العدد 4718 - الجمعة 07 أغسطس 2015م الموافق 22 شوال 1436هـ

المسابقات الشعرية بين شد الشعراء وجذب النقاد

لجان تحكيم متكررة وموضوعات مستنسخة

في أكثر من موسم تتوالى المسابقات الشعرية، بين لجان تنظيمية وشعراء يتنافسون ونقاد يحكمون ويحققون النصوص، وجماهير يتحمسون في أجواء من الترقّب والتباين بين لجان التحكيم والجمهور والشعراء أنفسهم، حيث دائماً ما تتباين النتائج في فرز الشعراء ونصوصهم الحاصلة على قصب السبق.

تستطلع فضاءات «الوسط» مجموعة من الشعراء عن تجاربهم في المشاركة بالمسابقات الشعرية المختلفة، وأثرها في صقل الموهبة الشعرية وإبرازها، وأهم ملاحظاتهم وتطلعاتهم لتطوير هذه المسابقات الشعرية بالتحديد.

راح الشعراء الخمسة يستعرضون تجاربهم في المسابقات الشعرية مؤكدين على دورها في صنع حراك ثقافي إبداعي مع ضعف إعلامي، لكنهم أخذوا عليها انحصارها في المجال الديني والمناسباتي وتكرار لجان التحكيم نفسها وتغليب ذائقتها الشخصية، ووجود فجوة بين التحكيم والشعراء المشاركين، مع الإشارة إلى التحذير من ظاهرة صنع الشعر بقياس المسابقات، بالإضافة إلى أن الشعر ليس تخيلاً وتصويراً فقط بل موضوع ومضمون.

كريم رضي: الشعر تاريخ وجغرافيا

الشاعر كريم رضي قال «من حيث بنية النص حققت المسابقات نقلة في المعنى باتجاه مزيد من المجازات والتخييل ومفارقة النمط التقريري المباشر، وأصبح التصوير والتخييل ركيزة أساسية في قصيدة المسابقة، ولعبت المسابقات دوراً في تقليل المباشرة الفجة في القصيدة وتغليب المجاز إلى أبعد حد على أن ذلك وإن عُد إنجازاً إلا أنه أصبح اليوم مشكلة فقد صار الشعر نصاً فقط وتقلصت بنية الموضوع إلى أدنى حد. وعلينا ألا ننسى أن الشعر ليس موضوعاً فقط بل تخييل وتركيب وتصوير ولكنه أيضاً ليس تخييلاً وتصويراً فقط بل موضوع ومضمون وتاريخ وجغرافيا.

أما من حيث الجانب الفني والمالي فالمسابقات تطوّرت كثيراً إعلامياً وتقنياً ومادياً وأذكر أني فزت بالنسخة الأولى من مهرجان أبي تراب في سار بالمركز الأول وحصلت على درع أعتز به من يد الرمز المجتمعي المرحوم سيد جعفر المحفوظ لكنهم اليوم يقدمون مكافأة مادية كما أن هناك تطوراً جيداً حدث بوضع حد أقصى لعدد أبيات القصيدة بينما كان يقتصر في السابق على الحد الأدنى وهو ما كان يسمح بكتابة معلقات ترهق الجمهور والمحكم.

وحول مقترحاته للتطوير قال «من الصعب اقتراح تطوير فوقي للقصيدة فلو لاحظنا الشعراء بإبداعهم الحر ودون فرمانات، هم الذين طوروا المسابقات، فقط أتمنى أن ننحو قليلاً خارج المسابقات الموجهة دينياً ومناسباتياً وتكون للشعر مسابقات تخدم الشعر وقضاياه بموازاة تلك ففي النهاية إذا حصرنا المسابقات في هذه الأطر الضيقة دينياً سنصل إلى أننا لا نقول إلا معاداً من قولنا مكروراً. فلتنفق هذه الموارد الضخمة أيضاً على مسابقات الشعر للشعر فهذا هو ما يصنع الإبداع في النهاية».

