العدد 4718 - الجمعة 07 أغسطس 2015م الموافق 22 شوال 1436هـ

الكيزان وأهميتها: من دلمون إلى أوال

نوع «الكوز» Hexaplex kuesterianus
نوع «الكوز» Hexaplex kuesterianus

من أشهر أنواع الكيزان على سواحل الخليج العربي هو النوع المعروف بالاسم العلمي Hexaplex kuesterianus من عائلة المرَّيق (Muricidae). هذا النوع كان متوافراً على شواطئ الخليج العربي وكان يؤكل، بالإضافة لذلك فإن أنواعاً من القواقع والتي تنتمي للجنس Hexaplex كانت تستخدم في الحضارات القديمة لتحضير أظفار الطيب وكذلك، في تخضير صبغة أرجوانية خاصة. يذكر أن كلا الصناعتين، تحضير أظفار الطيب وتحضير الصبغة الأرجوانية من حيوان الكوز، كانت معروفة في حضارة وادي الرافدين والخليج العربي منذ العصور القديمة. هذا وقد عثر على العديد من بقايا الكوز في المواقع الأثرية في البحرين؛ فهل كانت تلك الصناعات رائجة في دلمون؟ وهل بقايا الكوز في المواقع الأثرية تشير لأماكن تصنيع هذه المنتجات؟ أم أن بقايا الكوز تشير فقط إلى أن هذه الحيوانات كانت تستخدم كغذاء؟

هناك ثلاث دراسات أساسية درست تصنيف القواقع والأصداف في المواقع الأثرية في البحرين، منها دراسة Stephen Green في العام 1994م. وهي دراسة يرجح أنها غير منشورة، أو ربما نُشرت في بعض النشرات البيئية غير المتخصصة المحدودة التوزيع والتي لا تلقى أي أهمية. وقد حصلتُ على مسودة تلك الدراسة والتي كُتب بعضها بخط اليد. وقد قام Green بعملية مسح سطحي للأصداف والقواقع (البحرية، وقواقع المياه العذبة، والقواقع التي تعيش على اليابس)، وذلك في ثلاث مواقع أثرية في البحرين هي: موقع معبد الدراز الدلموني بين الدراز وباربار، وموقع رأس الجزائر والذي يقع بالقرب من قرية الزلاق والذي يعود للحقبة 2000 - 1800 ق. م، وموقع المرخ، الذي يقع إلى الجنوب من رأس الجزائر على الساحل الغربي، وهو يعتبر من أهم مواقع حضارة العبيد في البحرين التي يعود تاريخها للألف الخامس قبل الميلاد. ومن خلال هذه الدراسة يتضح أن بقايا الكوز من نوع Hexaplex kuesterianus كانت سائدة في المواقع الأثرية الثلاث السابقة.

من الدراسات أيضاً، دراسة Glover، الذي قام بعمل مسح للأصداف التي توجد في موقع سار الأثري، وبالخصوص موقع المعبد الدلموني في سار، وقد نشرت نتائج هذا المسح في العام 1995م وأعيد نشر البحث في العام 1997م ضمن كتاب «The Dilmun Temple at Saar». وهنا أيضاً، يؤكد Glover كثرة بقايا الكوز من النوع السابق الذكر. وهناك أيضاً دراسة Smith عن بقايا الحيوانات (باستثناء بقايا الأسماك) في المنطقة القريبة من مسجد الخميس، والتي نشرت في كتاب The land of Enki الذي صدر العام 2005م. وقد كشفت هذه الدراسة عن وجود بقايا كثيرة للقوقعة من نوع «الكوز»، السالف الذكر، في جميع الحقب الإسلامية الممتدة من القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر الميلادي.

الأهمية الاقتصادية للكوز

من خلال نتائج الدراسات السابقة، يستنتج أن هناك نوعاً من الكيزان وهو Hexaplex kuesterianus، عُثر على آثاره في العديد من المواقع الأثرية في البحرين والتي تعود لحقبة دلمون وللحقب الإسلامية. وقد اعتبر من أنواع القواقع السائدة في المواقع الأثرية في البحرين. وهذا يعني أن هذا النوع من الكيزان كان يستخدم في كل من حقب دلمون والحقب الإسلامية، ولا يعلم بالتحديد فيما كان يستعمل في تلك الحقب. إلا أن البعض يرى أنه لم يكن يستخدم كغذاء فقط بل إنه كان يستعمل في صناعات أخرى مثل تحضير الأصباغ الأرجوانية وتحضير أظفار الطيب. وسنحاول هنا توضيح هذه الاستعمالات الثلاث لهذا الكوز في البحرين، مستعينين بالمصادر التاريخية.

