أكاد لا أتذكر آخر مرة استمعت فيها لنشرة أخبار لا يكون مطلعها مصرع أو مقتل أو تفجير أو غرق لا علاقة له بالعرب والمسلمين، حتى قررت أن أتوقف عن الاستماع لنشرة أخبار هيئة الإذاعة البريطانية التي اعتدت افتتاح يومي بها كل صباح في طريقي إلى العمل. لكني أعرف تماماً أن إغلاق الأذن وتغطية العيون لن يُصلح شيئاً من حال عالمنا المختلة موازينه، ولن يوقف جنون الموت والدمار الذي أخذ أشكالاً متعددة، على أيدي المتذرعين بحماية الأديان والأنظمة والشعوب. ويتواصل القلق لكوننا لسنا بمعزل عن هذه النيران المشتعلة، فأسبابها لم تعد كامنة تحت السطح بل أطلت برأسها القبيح، وطالت رقبتها وقصر نظرها حتى لم تعد ترى أبعد من أنفها، كما قالت الأمثال عن من لا يمتلك نظرة بعيدة للأمور.
وليس الأفراد فقط من أصبحت هذه الأخبار مصدر قلق وألم يصلان بهم لحال اليأس؛ وإنما الحكومات المجاورة وحتى غير المجاورة التي لم يعد بوسعها تحمل أخطاء جيرانها من الأنظمة التي قررت أن «عليّ وعلى أعدائي» أو «إما أنا أو من بعدي الطوفان»، فعبء ما يحدث في دولة ما لم يعد يُستشعر في الدولة التي تشاركها الحدود وحسب، بل يمتد لدول في قارات أخرى، كما يحدث في المثل الطازج للمهاجرين الذين تصدروا اهتمام الرأي العالمي الأسبوع الماضي بموت العشرات اختناقاً وغرقاً. وستظل جثة الطفل إيلان المنكفأة على شاطئ بودروم التركي رمزاً يذكّر بحجم الأثمان الباهظة التي تدفعها الشعوب سيئة الحظ لكونها وُجدت في مناطق نزاعات وحروب أهلية أتت في سنوات قليلة على إرثها منذ تشكلت حضاراتها من آلاف السنين وانتهاءً بعيشها في وطن آمن كأي بشر اعتياديين.
وفي حين أدارت الدول العربية والإسلامية ظهرها لجموع المهاجرين التي لا ترى في هذه الدول ملجأ لها أصلاً؛ كان على الدول الأوروبية أن تتحمل اختيار الهاربين لها لتكون وجهة اللجوء، وبالطبع الهجرة والاستقرار، إذ لا تبشر الأوضاع بأي استقرار على المدى المنظور في دولها الأم.
وبالرغم من الدعوات التي اتخذت شكلاً رسمياً بتقاسم دول الاتحاد الأوروبي أعباء تدفق اللاجئين؛ إلا أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، لأن هذا الاستقبال الإنساني الذي لقيه المهاجرون سيفتح باب الأمل لملايين آخرين يعانون من تردى الأوضاع الحياتية في بلدانهم سواء في الدول العربية أو غيرها، وهؤلاء لن تستوعبهم أنظمة المساعدات الإنسانية الطارئة في العالم المتحضر.
والسؤال الأهم هنا: لماذا تتحمل هذه الدول نتائج سوء إدارة الحكم في دول أخرى! فهذه الدول لديها أولوياتها وخططها التي لن تسمح بنمو سكاني طارئ يضغط على استراتيجيتها وخططها ويتسبب في تغيرات مفاجئة غير محسوبة ولا مرغوبة في مؤشراتها التنموية. كما أن إيواء اللاجئين وتخفيف المعاناة الإنسانية لا يحل شيئاً من الأوضاع التي أدت بهم إلى ما هم عليه. فاللاجئون هم نتاج المشكلة وليسوا أصلاً لها.
من جديد تتشكل علامات استفهام حول مبدأ احترام سيادة الدول الذي أعيد تعريفه دولياً منذ نهايات القرن الماضي بحسب دراسة بعنوان «مبدأ السيادة في ظل التحولات الدولية الراهنة»، صدرت في العقد الماضي عن جامعة منتوري الجزائرية. وتطرقت الدراسة إلى ماطرحه بيل كلينتون في 1999 عندما كان رئيساً للولايات المتحدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مفهوم «التدخل الإنساني» محذراً الدول لئلا تعتقد أن سيادتها الوطنية ستمنع المجتمع الدولي من التدخل لوقف انتهاك حقوق الإنسان فيها. فالسيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية التي تعتبر أساس العلاقة الدولية المعاصرة ولكنها تتعلق بالأفراد أنفسهم وحرياتهم المحفوظة في ميثاق الأمم المتحدة. وهذا مايفتح المجال لمنظمات المجتمع الدولي للتدخل والمساعدة.
بعد 15 عاماً، لاتزال دولنا تجهل المفاهيم الدولية وتتصرف بمعزل تام عن تطورات احترام حقوق الإنسان لتفاقم اهتراء أوضاعها المتردية أصلاً بفعل الفساد والإدارة السيئة مما له آثار مباشرة ليس على مواطنيها فحسب وإنما على دول أخرى تجد نفسها فجأة مطالبة بتحمّل نتائج سوء وفساد الحكم. مَثَلُ هذه الدول في تشبثها بسيادتها، مَثَلُ رب البيت الذي يذيق أهل بيته صنوف العذاب، ولكنه لا يسمح لأحد بالتدخل لإنقاذهم معتبراً ذلك انتهاكاً لخصوصيته.
هذا الوضع الداخلي الذي يؤثر سوؤه على العالم الخارجي المحيط، يعيد الاهتمام بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي تسمح عدد من مواده بتدخل القوات الدولية لإعادة الأمن والسلم الدوليين، ولكنه يفتح أيضاً معه مخاوف لا منتهية من استغلال أو سوء استغلال الدول القرار ذاته. وإن كانت أوضاع حقوق الإنسان وحدها غير كافية بعد مرور سنوات على تدهورها المتواصل، لتفعيل «التدخل الإنساني»، فإن دخول أطراف أخرى في تحمل النتائج لا بد أن يسرّع إنهاء مفاهيم السيادة التقليدية المُتشبّث بها، وسيتذكر التاريخ للأزمات التي تصدِّرها دولنا العربية التي نخرها الفساد وسوء الحكم إلى خارجها، بأنها هي المحرّك للتغييرات التي أقلقت العالم من حولنا، ودعته إلى التفكير في نظام يحميه منا، ومن تأثيرات سوء أفعالنا على الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4750 - الثلثاء 08 سبتمبر 2015م الموافق 24 ذي القعدة 1436هـ
احم احم
.....احنا بعد الف واربع مئة سنه مستحيل نفهم مو نعتدل ؟
يا ايها المواطنون اسمحو ليي تر ما فينا شي عدل
عجبي
انظر الى الكفار كيف يطبقون الاسلام وانظر الى المسلمين كيف يطبقون الحقد والكراهية وهم ليس بمسلمين بل هم أقذر مما تتصول على وجه الكرة الارضيّة لماذا كل انواع الدمار في دول المسلمين ولاعماروالتسامح في دول الغرب اي اتباع الرسول محمد (ص)!!!!!!!!!!!!
اوربا تطبق العدالة والقانون وليس الأسلام
لا أدري من أين اتيت بهذه المعلومة المغلوطة فهل انتشار البارات والمراقص الليلية من الأسلام وهل البوي افرند من الأسلام وهل قانون الميراث من الاسلام وهل العلمانية من الاسلام وهل وهل وهل اسئلة كثيرة لا صلة لها بالأسلام
انها الخدعه
اللتي يراد لك وامثالك ان تنخدع بها تأمل قليلا وستجد من يخطط لهذهزالنضره .