تطفئ صحيفة «الوسط» اليوم الشمعة الثالثة عشرة منذ ولادتها في السابع من سبتمبر/ أيلول العام 2002، ومنذ صدورها وإلى يومنا هذا استطاعت أن تثبت بامتياز ليس استقلاليتها فحسب، بل وباعتمادها منهج الوسطية وبتمثيلها أصوات البحرينيين كافةً على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، عبر فتح صفحاتها لمختلف الأقلام البحرينية في المقام الأول، فضلاً عن الأقلام العربية والأجنبية المترجمة. مشروع صحيفة «الوسط» مشروع بحريني مئة في المئة، وقد تمكن في فترة قصيرة أن يحتضن ليس الكفاءات الصحافية البحرينية المهمشة التي لحقها الغبن، بل وأن يُخرج كفاءات شبابية صحافية بدأت من الصفر في «الوسط» واليوم أضحت من الأقلام التي يُشار إليها، بقدر أو بآخر، بالبنان سواء ممازالت تعمل في الصحيفة أم من انتقلت إلى صحف أخرى أو مراكز أبحاث أو عزفت لأي سبب من الأسباب عن مواصلة احتراف «مهنة المتاعب».
وفي تقديري فلئن كان من معاني الوسطية الاعتدال فإن هذا المعنى ينسحب على خاصية من خاصيات شعبنا البحريني، عوام ونخبةً ثقافيةً وسياسيةً، فحتى جُل جمعياتنا السياسية وسائر قوى المعارضة إنما تنحو إجمالاً إلى الاعتدال والسلمية في خطابها السياسي ومطالبها، ولذلك لا غرابة إذا ما وجد هذا الخطاب وتلك المطالب مكاناً لها في «الوسط « ولو كان الأمر غير ذلك، أي شديدة التطرف، لما كان لها مكان في صفحاتها، وبالمثل فيما يتعلق بالخطاب الديني بمختلف مدارسه وانتماءاته الدينية والطائفية. إن تبني الصحيفة لهذا المنهج الوسطي المعتدل المستقل ليدحض بقوة كل التخرصات التي توصم الصحيفة بـ «الطائفية» أو التطرف. ومن الخطأ وصف انتهاج «الوسط» الاستقلالية في خطها السياسي بـ «المعارضة»، فالصحيفة المعارضة في أي دولة في العالم لا مكان في صفحاتها لأقلام الموالاة أو لأقلام تكتب تأييداً للحكومة ونقداً لها في آن واحد، ولا مكان بارزاً فيها أيضاً لأخبار الدولة، و «الوسط» كصحيفة مستقلة غير حزبية تعلم جيداً ان خصوصيات مجتمعنا البحريني الصغير وساحتنا الاعلامية والسياسية ولتلبية مختلف ميول القراء لا يمكن تجاهل مختلف أخبار وقضايا القوى والمؤسسات العاملة في حياتنا السياسية وبضمنها، الأخبار والفعاليات الرسمية، وربما واحدة من أسباب توجيه السهام إليها فتحها صفحاتها لفعاليات مختلف القوى السياسية لطرح خطاباتها وللدفاع عن مواقفها من دون إقصاء لهذا الطرف او ذاك وبضمنها حتى ما تُعرف بـ «قوى الموالاة للحكومة»، وهذا مما لا نجده في أي صحيفة معارضة حزبية كانت ام مستقلة.
وربما ظن البعض خطأً ان «الوسط» لا تتقيد بقانون الطباعة والنشر وتنشر مقالات أو مواد كيفما وحيثما يحلو لها، وهذا غير صحيح، فلأنها تراعي هذا الالتزام فإن بعضاً من المقالات، بحسب علمي، تُستبعد من النشر، إذا كانت ستُعرّض الصحيفة للمساءلة القانونية، أو حتى التوقيف بغية تمرير المقال، وهذا ما تفعله كل الصحافة العربية بلا استثناء.
وعلى رغم طموح الكاتب الصحافي العربي إلى أقصى ما يمكن من هامش حرية الصحافة وهو طموح مشروع، فإني أرى شخصياً ان هامش حرية التعبير المتوافر في صحيفة «الوسط» يمثل الحد الأدنى الكافي لإيصال أي نقد أو موقف معارض سواء للحكومة أو لأي جهة اخرى إذا ما استطاع الكاتب ان يعتمد الاسلوب المعتدل المناسب في التعبير عن رأيه أو موقفه، ومن ثم بإمكانه ان يوصل الفكرة دونما حاجة للغة الصدامية الاستفزازية.
في مقال للكاتب الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل نُشر قبل نحو عام في الأهرام وتحديداً في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 تحت عنوان: «بيان... واعتذار... ورجاء» يقول ما معناه ان حفلات التكريم والاوسمة والشهادات ليست هي التي تحدد قيمة هذا الكاتب أو ذاك، وهو ما ينطبق في تقديري على حفلات تكريم الصحف العربية وكتّابها أيضاً. ومما له دلالاته ويذكره هيكل حرفياً في نفس المقال: «ان القارئ أو المتابع لهذا الصحافي هو من يملك تقييم عمله، سواءً كان بالحبر على ورق أو بالضوء على شاشة، ويكون التقييم بالإقبال على ما يقدمه ذلك الصحافي أو بالإعراض عنه» . ولعل هذا في تقديري خير تكريم يحق لـ «الوسط» ان تفتخر به وهي تحتفل بالذكرى الثالثة عشرة على صدورها، كنيشان أو وسامٍ على صدرها، وعلى صدور كتّابها، أعني ما حظيت به وكتّابها من مصداقية وثقة واسعة وسط أوسع شريحة من القراء والمثقفين البحرينيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والدينية كصحيفة تهتم بقضايا وهموم وشجون كل البحرينيين من دون استثناء وقضاياهم الآنية من سياسة وثقافة وفن وبيئة وتاريخ وآثار... إلخ.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4748 - الأحد 06 سبتمبر 2015م الموافق 22 ذي القعدة 1436هـ
تحية
تحية لجريدة الوسط وللكاتب المبدع الاستاذ رضي السماك والذي بإنضمامه لعائلة الوسط أضفى لون ومستوى جديد للجريدة