إنتاج الصبغة الأرجوانية

في إقليم دلمون

منذ نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد عرفت الشعوب القديمة وبالخصوص الفينيقيين وغيرهم من شعوب البحر المتوسط طريقة استخلاص الصبغة الأرجوانية من غدة خاصة، تسمى الغدة التحت خيشومية، التي توجد في عددٍ من القواقع البحرية. وهناك أنواع محددة من القواقع اشتهرت كمصدر لهذه الصبغة بحسب المناطق المختلفة؛ ففي البحر المتوسط أشتهر كوز البحر المتوسط وهو Hexaplex trunculus، وفي مناطق أخرى اشتهرت أنواع من قواقع أخرى منها ما ينتمي لجنس Thais وهو نوع من الكيزان أيضاً (Koren 2005).

كذلك، فقد عُثر في أحد المواقع الأثرية في قطر على ركام من الأصداف يعود تاريخه للألف الثاني قبل الميلاد، ويمثل هذا الركام (والموقع نفسه) امتداداً لإقليم دلمون؛ حيث عثر فيه على فخار باربار الذي يميز المدينة الثانية في موقع قلعة البحرين. أما الأصداف التي تسود في هذا الركام فهي نوع من القواقع، تسميه العامة في البحرين وقطر «بو عَلُوه» واسمه العلمي Thais savignyi، وقد درس Eden هذا الموقع وأستنتج أنه موقع لتحضير الصبغة الأرجوانية وقدم نتائج دراسته في أطروحته التي نال عليها درجة الدكتوراه في العام 1987م والمعنونة A late second millennium B. C. purple dye industry in Qatar. وقد ساق Eden العديد من الدلائل التي تثبت نظريته.

بالمقابل، لا توجد دراسات علمية دقيقة أجريت على ركام الأصداف في البحرين والذي يكثر فيه بقايا الكوز Hexaplex kuesterianus والذي يعتبر أيضاً مصدراً للصبغة الأرجوانية.

تحضير الصبغة الأرجوانية في البحرين

في العام 2001م قامت بعثة تنقيب بقيادة Timothy Insoll بالتنقيب في موقع بالقرب من مسجد الخميس، وقد كان التركيز على الحقب الإسلامية الممتدة من القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر الميلادي. وقد تم نشر التقارير الأولية لهذه البعثة في كتاب The land of Enki الذي صدر العام 2005م. ومن ضمن هذه التقارير كان تقرير Smith عن بقايا الحيوانات (باستثناء بقايا الأسماك) في تلك المنطقة. وقد كشفت هذه الدراسة عن وجود بقايا كثيرة للقوقعة من نوع «الكوز» Hexaplex kuesterianus في جميع الحقب الإسلامية الممتدة من القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر الميلادي. وقد كانت الغالبية العظمى للقواقع مكسرة مما يرجح أنها لم تكن تستخدم كغذاء، إلا أن خيار استخدامها كغذاء لم يستبعد كلياً، إلا أن Smith رجح أمراً آخر، وهو استعمالها لاستخلاص الصبغة الأرجوانية منها (Smith 2005, p.222). هذا وقد ذكر كل من Smith وInsoll أدلة تدل على استعمال الصبغة الأرجوانية في البحرين حيث ذكرا عددٍ من قطع الفخار المغطاة بطبقة قشرية سميكة عليها بقايا اللون الأرجواني وهو ما اعتبراه دليلاً على تحضير الصبغة الأرجوانية واستعمالها في البحرين في الفترة بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين (Smith 2005, p.222) و(Insoll 2005, p.327 - 328).

مما سبق نستنتج أنه كانت للكوز أهمية اقتصادية كبيرة، لا تقتصر فقط على استخدامه كغذاء، بل إنه ربما استخدم في البحرين القديمة كمصدر للحصول على الصبغة الأرجوانية، وذلك منذ أن كانت البحرين مهداً لحضارة دلمون، وكذلك في الحقب الإسلامية. وكذلك فقد استخدم في صناعة أخرى شهيرة، سوف نتطرق لها بالتفصيل في الحلقة القادمة.

العدد 4718 - الجمعة 07 أغسطس 2015م الموافق 22 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً