بدأت الأحداث في سورية تأخذ شكلاً جديداً بدخول الروس في عيْن الأزمة. هم كانوا بالأساس في أتونها، إلاَّ أن الكرملين قرَّر الآن أن يكون تدخله بشكل مباشر «وعلى المكشوف» كما يقال. إرسال روسيا لـ «سفينتي إنزال دبابات ونقل وحدات سكنية سابقة التجهيز لمئات الأشخاص إلى مطار سوري» يعني أن «روسيا تستعد لنشر أصول عسكرية ثقيلة هناك» كما قال الأميركيون، وهو ما يعني أن التمركز الروسي الجديد أكبر من عمليات تدريب للجيش السوري كما قالت موسكو، ولا هو ضمن السياق التقليدي للتعاون الذي كان قائماً بين البلدين منذ أربعين عاماً بل أكثر من ذلك.
الأميركيون يقولون بأن تلك التحركات تهدف إلى «إعداد مطار قريب من مدينة اللاذقية الساحلية». وإذا ما تأكد هذا فإنها ستعتبر نقطة عسكرية تضاف إلى القاعدة البحرية لموسكو في طرطوس. وحسب مصادر لـ «رويترز» فإن الروس قرروا الدخول إلى الحرب، وأنهم «بدأوا بأعداد قليلة لكن القوة الأكبر لم تشارك بعد. هناك أعداد من الروس يشاركون في سورية لكنهم لم ينضموا بعد بقوة للقتال ضد الإرهاب». وهي تطورات ستعني أشياء كثيرة يمكن مناقشتها، طبقاً لما هو قائم من اقتسام فعلي للأرض بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة.
دعونا نقرأ الأمور جيداً كي نضع التطورات في مسارها. محافظتان سوريتان (وليس مدن) هما خارج سلطة الحكومة في دمشق: الرقة وإدلب، هذا يعني أن 25 ألفاً و 713 كيلومتراً هي خارج سيطرة الحكومة السورية. أما بقية المحافظات المشطورة، فإن نصف حلب هي خارج سيطرة الحكومة، ما يعني أن 9 آلاف و 250 كيلومتراً هي خارج السيطرة، ومن محافظة دير الزور هناك 16 ألف و 530 كيلومتراً خارج السيطرة أيضاً، فضلاً عن أراضٍ هنا وهناك لا يمكن تقديرها بدقة.
هذا يعني أن شمال غرب ووسط وشرق سورية شبه خارج عن السيطرة المركزية. وهناك مناطق مازالت تُقضَم بين الفينة والأخرى وبالتحديد في شرق حلب حيث يحاصر داعش قاعدة كويرس العسكرية، التي بسقوطها ستسقط الأطراف المحيطة بها. يُضاف إلى ذلك، بأن جوار سورية لا يساعد على احتواء الموقف ووقف تلك الخسائر، وبالتحديد في الشرق والشمال الغربي. فالعراق غير قادر على ضبط الحدود، والأتراك تاركين حدودهم ممراً لعبور خصوم الحكومة السورية.
من هنا جاءت السياسة الروسية الجديدة لتعديل ميزان القوى على الأرض. وهدفهم الأساس هو الحيلولة دون قدوم الإسلاميين في السلطة في دمشق، والتي ستعتبره موسكو تهديداً وجودياً لها، باتصاله بمناطق القوقاز، التي هرع الآلاف من سكانها للالتحاق بالتنظيمات الجهادية في سورية، وباتوا يُشكلون تهديداً للأمن القومي الروسي كما ترى ذلك موسكو.
وبعد ظهور تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة في يونيو/ حزيران من العام 2014 لمحاربة تنظيم داعش في سورية، أخذ الروس يتموضعون في مسألة المواجهة مع الإسلاميين المتشددين بشكل موازٍ ولكنه متباين عن الموقف الغربي، الذي يقوم بالأساس على ضبط الخلافات حول الموقف من تلك الجماعات التي ترى فيها فرصة لإضعاف الحكومة المركزية في دمشق، وبالتالي ليس هناك داعٍ لتقديم أوان المواجهة معها ما دامت الفائدة منها قوية.
ولأن الأميركيين لم يحسموا الأمر في هذا الشأن مع الأتراك بشكل جدي، أخذ الروس بزمام المبادرة وباتوا يدفعون باتجاه إعادة تفسير عناوين الصراع في سورية، وبالتحديد الموقف من الجماعات المسلحة هناك. هذه النقطة هي المفصل الأساس في الصراع اليوم، وفي طبيعة الخطوة الروسية الجديدة في سورية. فالمناطق المنهارة في شمال غرب ووسط وشرق سورية لا تسيطر عليها جماعات متجانسة، ولا هي محل اتفاق إقليمي ودولي.
فالرقة، يسيطر عليها داعش. وإدلب تسيطر عليها جبهة النصرة وكذلك الحال في بقية المناطق، سواء في تدمر أو حلب أو حمص، لذلك، فنحن نرى أن طائرات التحالف لا تستهدف معسكرات النصرة، ما خلا بعض الأفراد الذين «قد» يشكلون خطراً ممتداً لخطر القاعدة الأكبر، إلاَّ أن بُنية الجبهة ظلت في مأمن. من هنا قد تأتي لحظة الصِّدام الروسي الأميركي من هذا المنطلق. فالروس لا يرون فرقاً أبداً بين داعش والنصرة، أو الاثنتين وبين فصائل إسلامية أخرى، وهو ما يعني أنهم سيكونون في مرمى النار الروسية، وهو ما قد يُقرِّب المواجهة أكثر بين القوات الروسية والأميركية هناك.
هذا الأمر ليس تنبأ فقط بل هو حقيقة. وقد ذكر ذلك المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست في تصريح له يوم الثلثاء قائلاً بأن «التعزيزات العسكرية الروسية إلى سورية قد تشعل مواجهة مع القوات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية». وإذا ما حصلت هذا المواجهة فنحن أمام حرب أكثر خطورة من «الحرب الكورية» التي كان القتال يجري فيها بالوكالة بين أطراف محلية (مدعومة). أما في سورية، فإن الأمر مختلف، فهناك قوات مباشرة للطرفين.
الروس يطمحون من تدخلهم إلى إفراغ المنطقة الممتدة من حارم في حلب ثم سراقب مروراً بإدلب ثم حمص ثم النبك فيبرود ودمشق حتى السويداء من أي وجود للمعارضة المسلحة. ثم البدء نحو قضم المناطق الواقعة تحت السفيرة كـ الحاضر وخناصر نزولاً لالسلمية ثم القريتين حتى الجنوب. ثم التفرغ نحو الرقة والمناطق الشرقية، على أن يتولى حزب الله تمشيط المناطق المحاذية للبنان وصولاً لحزام دمشق الغربي. ثم التفرغ نحو مناطق أخرى في الشمال إن تطلب الأمر.
أمام كل هذه المساعي لإفراغ مناطق محددة سيكون هناك خط تماس بين معارك الروس ومثيلتها لدى الأميركيين. وهو أخطر ما في المشهد اليوم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ
متابع
زعلتونا يا إدارة من عدم نشر التعليقات كاملة
التدخل على المكشوف لتعديل موازين القوى على الأرض او العكس ... ام محمود
لا توجد دولة في العالم لم تتدخل في سوريا سواء بدعم الارهاب او بمقاتلة الارهابيين على قولتهم و لكن الأهداف اكبر فالمنطقة العربية في مخاض و هناك احداث مؤسفة جدا ستقع قريبا في العراق و سوريا ستذهل الجميع و هي من علامات ظهور السفياني و هناك تصريحات لبريطانيا و تركيا بتدخلهم المباشر و لكن الخطر هو الذي توقعته في نهاية المقال بان الدول العظمى او العملاقة و هي امريكا و روسيا اذا تواجها عسكريا في دولة عربية هنا ستكون الصاعقة ليتحاربوا و لكن بعيد عنا
سقوط دمشق متوقع هذا العام و سيكون له تداعيات وهزات
مقال ممتاز وجاء في وقته حدث الساعة ........ ام محمود
المواجهة الامريكيةالروسية لابد منها خاصة في ظل التطورات الأخيرة و التحشيد العسكري و المناورات التي تنوي روسيا اجراءها بالقرب من السواحل السورية و من قبل كان هناك تهديد بالإطاحة ب بشار الأسد من قبل المسئولين الأمريكيين و جاء هذا الدعم الروسي الغير مسبوق و الغير متوقع خاصة و ان الرئيس السوري انهكته الحرب ضد الإرهابيين و اصبح يسيطر على سدس الجمهورية السورية فقط . الخوف الآن من حدوث ضربات بأقوى الأسلحة على الأرض السورية مما سينتج سقوط ضحايا كثيرون و أوباما قال أمس أي تدخل روسي في سوريا مصيره الفشل
متابع
الحل في سوريا سياسي بتنازل الجميع معارضة وموالاة على نهج المصالحات
الله يفرجها على الشعوب العربية.