ناصر زين: وجوه متكررة تحتكم لذائقتها

الشاعر ناصر زين رأى أن «المسابقات الشعرية عموماً أوجدت حراكاً ثقافياً إبداعياً تفاعلياً كبيراً، وكان لها دور في صقل المواهب نظراً لاحتكاك التجارب المبتدئة مع التجارب المتألقة مما يولّد تنافسية أنيقة وصاعدة، لكن ربما يؤخذ عليها أمران هما: تشابه موضوعاتها من حيث تحديد إطارها في الموضوع الديني في الأغلب الأعم، بل في شخصية تاريخية محددة رغم رمزيّتها العظيمة وإنسانيتها السماوية المتجذرة، كالإمام الحسين، دون القفز للموضوعات الوطنية مثلاً أو الأغراض الشعرية المتعددة، والأخرى دقّة اختيار اللجان التحكيمية التي في كثيرٍ منها تكون وجوهاً مكررة، أو تنتمي لمدارس شعرية مختلفة غير متوائمة مع بعضها، فضلاً عن استناد المحكم أو الناقد إلى ذائقته الشخصية كثيراً كمعيار في تحديد جماليات النص».

وأضاف «لابد من تحديد معاير علمية نقدية واضحة يكون النقاد والمحكمون ملتزمين التزاماً تاماً بها بصرف النظر عن مدارسهم الشعرية، وإذا كانت هناك مساحة للذائقة الشخصية فتكون في إطار ضيّق، ومن جهة أخرى لابد للقائمين على المسابقات العمل على تنوّعها في الموضوعات والأغراض الشعرية حتى لا تتشابه وتكون نسخاً مكررة فقط، فالأمر يدور مدار الكيف وليس الكم».

زهراء المتغوي: البحرين ولّادة

رأت الشاعرة زهراء المتغوي أن «المسابقات الأدبية فرصة سانحة تفجر ينابيع الإبداع، وتشعل المواهب ظهوراً وإعلاماً وشحذاً للأجمل، لأن الأديب يخرج أروع ما لديه، ويمازج التجارب، ويكتسب ثقة التمايز والتفاضل. كجواهر مكنونة، هي المواهب الأدبية، لا تلمع إلا إذا صقلتها يد خبير، فتنتها بدفء النقد البناء، وأبرزت خبايا جمالها ومواطن قوتها وضعفها. والبحرين بيئة خصبة لمثل هذه المواهب، ولادة لمزامير الشعر واللحون الأصيلة، والأديب فيها يستقدح اللغة والقصيدة والقصة من كل جمر، فيدخل باب المسابقة وفي روحه طموح، يحاول الإجابة عن سؤال مستمر: أين أنا؟ وهل أصل؟ ولكن أحايين كثيرة، يخبتُ في نفسه ذلك الضوء، ويخبو الانهمار، ليس لأن الفوز لم يكن حليفه، ولكن هناك ما يؤرجحه، يلولبه علواً وانخفاضاً، ذلك هو «لجان التحكيم».

وأضافت المتغوي «رغم أن الحديث ذو شجون، إلا أن النهوض بهذا المكون الأدبي هاجس مستمر، يحلم به كل مضطلع بالشعر والنثر والنقد على السواء. التجارب النقدية تكاد لا ترقى لمستوى التحكيم، فلا نتاجات تبدع ولا مؤلفات تشفع، والحسابات الإلكترونية الشخصية وتجارب التحكيم التي فشل معظمها، تكشف عن فجوة كبيرة بين مستوى الناقد والمشاركين، الذين ينحسر عددهم عاماً بعد عام، وهم يتطلعون للجان أكثر كفاءة».

وختمت المتغوي «ليس عيباً أن تستعين لجان المسابقات برواد في النقد من جامعات خارج الوطن، وليس عيباً أن تدرس غياب أسماء كثيرة عن باحة المسابقة، وأن تحاول ترميم فجوة الثقة، كي تستطيع المسابقات تحقيق هدفها فلا شيء بلا ثمن، والأثبت عوداً هو من يفعل ما يتوجب عليه فعله، ولا سيما أن معظم المسابقات تنضوي تحت مظلة الدين والأدب الأصيل، الذي يستحق».

سيدأحمد العلوي: هندسة القصائد

الشاعر سيدأحمد العلوي أشار إلى أن «المسابقات الشعرية تعد إحدى أدوات الحراك الثقافي في المنطقة وهي أشبه ما تكون بالطاحونة التي تحرّك الماء الراكد بعد أن ظلّ راكداً لمدة طويلة. وفي هذه المسابقات ظهرت وجوه واعدة موهوبة لم تكن لتظهر لولا هذه المسابقات، فكان حرياً لها أن تتنفس الفنَّ والتنافس المبدع من مَصابِّه ومناهله، وأتاح الإطلاع على تجارب الشعراء وتلقّي النّقد الأدبي من لجنة التحكيم فرصة للمتسابق لكي ينهض بتجربته ويمسح عن سطحها طبقة الصدأ الذي يحدّ من الانطلاقة ويحجّم التجربة».

