قال الأمين العام لجمعية وعد رضي الموسوي: «إن تداعيات الأزمات الإقليمية، تبرز أهمية الدعوة التي أطلقها سجين الرأي والضمير المناضل إبراهيم شريف فور خروجه من السجن في النصف الثاني من شهر يونيو/ حزيران الماضي وقبل توقيفه ثانية، حيث أكد على ضرورة مد الجسور بين مكونات المجتمع البحريني وتبريد الساحة لصالح الوحدة الوطنية ولجم أي انزلاقات يمكن أن تشهدها البلاد على خلفية الوضع في المنطقة».
وأضاف في ندوة عقدت بمقر جمعية وعد في أم الحصم مساء الأربعاء (9 سبتمبر/ أيلول 2015) تحت عنوان «التطورات السياسية في المنطقة وانعكاساتها على الوضع المحلي»، إننا «نؤكد هنا على مبدأ رئيس هو أن البحرين لجميع البحرينيين، وأن محاولات حرف الواقع بغير ما هو عليه لن يحل الأزمة السياسية ولن يغير شيئا في الواقع القائم، الأمر الذي يفرض ضرورة تمتع الجميع بدرجة عالية من الوعي لكي لا نقع في براثن الفرقة والتمترس الطائفي والمذهبي الذي تعاني منه المنطقة برمتها».
وأفاد «تعاني بلادنا البحرين من تبعات السياسة الاقتصادية والمالية التي تسير عليها الحكومة والتي قادت للمزيد من الاقتراض أكثر مما يحتاجه تغطية العجز المستمر في الموازنة العامة، الأمر الذي قاد إلى تفاقم الدين العام لمستويات غير مسبوقة حتى شهر يونيو الماضي بلغت أكثر من ستة مليارات دينار، وفق الإحصائيات الأخيرة للمصرف المركزي، متوقع زيادته نهاية العام المقبل (2016) إلى أكثر من 7.6 مليار دينار (20.31 مليار دولار أمريكي) تشكل أكثر من 61 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، إذا ما سارت الأمور على ما هي عليه حاليا. إن هذا يقود بلا شك لتعثر أو صعوبة البلاد على سداد الدين وفوائده، ما يفاقم الوضع ويزيد من الضغوط على النفقات العامة التي تهم المواطن مثل التعليم والصحة والإسكان والعمل، وهو الأمر الذي سيشكل حالة استنزاف للمال العام وتبذير الدخل».
وتابع الموسوي «ومن جانب آخر، فإن توجهات الحكومة لرفع الدعم عن بعض المواد الأساسية مثل اللحوم الحمراء والبيضاء وتوقعات رفع الدعم عن المحروقات وخصوصا البنزين، أسوة بالإمارات، والكهرباء والماء، تشكل إضافة أعباء جديدة على حياة المواطن المعيشية الذي يعاني أصلا من جمود الرواتب والأجور في ظل التضخم المستمر وارتفاع أسعار السلع الأساسية والكمالية. وهي أيضا توجهات تأتي منفردة ومن طرف الحكومة دون مشاركة شعبية ومجتمعية ودون تفاصيل توضح الآلية التي سيتم من خلالها رفع الدعم وكيفية تخفيف الأعباء عن كاهل المواطن إزاء هذه الخطوات، وخصوصا في ظل الموقف الضبابي الذي تتخذه الحكومة في الإعلان الواضح بالحفاظ والدفاع عن مكتسبات المواطن المعيشية للحؤول دون سقوطه في براثن الحاجة والعوز والفقر».
وذكر أن «ثمة تبعات سلبية تنتج عن رفع الدعم بالطريقة المتداولة، تمتد لتطال أولئك المواطنين الذين افنوا عمرهم في خدمة وتطوير بلادنا حتى بلغوا سن التقاعد، وهو سن تكرمه الدول التي تقدر عطاءات مواطنيها، ولذلك فعلى الحكومة أن تتشارك مع المؤسسات التشريعية والرقابية ومؤسسات المجتمع المدني المتخصصة كالاقتصاديين والاجتماعيين والحقوقيين والشفافية والمؤسسات المدافعة عن حقوق المتقاعدين الذين افنوا ريعان شبابهم في خدمة الوطن ودفعوا اشتراكاتهم كاملة بغض النظر عن مستوى رواتبهم التي حصلوا عليها كحق مقابل إنتاجيتهم وكفاءتهم، ولا يجوز تمييز المتقاعدين في الحصول على الدعم حسب أجورهم، بل يجب تقدير إخلاصهم الطويل دون تمييز بينهم وتقديم المزيد من المكتسبات لهم كباقي الدول التي تقدر إخلاص أبنائها المتقاعدين الذين حملوا على عاتقهم تنمية بلادهم وتطويرها».
وأكمل «خفت الحديث نسبياً عن تداعيات ونتائج الاتفاق الأولي بين إيران ومجموعة الدول 5+1، وذلك بعد أن اشتدت المعارك في اليمن بعد نحو ستة أشهر على إعلان قوات التحالف بقيادة السعودية الحرب على حركة أنصار الله (الحوثيين) والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح الذي يسيطر على قطاعات واسعة من الجيش اليمني، فضلاً عن تداعيات الوضع العراقي الذي تفجر بصورة فاجأت النخب السياسية عندما انتفض العراقيون ضد الفساد تحت عنوان واسع هو استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن أغلب مناطق العراق بصورة مستمرة بينما كانت درجات الحرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية».
وواصل «وفي مناطق أبعد، نسبياً، عن الإقليم، تم تسليط الأضواء على نزوح اللاجئين السوريين إلى أوروبا في موجات تذكر بواقع اللاجئين الفلسطينيين الذي قضوا بعيد نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967. وكان يجري كل ذلك فيما كان اللبنانيون يخوضون معركة تحدي المحاصصات الطائفية والجمود السياسي في البلاد على خلفية الفراغ الدستوري في الرئاسة والحكومة وتعطل عمل مجلس النواب، حيث نزل اللبنانيون للشوارع تحت شعار «ريحتكم فاحت»، نسبة لتكدس النفايات في بيروت وأغلب المناطق اللبنانية وعدم قدرة الجهات المسئولة وضع حد لهذا التدهور البيئي والصحي».
وأردف «وفي خضم عملية خلط الأوراق في المنطقة واشتداد التجاذبات بين الأقطاب الكبار فيها، أعلنت السلطات الكويتية عن اكتشاف مخازن للأسلحة تعود إلى خلية لحزب الله وتم توقيف أكثر من عشرين شخصاً على ذمة التحقيق، الأمر الذي زاد من إرباك المشهد الكويتي الداخلي خصوصاً والوضع الإقليمي عموماً».
وأفاد «وبحكم موقع البحرين الاستراتيجي الذي يتوسط الخليج العربي، تأثرت البلاد بكل هذه التطورات الإقليمية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
وأشار الموسوي إلى أن «هذه الورقة، محاولة لتسليط الضوء على تداعيات الوضع الإقليمي على الواقع المحلي البحريني، ومحاولة لتلمس طريق تفادي هذه التداعيات أو التقليل من انعكاساتها، وخصوصاً على النسيج المجتمعي، آخذين في الاعتبار أن البعد المذهبي والطائفي قد أخذ مساحات واسعة في عملية الصراع الدائرة في المنطقة».
وذكر أن «بلادنا البحرين تواجه استحقاقات كبرى في ظل توتر الأوضاع الإقليمية، التي تؤثر سلبا على واقع السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، هذا الأمر يضاف إلى واقع العملية السياسية الذي يتسم بالجمود واستحواذ الحل الأمني على الساحة في ظل غياب المبادرات المطلوبة من السلطة تقديمها لحلحلة الأوضاع وتحريك المياه الراكدة واخراج بلادنا من الأزمة التي تعاني منها منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011، وما تلاها من تداعيات، زج خلالها آلاف في السجون والمعتقلات فيما تعرضت آلاف أخرى لعمليات الفصل التعسفي من العمل وتعمق التمييز والتهميش. يحدث ذلك بينما الوضع الاقتصادي يعاني هو الآخر من تداعيات الأزمة السياسية الطاحنة».
