لاقت خطة حل مشكلة النفايات التي أقرتها الحكومة اللبنانية أمس الخميس (10 سبتمبر/ أيلول 2015) رفضاً من أبرز مجموعات المجتمع المدني وخصوصاً في ما يتعلق بالاعتماد على المطامر وأن كان بشكل مؤقت.
وأعلن وزير الزراعة أكرم شهيب، رئيس اللجنة الوزارية التي وضعت الخطة، بعد جلسة لمجلس الوزراء الليلة قبل الماضية استغرقت نحو ست ساعات توصل المجلس إلى «مسار حل بيئي مرحلي ومستدام». وجاء الإعلان عن الخطة بعد شهرين من بدء أزمة نتجت عن أقفال مطمر نفايات في منطقة الناعمة جنوب العاصمة وانتهاء عقد الشركة المكلفة جمع النفايات وطمرها من دون وجود عقود بديلة.
ومرحلياً، تنص الخطة على نقل النفايات المتراكمة التي لم تطمر منذ بدء الأزمة الحالية في 17 يوليو/ تموز إلى مطمر الناعمة الذي يفتح لهذه الغاية لمدة سبعة أيام فقط، على أن يتم بعدها تخضير المطمر وترتيبه وإنتاج الكهرباء منه.
في الوقت نفسه، يبدأ التحضير لاعتماد «مطمرين صحيين... وفق المعايير البيئية في منطقة سرار في عكار (شمال) ومنطقة المصنع في سلسلة جبال لبنان الشرقية» قرب الحدود مع سورية.
كما تنص الخطة على إعادة تأهيل مكب قديم مقفل في برج حمود شرق العاصمة بسبب تكدس النفايات إلى حد تشكيلها جبلاً شاهقاً مؤلفاً من آلاف الأطنان، وتأهيل مكب إضافي في منطقة صور في الجنوب. وتستمر هذه المرحلة 18 شهراً.
وعلى المدى البعيد أو المستدام، قررت الحكومة «الأخذ بمبدأ لا مركزية المعالجة وإعطاء الدور للبلديات واتحاداتها في تحمل مسئولية الملف». وأكد عضو لجنة الفنيين التي وضعت الخطة بسام القنطار لوكالة «فرانس برس» إنه «لن تكون هناك مطامر بعد انتهاء فترة الـ18 شهراً، وفي حال لم تكن البلديات جاهزة، سنشهد أزمة جديدة وستعود النفايات إلى الشارع».
وأعلنت حملة «عكار منا مزبلة» رفضها للخطة الحكومية، إذ دعت على صفحتها على موقع «فيسبوك» إلى التجمع الخميس في ساحة العبدة في عكار رفضاً لمطمر النفايات.
كما أكدت بلدية الناعمة رفضها لإعادة فتح المطمر، الشرارة التي أشعلت الأزمة أساساً. وأعلنت في بيان نقلته الوكالة الوطنية للإعلام «عدم الموافقة على إعادة فتح المطمر حتى ولو لساعة واحدة». ويتبنى المجتمع المدني تحفظات المناطق. فقد دعت حملة «طلعت ريحتكم» التي تقود التحركات في الشارع على صفحتها على «فيسبوك» إلى «المشاركة في الاعتصام الذي... ابتداء من الساعة الخامسة أمام مطمر الناعمة رفضاً لفتحه مجدداً».
وكان لوسيان ابو رجيلي، أحد الناشطين في الحملة، قال لوكالة فرانس برس «الموقف المبدئي من الخطة سلبي، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة فتح مطمر الناعمة وإن بشكل مؤقت». وأقر الخبير البيئي زياد أبي شاكر بأن «المشكلة الأساسية» تكمن في الحفاظ على المطامر والمكبات. وتساءل «لبنان بلد صغير ولا يمكن الإبقاء على المطامر فيه، ماذا سنورث الجيل الجديد؟».
إلا أنه رأى رداً على أسئلة وكالة «فرانس برس» أن «الخطة صالحة، وقابلة للتنفيذ ومن الممكن القول إنها إيجابية بنسبة 80 في المئة، وخصوصاً في ما يتعلق باللامركزية على صعيد البلديات».
وأشار أيضاً إلى «انخفاض كلفة النقل وارتفاع معدلات التدوير، فلبنان كان يدور في السابق 8 في المئة فقط، أما اليوم يبدو أن المعادلة انقلبت».
ولم يعتد اللبنانيون على فرز النفايات في منازلهم تمهيداً لإعادة تدويرها. وتقتصر المبادرات في هذا الإطار على جمعيات خيرية أو أخرى لا تبتغي الربح، بالإضافة إلى الجزء القليل جداً الذي كانت تقوم بها شركة «سوكلين»، الشركة المنتهية عقدها.
ويقول أبورجيلي إن تسليم البلديات زمام ملف النفايات «ليس مطروحاً بطريقة واضحة وشفافة في الخطة»، مشككاً في القدرة على تنفيذها. وبالنسبة إليه، فإن «ما يحصل هو ما تلجأ إليه الحكومة دائماً في مواجهة المطالب بهدف تهدئة الشارع عبر إنصاف حلول فقط».
وأثارت أزمة النفايات غضباً شعبياً عارماً دفع الآلاف إلى الشارع مراراً بدعوة من المجتمع المدني، وشهد أمس الأول (الأربعاء) تظاهرات في وسط بيروت هتف خلالها المشاركون «حراميي، حراميي» في وجه السياسيين.
وتحولت الحركة الاحتجاجية إلى انتفاضة شاملة ضد الطبقة السياسية التي وجهت إليها اتهامات بالتغاضي عن إيجاد حلول لازمة النفايات رغبة من السياسيين بتقاسم أرباح أي عقود مستقبلية، وبإهمال كل مشاكل المواطنين المتراكمة من انقطاع الكهرباء والماء وأزمة البطالة ومشاكل الاستشفاء والفساد المستشري في المؤسسات.
وجاءت أزمة النفايات على خلفية أزمة سياسية حادة ناجمة عن شغور موقع رئاسة الجمهورية منذ مايو/ أيار 2014، وعن توترات أمنية متقطعة على خلفية النزاع في سورية المجاورة، ما أعطى مجلس النواب ذريعة لتجديد ولايته للمرة الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 حتى يونيو/ حزيران 2017.
ولا يعني التوصل إلى حل لملف النفايات أن الشارع سيهدأ. وأكد أبو رجيلي أن «هناك أربع مطالب رئيسية ننتظر تحقيقها وتتمثل في ملف النفايات، محاسبة وزير الداخلية عبر تحقيق قضائي، وإجراء انتخابات نيابية، واستقالة وزير البيئة» الذي يحمله المجتمع المدني مسئولية الأزمة.
العدد 4752 - الخميس 10 سبتمبر 2015م الموافق 26 ذي القعدة 1436هـ