الأساطير، وأحياناً أخرى، تكون الحكاية كلها من نسج الخيال.

يذكر أنه لا يوجد العديد من تلك الحكايات والأساطير التي ترتبط بالأصداف البحرية. ومن أشهر أنواع الأصداف التي ارتبط بحكايات وأساطير، نوع ضخم من المحار، يصل قطر صدفته إلى أكثر من 40 سم، والذي يعرف في الخليج العربي بعدة أسماء، مثل الليَّان (أحمد 2002، ص 169)، أو البزمة أو الزنية (الشملان 1987، ج2: ص 360). هذا، وقد صور هذا النوع من المحار، في أساطير شرق آسيا، على أنه وحش ضخم؛ فمرة، كما في الصين، هو تنين بحري يمكن أن يتشكل في أكثر من صورة، وتارة أخرى، كما في جزر البالاو، هو ذلك الوحش الذي خرجت من جوفه الكائنات البحرية (Fredericks 2014, p. 45). وقد تم تعزيز بعض تلك الحكايات، التي مازالت قابلة للنقاش، في بعض الأفلام، وأشهرها عندنا فيلم «بس يا بحر».

الليَّان، الطشت والمحار

الليَّان، كما هو معروف حالياً عند العامة، هو طشت صغير من الحديد، يستخدم في عملية البناء، حيث يوضع فيه الأسمنت المخلوط أو الجص أو الطين قبل استخدامه في عملية البناء. إلا أن الليَّان، كان في السابق يصنع من الفخار، وكان يستخدم في عملية التليين، ومنه سُمي بالليَّان، وقد جاء عنه في كتاب «البيت الكويتي القديم» ما يلي:

«الليَّان، طشت صغير من الفخار كان الخرازون يستخدمونه لتليين الجلود فيه قبل استعمالها، وكان الليَّان يوضع أيضاً تحت الحِب أو البرمة ليتجمع فيه ما يتساقط منها من ماء الناقوط، وكان بعض الناس يعمد إلى وضع (طاسة الروبة) فيه أيام الحر لتبرد نوعاً ما ويروب الحليب ببطء وهدوء، وكانوا يسقون منه الطيور والدواجن التي يربونها في المنزل، وكان أصحاب المهن لاسيما الصاغة يستعملونه في غسل الذهب وتلميعه» (الخرس والعقروقة 2003، ص 131).

أما المحار المعروف بالليَّان، فهو نوع من أضخم أنواع المحار، ويتكون من صدفتين، وكل صدفة تشبه شكل الطشت الذي كان يسمى الليَّان، وربما استخدمت تلك الأصداف عوضاً عن ذلك الوعاء الفخاري. ومن هنا جاءت تسمية هذا المحار باسم الليَّان. أما الاسم الآخر، وهو البَزمة، فربما اشتق هذا الاسم من البَزم، وهو «شدَّةُ العَضّ بالثَّنايا والرَّباعِيَات وقيل هو العَضُّ بمقدَّمِ الفَمِ وهو أَخف العَضِّ» (لسان العرب، مادة بزم). وربما سمي بذلك، لتخيل العامة أنه يقبض بصدفتيه الضخمتين على الغاصة.

المحار العملاق ولؤلؤة الإله

على رغم ذكر المحار العملاق في بعض أساطير شرق آسيا، وذكره في بعض المقالات، وتصويره بالمحار القاتل أو المحار الذي يتسبب في موت صائدي اللؤلؤ أو الغاصة، إلا أن شهرته كانت بسبب ارتباطه باللآلئ العملاقة التي عثر عليها في بعض أفراده. وأشهر تلك اللآلئ والتي اعتبرت، حتى العام 2013م، أكبر لؤلؤة في العالم، والتي عرفت باسم لؤلؤة الإله The Pearl of Allah. اقتنى هذه اللؤلؤة Cobb في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك من إحدى القبائل في الفلبين. وتزعم القبيلة أن اللؤلؤة، التي تزن قرابة 7 كيلوغرامات، تم استخراجها من محار عملاق بعد أن التهم هذا المحار أحد الغاصة وتسبب في وفاته، وقد سميت بلؤلؤة الإله لأنها كانت تشبه العمامة (Cobb 1936). نشر Cobb القصة في العام 1936م، ومن هنا اشتهرت قصة المحار العملاق الذي يتسبب في موت الغاصة، وشاعت أسماؤه الأخرى، مثل المحار القاتل.