وشدد على أن «الواقع الحقوقي يستمر مأزوما بوجود أكثر من الفين وراء القضبان على خلفية الأزمة السياسية الدستورية، ورغم ابتكار بعض الحلول لهذا الواقع والمتمثل في توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق التي قدمتها لجلالة الملك في الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي، والتي وافقت الحكومة على تنفيذها، إلا أن جوهر التوصيات وروحها لم يتم تطبيقه، وان عملية التنفيذ قد تمت من ناحية الشكل فقط، وخصوصا مسألة الإفراج عن سجناء الرأي والضمير والتوصيات الخاصة بوقف عملية التحريض الإعلامي ومنح قوى المعارضة مساحات مقبولة في الإعلام المحلي».
وأوضح أن «الوضع الحقوقي في البحرين يتدحرج نحو مزيد من التعقيد وتحت عناوين شتى، قادت في نهاية المطاف إلى استمرار صدور الأحكام القاسية ضد السجناء على خلفية الأزمة السياسية، ومنهم المناضل ابراهيم شريف السيد الذي أعادت السلطات سجنه على خلفية ممارسة حقه الأصيل في التعبير عن الرأي والإفصاح عن مواقفه السياسية وآرائه التي يكفلها الدستور والميثاق وجميع المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير».
وتابع الموسوي «إن الإفراج الفوري عنه وشطب القضية المرفوعة ضده، حيث أن ليس هناك قضية أصلا لكي ترفع بحقه، وباعتبار أن التهم التي وجهتها له النيابة العامة هي تهم مرسلة لا تستند على أي أساس قانوني، وهذا ما أكدته المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية والعديد من الدول التي تحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي. وهنا نثمن مواقف كل الجهات التي وقفت إلى جانب شريف وطالبت بالإفراج عنه باعتباره سجين رأي وضمير، ونشيد بالجهود التي يقوم بها أعضاء هيئة الدفاع عن سجين الرأي والضمير ابراهيم شريف، وكذلك المساهمون في تنظيم حملات التضامن والتواصل مع الجهات ذات الاختصاص».
وطالب أيضا «بالإفراج عن القيادات السياسية والنشطاء وجميع سجناء الرأي والضمير والشروع الجدي في تبريد الساحة المحلية بما يعزز السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي ويؤسس لتوافقات تسهم في حل الأزمة السياسية الدستورية وتسويتها بصورة شاملة ودائمة، وإعادة قراءة نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الثقافية والاقتصادية، بما يعيد فهم هذه المواثيق باتجاه تجسيد حرية الرأي والتعبير والممارسة الديمقراطية الحقة، والتي تتجسد عبر حوار وطني جاد وجامع قادر على إنتاج حل حقيقي للأزمة السياسية يتوافق عليه البحرينيون، بما يؤسس للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي ترتكز على التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان وتجسيد المبادئ الرئيسية للدستور وميثاق العمل الوطني في الملكية الدستورية على غرار الديمقراطيات العريقة، وبما يقضي على التمييز بجميع أشكاله عبر تشريعات متوافقة مع الشرعية الدولية».
وخلص الموسوي إلى أن «بلادنا البحرين تحتاج إلى نقلة نوعية بقرارات جريئة تتمثل في الشروع في تعزيز الوحدة الوطنية عبر إطلاق مشروع العدالة الانتقالية الذي يعالج آثار المرحلة السابقة ويؤسس لمرحلة جديدة تتوازى مع إطلاق الحوار الوطني الجامع الذي أصبح أكثر من ضرورة ملحة من اجل خلق التوافقات الكبرى وتجنيب بلادنا ويلات تداعيات الأزمات الإقليمية المستفحلة والمتناسلة، عدالة انتقالية تبدأ بالإنصاف والمصارحة وجبر الضرر وتعويض عائلات وأسر ضحايا المرحلة السابقة بغض النظر عن مواقعهم المهنية والنضالية، على أن يسبق ذلك تشريع عصري متوافق مع المواثيق الدولية حول تجريم التمييز بهدف تكريس المواطنة المتساوية ومحاربة خطاب الكراهية المدمر. ذلك يمكن البدء فيه بتطبيق ما هو متفق عليه: توصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي».
العدد 4752 - الخميس 10 سبتمبر 2015م الموافق 26 ذي القعدة 1436هـ
تسلم .... كثر الله من امثالك
تسلم .... كثر الله من امثالك