واستدرك العلوي «هذه المسابقات في الوقت ذاته، لا تخلو من بعض الأخطاء حالها كحال جميع المسابقات الفنية كمسابقات التصوير والتمثيل والغناء وتلاوة القرآن والموسيقى، لأن الفنّ تفاعل شعوري وانصهارٌ للداخل بأداء الخارج، فلا يمكن التنظير له بأدوات قياسية بحتة، فلا بد من حضور ذوق المحكم وثقله الثقافي وهنا محك الابتلاء في الوقوع في خطأ الحكم».

وأضاف «الشعراء يؤخذ على بعضهم أنهم (شعراء مسابقات) يهندسون قصائدهم لتوجهات لجنة التحكيم وهذا سقوط للشعر والشاعر، ما لم يستقل الشاعر بتجربته ويقدم نموذجه بأخطائه فلن يخطو خطوة للأمام. ولتطوير هذه المسابقات، لا بد من الاعتناء بجودة النقد وهنا اقترح على لجان التحكيم تقديم مطوية نقدية للمتسابق توضح مواطن السلب والإيجاب في قصائد المشاركين، إذ ما الفائدة من المسابقات ما لم تؤسس لحالة نقدية تضيف للوسط الفني فناً وللمتسابق فائدةً!».

محمد مرهون: استقطاب

ثقافي وضعف إعلامي

الشاعر محمد مرهون قال «كان لي نصيب من المشاركة في المسابقات الشعرية في البحرين وخارجها، ومع تراكم التجارب والمحاولات استطعت صقل تجربتي الشعرية والانطلاق بها إلى أساليب مبتكرة أضافت للمشهد الشعري محلياً وخليجياً. ويمكن القول أن المسابقات الشعرية تشكل استقطاباً ثقافياً هائل التأثير على المهتمين بالشأن الثقافي والجمهور بصورة عامة، إذ ازداد اهتمام الناس بالشعر وظهرت العديد من المواهب الجديدة والجديرة بالإشادة، فضلًا عن مساهمة شبكات التواصل الاجتماعي في تضخيم هذا الأثر حتى وصل لأبعد مدى.

على المستوى الأدبي، تباينت وجهات النظر في مدى دقة وصوابية قرارات لجان التحكيم، حتى أنه بعد كل مسابقة تعلو وتيرة الانتقادات وتُعَمّق التحليلات في النصوص الفائزة. إلا أنه يمكن القول أن لجان التحكيم متكررة بشكل سنوي وفي أكثر من مسابقة مما لا يوفر رؤى جديدة تكتشف مواطن الجمال في المغاير من المدارس الشعرية، ويعزز الذوقية المقبولة حالياً من سيطرة العمود الشعري وتهميش الألوان الشعرية الأخرى. بعض الأحيان يتفاجأ الشعراء بقرارات تبدو في غاية الغموض حيث لم تكن متوقعة البتة، ويرجع بعض الشعراء هذه الظاهرة إلى شيء من قصر الرؤية من قبل لجنة التحكيم، إلا أن في مثل هذه الأمور الفنية يصعب الحكم بشكل مطلق».

وعن التحديات التي تواجه هذه المسابقات أضاف «أحد التحديات هو ضعف الحضور الإعلامي والإعلاني، فهما لا يتعديان الإعلان الداعي للمشاركة والمفصل لشروط المسابقة، والخبر الذي تنشره الجريدة بعد ختامها. بحكم خبرتي في هذين المجالين (الإعلام والإعلان)، فإنني أرى أن الميزانيات الضخمة تنفقها الشركات من مختلف الميادين من أجل تعزيز حضورها إعلامياً وإعلانياً ما يعود عليها بالوعي الجماهيري والزيادة في الأرباح، وهذا ما يجب أن تتبناه مسابقاتنا الشعرية، ولكن عليها أولاً إعادة توجيه ميزانياتها نحو الاهتمام بشبكات التواصل الاجتماعي وتكثيف الحضور على أرض الواقع، بمعنى تنظيم المؤتمرات الصحفية والتواصل النوعي مع الشعراء والشاعرات المحتمل مشاركتهم في المسابقة، بالإضافة إلى التنويع في طريقة تنظيم المسابقة بحيث تواكب أحدث الممارسات الإبداعية والتقنية، وختم أرجو أن تستمر المسابقات في صقل المواهب ومواكبة التطور على جميع الأصعدة».

العدد 4718 - الجمعة 07 أغسطس 2015م الموافق 22 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً