العدد 4746 - الجمعة 04 سبتمبر 2015م الموافق 20 ذي القعدة 1436هـ

القواقع وقصص الألم والخيال: «الگَير» و«الخالوف»

تناولنا في الحلقات السابقة، أهمية أنواع من القواقع والأصداف البحرية وعلاقتها بعددٍ من الصناعات القديمة، وكيف ارتبطت أنواع منها بالألعاب الشعبية، إلا أن هناك قواقع وأصدافاً، كالگير والخالوف، التي ارتبطت بنوع آخر من القصص. الگير والخالوف، من أنواع الأصداف البحرية التي ارتبطت بقصص الألم وقصص الخيال، تلك القصص التي نشأت من طبيعة الحياة القديمة بالقرب من ساحل البحر؛ فلم تكن الحياة في السابق كحالها اليوم، فالناس، والبحارة، يخرجون للبحر بأقدام عارية، والعديد من هذه القواقع، والگير والخالوف أخطرها، لها نتوءات حادة تؤذي من وطأ عليها. كذلك، في السابق، كانت السواحل بكر، ولم يكن حولها ما يصدر أصواتاً تحرم الجالس بالقرب من البحر من الاستمتاع بأصوات الطبيعة. هناك العديد من الأصوات التي يمكن الاستماع لها بالقرب من البحر، وتزعم العامة أنها كانت تسمع حتى أصواتاً تصدر من أنواع من القواقع، مثل الگير.

لاحظ كيف أن الگير، وهو نوع من القواقع، ارتبط بقصص الألم، وارتبط أيضاً بقصة، زعمت العامة بصحتها، ولا نعلم إن كانت حقيقة أم من نسج الخيال. أما قصص الألم فهناك العديد من القواقع والأصداف التي ارتبطت بها، وسيقتصر حديثنا في هذه الحلقة على الگير والخالوف والشيج والشگيگ.

الشيج والشگَيگَ

ذكرنا الشيج في الحلقة السابقة، وهو اسم يطلق على نوع من الصبان/الحصم الصغيرة والمدببة الرأس. وفي الكويت يطلق الاسم الشگيگ (مفردها شگيگة) على نوع آخر من القواقع، أيضاً مدببة الرأس، لكنها على شكل ناب فيل (البكر 2000، ص 262). إنها أنواع من القواقع البحرية تنتمي لما يعرف بالقواقع النابية Scaphopods؛ وقد عرفت بهذا الاسم لأن لها شكل يشبه ناب الفيل، لكنها صغيرة جداً. هذه القواقع تسبب جروحاً لمن يطأها، وربما سميت، لهذا السبب، بالأسماء الشيج والشگيگ؛ أي أنها اشتقت من الشق لأنها كانت تسبب شقوقاً في الأقدام. إلا أن هذه الأنواع من القواقع لم تشتهر كقواقع خطيرة، يحذرها من يذهب للبحر، ربما بسبب صغر حجمها أو قلة الأذى التي كانت تسببه.

يذكر أنه في الكويت، يستخدم اللفظ «شگيگ» لوصف اللون الأبيض الفاقع، لأن هذه القواقع بيضاء فاقعة؛ فالنساء «يصفون المرأة أو الرجل شديد البياض بهذه القوقعة، فيقولون فلان أو فلانة بياضة مثل الشگيگة، ويقال لليالي المقمرة التي يتجلى بها ضوء القمر نورا: الليلة گمرة شگاگية» (البكر 2000، ص 262).

الخالوف، رأسه كحد الفأس

الخالوف، هو من نوع الأصداف ذات الصدفتين، وليس من القواقع الحلزونية، وهو ينتمي لعائلة الأصداف القلمية (Pinnoidae). وهذه الأصداف مثلثة الشكل وطويلة، ويكون أغلب جسمها مدفون في قاع البحر؛ حيث يُدفن في القاع الجزء المدبب منها، ولا يظهر فوق السطح إلا الجزء العريض من الجزء الأمامي منها، والذي يتميز بحواف حادة جداً، وكأنها رأس فأس. وتعتبر هذه الأنواع من أخطر الأصداف والتي يتم التحذير منها عند الذهاب للبحر حافي القديم. فهذه الأصداف تسبب جروحاً عميقة لمن يطأها من الصيادين ورواد البحر.

يذكر أن بعض العامة تطلق مسمى الخالوف على نوع آخر من القواقع وهو الگير أو الجير والذي سنأتي على ذكره لاحقاً. إلا أن الأصح إطلاق الاسم خالوف على هذه الأنواع التي تشبه رأس الفأس، فالاسم مشهور على طوال ساحل الخليج العربي لهذه الأنواع من الأصداف؛ فهي تعرف في دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الاسم (الحميري 2012، ص 168)، وكذلك في الكويت (الرومي 1982، ص 229)، وقطر (أحمد 2002، ص 168). أضف إلى ذلك أن اشتقاق الاسم من الناحية اللغوية، يناسب هذه الأنواع من الأصداف؛ حيث يرجح أن الاسم اشتق من لفظة تعني «رأس الفأس»، جاء في لسان العرب (مادة خلف):

«الخَلْفُ حَدُّ الفَأْسِ، ابن سيده الخَلْفُ الفَأْس العظيمة وقيل هي الفأْس برأْس واحد وقيل هو رأْس الفأْس والمُوسى والجمع خُلوفٌ».

الگَير وأصوات البحر

تسمى الگير أو الجير وهي القواقع التي تنتمي لعائلة الأصداف الدودية (Vermitidae). وهذه القواقع لها شكل مميز، فهي عبارة عن أنبوبة مجوفة طويلة وملتفة حول نفسها كالدودة. وبعض العامة يسمي هذه القواقع خالوف، والأفضل خص الاسم خالوف بعائلة Pinnidae السابقة الذكر. وهي كثيراً ما سببت جروحاً عميقة لمن وطأها. والعامة تسميها گَير (قير) والبعض يسميها جير والبعض الآخر يسميها خالوف. وهذه الأصداف أيضاً، كالخالوف، تعتبر من القواقع الخطيرة والتي يجب الحذر من أماكن تواجدها، حيث تلتصق بالصخور؛ فلهذه القواقع حواف حادة جداً. ولأن شكل هذه القواقع أنبوبي، فالجرح الذي تسببه في الأقدام، عندما تطأ، يكون على شكل حفرة داخل القدم. وتتضاعف المشكلة، عندما تنكسر هذه القواقع داخل القدم. وقد تخصص البعض في إخراجها من القدم، حيث تستخرج بالموس أو السكين أو إبرة كبيرة أو حتى سلاية (شوكة نخلة) قوية. أما الحفرة الناتجة عنها فيتم كيها، إما بالعطبة، وهي قطعة قماش تشعل وتوضع على الجرح، أو بأحد شماريخ عذق النخلة بعد أن يزال عنه الرطب ويجف. يذكر أن لفظة عطبة تطلق على قطعة القماش المحترقة أو عن الرائحة الناتجة من ها، وهي عربية فصيحة، جاء في تاج العروس مادة (عطب):

«العُطْبَةُ بالضَّمِّ: قِطْعَةٌ مِن قُطْنٍ أَو صُوفٍ... واعْتَطَبَ بِهَا أَخَذَ النَّارَ فِيهَا ويقال: أَجِدُ ريحَ عُطْبَة أَي قُطْنَةٍ أَو خِرْقَة محترِقةٍ».

كذلك، هناك ظاهرة كانت مرتبطة بهذه القواقع المعرفة بالگير؛ فالمعروف أن هذه القواقع، وأنواع عديدة أخرى من القواقع، تعيش في منطقة المد والجزر، فإذا صارت «المايه سگي» يعني يحدث المد، فإن الماء يوفر الغذاء والغطاء لهذه القواقع. وعندما تفبر (تثبر) المايه أي يحدث الجزر، فإن الماء ينحسر عن هذه القواقع. ولهذه القواقع غطاء تغلق به فتحة القوقعة، فإذا انحسر الماء أغلقت قوقعتها بهذا الغطاء. فأما الگير فلأنه على شكل أنبوب، فإنه عندما يغلق قوقعته، بحسب ما زعمت العامة، فإنه يصدر صوتاً مميزاً وإنهم يسمعون هذا الصوت. بالطبع في الماضي كان الشاطئ هادئاً فلا يسمع إلا صوت البحر وأصوات الكائنات التي تسكنه. ظاهرة، سماع صوت إغلاق غطاء الگير عندما يحدث الجزر، رسخت في عقول العامة، وبدأت حينها توظف هذه الظاهرة في التشبيه، ونتج عن ذلك المثل الشعبي، الذي ذكره الناصري في كتابه «موسوعة الأمثال الشعبية»، وهو «ثبرت المايه وصاحت لگيَّرة». ويمكن توظيف هذا المثل في أكثر من موقف، على سبيل المثال، عندما يبدأ ارتفاع صوت جماعة من الناس.

الخلاصة

إن الحياة على سواحل البحر قديماً تختلف كثيراً عما هي اليوم وتحتاج تعلم ثقافة معينة؛ فالخروج للساحل حافي القدمين، يستلزم معرفة النتائج التي ستترتب على ذلك. كذلك، تستلزم معرفة كيفية التعامل في حالة حدوث جروح معينة. ولا تتوقف المعارف هنا، فالعامة قديماً يزعمون أنهم يسمعون أصواتاً لأنواع من القواقع، ويرسمون صوراً خيالية من خلال هذا الاعتقاد. لا تتوقف الصور الخيالية، التي رسمتها العامة، عند أصوات القواقع، فهناك صور أخرى، بشعة، رسمتها العامة لأنواع أخرى من الأصداف، فهل تلك الصور حقيقية أم مجرد خيال؟ في الحلقة القادمة سنتطرق لأنواع أخرى من الأصداف، والقصص أو الصور التي رسمتها العامة لها.

الشكيكة (يمين أعلى)، والگَير (يمين أسفل)، والخالوف (يسار)
الشكيكة (يمين أعلى)، والگَير (يمين أسفل)، والخالوف (يسار)

العدد 4746 - الجمعة 04 سبتمبر 2015م الموافق 20 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:44 ص

      تعبت وانا اقول لزميلي

      ان الخالوف اسمه الخالوف مو راضي يصدق ههه
      على فكرة فيه لحمة زينة داخل
      يعني الي يبي ياكل مأكولات بحرية زين
      اذا كان حلال بالنسبة له

اقرأ ايضاً