العدد 4746 - الجمعة 04 سبتمبر 2015م الموافق 20 ذي القعدة 1436هـ

الكاتب وإشاعة الأمل

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

يعتب علينا قراؤنا الأعزاء ان مقالاتنا في كثير من الاحيان يظللها طابع التشاؤم والسوداوية والتخويف والندب وتقريع الذات والتحسر على الماضي، والمقارنة الدائمة بين حالنا المزري وحال الآخر المزدهر، والتحذير المستمر من المخاطر المقبلة، وانه جدير بالكاتب ان يمنح مساحة من الامل لقرائه مهما كان الواقع كئيبا.

والحقيقة ان هذه الملاحظة مهمة وجديرة بالالتفات، فهل نحن متشائمون حقّاً ام اننا نعكس في كتاباتنا واقعا عربيا مزريا، وهل يُنتظر من السياسة والصحف السياسية أن تكون مصدراً للأمل والفرح؟.

في طرفة وردت ضمن مسلسل اذاعي للفنان دريد لحام قبل عدة سنوات، تأخذ الزوجة زوجها المأزوم الى الطبيب النفسي؛ لانه يريد الانتحار، يسأله الطبيب: هل انت متزوج؟، هل تقرأ الصحف؟

الحديث عن السياسة العربية وملفاتها المغلقة المتحجرة يثير المواجع، لكنها تبعث على ضرورة التغيير نحو الأفضل بسرعة وقبل فوات الأوان، ثم أليس كل ما نشهده اليوم من توترات وتصارع وحروب في أكثر من بقعة عربية إن هو الا نتيجة لهذا الجمود الطويل؟ هل نكتفي بحمد الله على نعمة الأمن والسلام في بلدنا دون ان نستشعر الخوف من قادم الأيام ونستبق الأحداث ونجهز أنفسنا ونضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهة جملة من الأزمات المحدقة القادمة، أزمات مالية وبيئية ومائية وسكانية ومعيشية مقبلة؟ قبل عدة سنوات كنت أدير زاوية بريد القراء، وكانت هذه الزاوية تتضمن العديد من المشاكل والتظلمات، وكانت تمنحني طاقة سلبية أتغلب عليها باختيار بعض الخواطر والأشعار الرقيقة والعناوين الجذابة المثيرة البعيدة عن صلب الموضوع؛ لتخفيف سوداوية الزاوية، في إحدى الرسائل اشتكت طالبة من أن والدها الملتزم دينيا ترك والدتها وتزوج سيدة اخرى لا تليق بمستوى العائلة، ونشرت الرسالة تحت عنوان: «ابي فوق الشجرة»، لا لاستجلاب انتباه القارئ وخداعه، لكن لانتزاع ابتسامة من نوع «شر البلية ما يضحك».

ليست الصحف هي من تجلب الفرح أو الحزن بل طريقة عرضها واختيارها للمانشيتات، مع أن السبق الصحافي لا يعبأ بنفسية القارئ بقدر ما يهمه جذب انتباهه، لا يتعلم الصحافي في مدرسة الصحافة إلا تحري الدقة والموضوعية والحياد والمهنية في كل خبر ومقال، أما استخلاص العلامات المضيئة البيضاء في كل مادة وان بدت حالكة السواد فهي مهمة دعاة الطاقة الايجابية، لكن جدير بالكتَّاب التدرب عليها لاكتساب القراء في زمن عربي حالك السواد.

كتب الفيلسوف ديفيد هيوم: سعيد من تكون ظروفه مناسبة لمزاجه، لكن الأسعد من يستطيع ان يجعل مزاجه مناسباً لأي ظرف.

يستطيع المرء منا أن يختار المحزن والمأساوي في مسيرة حياته ووطنه ويخلق منها حائط مبكى دائماً ويظل يعيدها ويجترها أو يتخير بعض أبعادها الجميلة ويعيد النظر اليها من زاوية أخرى.

قبل اسابيع التقيت شابا بحرينيا كان يعمل مديرا في احدى الشركات الكبرى، فصل من عمله تعسفيا ضمن حملة الفصل في أحداث 2011، يقول ان هذا الفصل التعسفي احدث نقلة في حياته، فقد انشأ مشروعه الخاص لاحقاً وبما توافر لديه من اموال جمعها طوال فترة مسيرته المهنية هو وزوجته، لكنه قبلها اختبر فترة تحول شاقة للانتقال من عالم الرفاهية والحياة الميسرة الى عالم التقشف، باع سيارته الباذخة ونقل ابناءه الى مدارس حكومية واستغنى عن الشغالة والسائق الخاص، وتوقف عن السفر وارتياد المطاعم والتسوق، يقول: اثناء توصيل ابنائي الى المدرسة كنت اتحدث اليهم واشركهم في الحوار وامهد لهم بضرورة قيام كل فرد في العائلة بدوره من اجل اجتياز هذه المرحلة، وقد تبين لي انني امتلك مهارات وموهبة في التجارة، لكنها كانت متوارية ومدفونة وتنتظر الفرصة لبزوغها، بعد ثلاث سنوات حقق مشروعي نجاحا لافتا وتوفرت على مداخيل تفوق راتبي السابق عدة مرات، الاهم من كل ذلك هو الدرس العظيم الذي تعلمته، وان الحفاظ على النعمة والتدبير الاقتصادي مبدأ جدير بتلقينه لابنائنا وتعزيزه في المناهج والاعلام، وان الوفرة والرخاء ليست مبررا للسفه والتبذير.

ويختتم بالقول: ما كان لي ان اصل الى هذه المرتبة لولا ذلك التغيير المفاجئ الذي افقدني وظيفتي وأطاح بكل قناعاتي السابقة.

نعم ثمة قصص وحكايات جميلة جديرة بالنشر لبعث الأمل في النفوس، وشكرا لقرائنا المعاتبين.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4746 - الجمعة 04 سبتمبر 2015م الموافق 20 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:01 م

      السلام

      الموضوع لو المقال عجبني أحسنت يا كاتبه

    • زائر 2 | 9:05 ص

      احسنت

      موضوع رائع و مفيد ومشجع لكثير منا الذين اصابهم الكثير من الحيف والغم
      القصص الحقيقة اكثر إشاعة للامل والتفاؤل

    • زائر 1 | 12:15 ص

      أهمية التفائل

      شكرًا لك استاذة عصمت على هذا المقال الملهم، نعم نحن بحاجة الى إشاعة الحياة الجميلة وبث الأمل في المستقبل لنستطيع الإنجاز وتحقيق الذات. هناك أمور جميلة كثيرة في هذه الحياة وعلينا ان نتذكرها ونستلهم منها لمنحنا مزيدا من القوة والثبات. وفقك اللة وأتمنى عليك وعلى كتابنا الآخرين زيادة جرعات التفائل لشحذ الهمم.

اقرأ ايضاً