يذكر أن اللؤلؤ الذي ينتجه المحار العملاق، يكون من نوع اللؤلؤ الذي لا يحتوي على طبقة لؤلؤية Non-nacreous Pearls، لكنه مع ذلك له ثمن مرتفع. وهناك أكثر من لؤلؤة عملاقة من هذا النوع، وقد كانت لؤلؤة الإله أكبر لؤلؤة حتى العام 2013م، وذلك عندما كشف في الفلبين عن لؤلؤة أضخم منها، وهي من محار عملاق أيضاً، وتسمى Pearl of the King.

المحار القاتل في الأفلام

ارتباط قصة أكبر لؤلؤة في العالم بقصة إغلاق صدفتي المحار العملاق على أحد الغاصة والتسبب في موته، أدى لترويج تلك القصة، ومعها قصص التهويل من المحار العملاق. ومن أوائل الأفلام التي، ربما، اقتبست هذه الفكرة، فيلم Wake Of The Red Witch، الذي عرض في العام 1948م. وقد ظهر في الفيلم، الغواص الذي نزل البحر ليلتقط لؤلؤة وقعت في الماء، وأثناء صعوده للسطح وقعت قدمه بين صدفتي محار عملاق، والذي أحكم إغلاق صدفتيه على قدمه. إلا أن بطل الفيلم تمكن من تخليصه منها وعاش الغواص. ومشهد آخر مشابه لهذا المشهد، ظهر في الفيلم الكويتي «بس يا بحر» الذي عرض في العام 1971م، وذلك عندما أغلقت محارة عملاقة على يد «مساعد» وتسببت بغرقه، ولم يتمكن صاحبه من تخليصه من صدفتي المحار، فقام بقطعها، وتوفي لاحقاً. وقد علق سيف الشملان على هذا المشهد ووصفه بالخيالي؛ حيث كتب:

«وهذا (أي المشهد) ليس صحيحاً بل فيه تجنٍّ على الحقيقة والواقع. ولم يحدث في تاريخ الكويت أن بزمة أو زنية أو (لحف) أمسك بيد الغواص فكانت وفاته. وهذا من الخيال للإثارة وتشويق المشاهدين تشويقاً كبيراً جداً على حساب الحقيقة، والغوص بريء من ذلك. يجوز أن تمسك البزمة أو الزنية بأصبع الغيص مسكة خفيفة إذا أدخل أصبعه بداخلها، ولكنها لا تسبب وفاته» (الشملان 1978، ج2: ص 360).

المشهد أو القصة الخيالية المستوحاة من شكل المحار الضخم، لاقت رواجاً كبيراً، ليس فقط في بعض الأفلام، بل تعدت ذلك للقصص والكتابات ذات الخيال العلمي، والمقالات وغيرها. حتى أنها ألهمت بعض الرسامين، ونذكر هنا الفنان عبدالله المحرقي ولوحته الشهيرة التي تمثل مأساة غواص اللؤلؤ الذي قبض المحار العملاق على إحدى قدميه، فأخرج سكينه ليحاول قطع قدمه، كي لا يموت غرقاً (Vine 1986, p. 115).

الخلاصة

المحار العملاق أو كما يعرف خليجياً بالليَّان أو البزمة أو الزنية، ارتبط بقصة يعتبرها العديد أنها قصة خيالية، وأنها ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وأن سبب شهرتها هو ارتباطها بقصة لؤلؤة الإله التي عثر عليها في الفلبين. ولا تخلو القصة، ربما، بتأثرها بالأساطير القديمة التي ارتبطت بالمحار العملاق. العديد يعتقد أنها مجرد حكاية تم الترويج لها، وأنه لم يتم، في الخليج العربي، تسجيل حادثة موت تسبب بها هذا المحار العملاق.

العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً