حسن الظن هو أول الطريق إلى راحة البال؛ فحين يكون حسن ظنك هو الأساس في التعامل مع من هم حولك وخصوصاً أهلك وأحبتك، فأنت لست بحاجة إلى القلق أو الخوف أو انتظار ما يتربص بك في أية لحظة.
حين يكون ظنك خيراً بهم فإنك ستعيش حياتك مرتاح البال، تعرف أن لك أحبة يسعدونك حين تحتاج لجرعة فرح، وينتشلونك حين تغدر بك إحدى حفر الحياة، ويبتسمون في وجهك حين تلوذ بحضنهم، ويشاركونك سعادتك بنجاحاتك وتحقيق أمنياتك.
حسن الظن هو تأشيرة للدخول إلى السلام الروحي والسلام المجتمعي، برغم أن بعضه حين لا يكون في موضعه قد يجلب كثيراً من الألم والحسرة والندم.
ألم وندم لأنه كان أكبر ممن أحسنّا بهم ظنوناً، وأكبر من غدرهم أو تخاذلهم.
ولا يعني هذا أن نستكين إلى القلق من الآخر؛ بل يتوجب أن نمتلك مساحة من الحذر وتوقع أي طارئ وهو أمر لا يتنافى مع وجود الظن الجميل، ولا يكون معاكساً له، بل ملازماً كي لا تتكسر كل توقعاتنا وتودي بنا إلى هاوية من الانعزال.
يحكى في التراث أن امرأة جاءت إلى أحد الحكماء وهي تحمل قوت أسبوع لها ولعيالها، في وقت كان فيه توفير قوت يوم واحد لخمسة أشخاص بحاجة لمعجزة، تطلب منه أن يحتفظ به لديه؛ لأنها لا تستطيع أن تضمن بقاءه سالماً في بيتها الذي لا يزوره غرباء ولا تدخله الحيوانات.
تعجب الرجل من فعل المرأة مع تأكيدها أن بيتها آمن من السطو الخارجي، وسألها عن سبب الخوف، فأجابت: ربما يأخذه زوجي ويذهب به لامرأة أخرى، وربما يستأثر به أحد أبنائي ويأكله أو يوزعه على أصدقائه متفاخراً بقدرته على خدمتهم، وربما تغلب الرحمة قلب ولدي الأصغر فيلقيه للحيوانات من حولنا ويطعمه لهر جائع أو كلب ضال.
ابتسم الحكيم وأخبرها بموافقته، لكنها في اليوم التالي لم تجد لديه الطعام حين سألت عنه بل أجابها: لقد ساورك الشك في أهل بيتك، فكيف تثقين بغريب؟ وأنكر أن لديه أمانة لها. صعقت المرأة وعادت إلى بيتها تجرجر أذيال الخيبة، لكنها فوجئت بأبنائها وزوجها ينتظرونها وقد جهزوا لهم ولها وليمة كاملة. وبقي الوضع هكذا لمدة عشرة أيام، وفي كل يوم كانت تزداد تعجباً مما حل بأفراد أسرتها وكيف أنهم تغيروا في هذا الجانب، فذهبت للحكيم وسردت له ما واجهته فقال: لأنني ببساطة اجتمعت بأهل بيتك وأخبرتهم أن يظهروا لك مشاعرهم ويحاولوا أن يكونوا لك خير معين، لأنك تشعرين بخيبة منهم، وقد أبدوا استعدادهم للتعاون معك وانطلقوا فرحين بعد أن أعطيتهم الأمانة، وبعد أن شعروا أنهم سيقدمون لك خدماتهم وسيضاعفون ماكنتِ ستقدمينه لهم كل يوم. وأخبرها الحكيم أنها لم تكن بحاجة للبقاء في قلقها وخوفها من أفراد أسرتها، بل كلما كان ينقصها هو مكاشفتهم وطلب مساعدتهم كي تشعر بمدى حبهم لها ولبعضهم بعضاً.
أحياناً يكون حسن الظن بإخبار الآخرين عن حاجتنا إليهم وإعطائهم خارطة طريق لكيفية مساعدتنا؛ فلا يفترض أبداً أن نتيقن أن الآخر يعرف مانريد بالضبط حين لا نصرح به، وما تقصير من حولنا - إن حدث - إلا نتيجة لعدم معرفتهم بما نحتاج، وما التوقعات السلبية المسبقة إلا سوء ظن يأسرنا في شكنا وتخوفنا من الآخرين، شك وتخوف لا داعي لهما يجعلان حياتنا مرصودة للعذاب.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ
جميل جدا أستاذة سوسن،
جميل جدا أستاذة سوسن، كأنك قد قرأتِ حقيقة احتوتها الجوانح بسبب مُفرزات الإعاقة عندي وكثيرا ما ثبت بطلان تلك المشاعر من سوء الظن، شكرا لك أستاذة منحتني جرعا منعشة من حسن الظن جعلتني أكثر تفاؤلا وحيوية.