تقول أغنية بوب شعبية أميركية قديمة:

قد كنت مخطئاً إذ خططت لشيء كبير...

ونسيت أن الشيطان يكمن في التفاصيل...

فمن أجل الحصول على المسمار ضاع الحصان

ومن أجل الحصول على الحصان ضاع الفارس

ومن أجل الفارس ضاعت الرسالة

من أجل الرسالة ضاعت المعركة

ومن أجل المعركة ضاعت البلد...

الأغنية تذكر بربيع العرب الخائب والمتآمر عليه وبالحال الذي انتهت إليه عدة أوطان عربية حلمت شعوبها بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية فجرى إسقاطها وقتلها وتدميرها وتهجيرها، مع مطلع انطلاق الربيع العربي صرح حسني مبارك ومعمر القذافي للصحافة الغربية بالقول: نحن الذين نقي العالم من مجيء الإسلاميين على رأس أنظمة الحكم، ونحن الذين نحمي الغرب من هجرة المواطنين العرب إلى أوروبا».

وقد أثار حادث غرق الطفل السوري إيلان الكردي وصورته التي تصدرت مانشيتات صحف العالم ونشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي الرأي العام الدولي على مدى الأسبوع الماضي ودارت سجالات عدة عن المآلات التي تسبب فيها الاضطراب والفوضى والحروب في الشرق الأوسط.

جاء إيلان الكردي إلينا بعد اندلاع أحداث الربيع العربي بعامين، السوريون كانوا متفائلون وحلموا بالتغيير والديمقراطية وأما الأكراد فتوقعوا قرب تحقيق الحلم الموعود بالدولة الكردية، لذلك لم يتوقفوا عن إنجاب الأطفال حتى في أوج الأزمة واحتدام الصراع العربي والإقليمي والدولي في بلدهم، كان الأميركان أكثر المتحمسين لإسقاط النظام بأي وسيلة، وعرف عن السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد أنه كان يجول في المناطق التي تندلع فيها التظاهرات معتقداً قرب رحيل النظام، هذا السفير هو أكثر من أدرك وبشكل مبكر صعوبة وتعقيد المشهد السوري إذ سرعان ما ترك السفارة والعمل الدبلوماسي واختفى من الساحة السياسية تماماً وربما نسي نظرية الفوضى الخلاقة والتي تقول بضرورة إحدث التغيير القسري وعبر كل الوسائل لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد، رغم ذلك، لدى الأميركان قناعة أن أزمات الشرق الأوسط سواء عبر الفوضى الخلاقة أو بدونها لن تطالهم، ولا قدرة للمهاجرين في الشرق على عبور المحيط والوصول إلى أراضيهم، كان خطاب الإعلام الأميركي يقول عن العرب «اعزلوهم في بلدانهم وأقيموا الجدران العازلة بيننا وبينهم ودعوهم يدمرون بعضهم البعض بعيداً عنا» وقد وصفت أميركا أزمة الهجرة بأنها شأن أوروبي خاص بأوروبا وحدها.

لم يعد المجتمع الدولي يتحدث اليوم عن إسقاط هذا النظام أو ذاك إنما بكيفية تلافي آثار ونتائج الفوضى العارمة التي تخلقت في أكثر من مكان على إثر ذلك والضريبة التي على العالم أن يدفعها بعد أن تشرد الملايين وألقوا بأجسادهم وأحمالهم على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، الهجرة كشفت أن العالم كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولعل الجدل الدائر في أوروبا اليوم لا يتعلق بقوانين الهجرة فحسب إنما بالكيفية التي سيدمج بها هؤلاء المهاجرون وإلى متى؟

أزمة اللاجئين تضع العالم كله غرباً وشرقاً أمام التزامته الإنسانية والأخلاقية والقانونية، قبل سنوات قالت الأمم المتحدة في أحد تقاريرها «الفقر في أي مكان يهدد الرخاء والاستقرار في كل مكان» وهكذا، تختل المعادلة في مكان فيحصل التغيير في أكثر من مكان.